فكرة احتلال غزة تأكيد لأزمة مصداقية إسرائيل العالمية
ترجمة أحمد بن عبدالله الكلباني
آمين سايكال
رغم كل الادعاءات التي تزعمها إسرائيل بأنها دولة ديمقراطية، وأنها ملتزمة بالقانون الدولي والقواعد الحربية، إلا أنها تزيد من أزمة مصداقيتها العالمية، وتضع نفسها في حالة لا يرثى لها.
كان للخطة الأخيرة التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثر على وضع إسرائيل أمام الدول؛ فهي تضع نفسها في مأزق عدم المصداقية، وليس للخطة الأخيرة فحسب، بل كذلك لما تقوم به من عمليات التجويع والعمليات القمعية في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين.
ورغم الدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من أمريكا؛ إلا أنها تواجه أزمة مصداقية دولية قد توصم بها إسرائيل لوقت طويل، ولن تتعافى منها بسهولة.
وخلص استطلاع للرأي قام به مركز «بيو» بدايات 2025 إلى أن النظرة الدولية لإسرائيل أصبحت سلبية أكثر من السابق، وأن غالبية من أجري عليهم الاستطلاع اتخذوا موقفا سلبيا تجاه إسرائيل منهم 78 % في هولندا، و79 % في اليابان، و75 % في إسبانيا، و74 % في أستراليا، و93 % في تركيا، و75 % في السويد. كل تلك النسب حملت مواقف سلبية تجاه إسرائيل على خلفية أعمالها في الحرب في قطاع غزة.
إلى جانب ذلك أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق «يوآف غالانت»، وكانت التهمة المنسوبة إليهما ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد عضد هذه المذكرة اتهامات عديدة طالت إسرائيل من خبراء القانون الدولي، والباحثين في الإبادة الجماعية، ومنظمات حقوق الإنسان الذين اتفقوا جميعا على أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.
وكذلك فإن مؤيدي دولة إسرائيل التقليديين كان لهم موقف معارض لحكومة نتنياهو، ممن هم في الداخل الإسرائيلي ومن في الخارج. ومن بين أشد المعارضين رئيسا الوزراء السابقان «إيهود أولمرت»، و«إيهود باراك»، وكبير الأدباء الإسرائيليين «ديفيد غروسمان»، والحاخامان «جوناثان فيتنبرغ»، و«دلفين هورفيلور».
وبالإضافة إلى ذلك قدم العديد من المسؤولين في الأمن الإسرائيلي المتقاعدين مناشدات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ للضغط على قرارات نتنياهو، والسير نحو إنهاء الحرب.
ومع تصدر صور الأطفال الجائعين في غزة نشرات الأخبار خلال الأسابيع الأخيرة، وصل كثير من أصدقاء إسرائيل في التحالف الغربي إلى مرحلة لم يعودوا قادرين فيها على تحمل سياساتها.
وفي تحول لافت في الرأي العام العالمي؛ أعلنت فرنسا أنها ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر القادم، فيما تعهدت المملكة المتحدة، وكندا بالسير على النهج نفسه، وحتى ألمانيا بدأت بالفعل إجراءات الاعتراف. أما رئيس الوزراء الأسترالي «أنتوني ألبانيزي» فقد أشار إلى أن اعتراف بلاده بدولة فلسطين بات مسألة وقت فقط.
ودعت كل من إسبانيا والسويد إلى تعليق اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بينما صنّفت هولندا إسرائيل رسميًا كـ«تهديد أمني» مشيرة إلى محاولات إسرائيل التأثير على الرأي العام الهولندي.
وقد رفضت إسرائيل والولايات المتحدة جميع هذه الاتهامات والخطوات، غير أن الزخم الدولي المعارض لإسرائيل جعلها تعتمد على واشنطن باعتبارها الداعم العالمي الكبير الوحيد لها.
وباتت سيادة إسرائيل وأمنها وازدهارها مرهونة باستمرار الدعم الأمريكي؛ إذ لولا المساعدات الأمريكية، وعلى رأسها مليارات الدولارات من صادرات الأسلحة لوجدت إسرائيل صعوبة في مواصلة حملتها المدمرة على غزة، أو في الحفاظ على احتلالها القمعي للضفة الغربية والقدس الشرقية منذ حرب 1967 العربية الإسرائيلية.
ومع ذلك، ورغم التزام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العميق تجاه إسرائيل؛ فإن الكثير من الناخبين الأمريكيين باتوا يتساءلون بجدية عن حجم تأثير نتنياهو في واشنطن، وعن جدوى المساعدات الأمريكية لإسرائيل.
ووفق استطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» في مارس؛ فإن أقل من نصف الأمريكيين أبدوا تعاطفا مع إسرائيل. كما عبّر بعض المقربين من تيار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا» الموالي لترامب، مثل المخطط السياسي «ستيف بانون»، وعضو الكونجرس المتشددة «مارجوري تايلور غرين» عن استيائهم. وحتى ترامب نفسه شكك علنا في تصريح نتنياهو الذي نفى فيه وجود مجاعة في غزة.
وكثير من الإسرائيليين يتمنون رحيل نتنياهو ورفاقه في الحكم من اليمين المتطرف، خاصة بعد فشله في تأمين الإفراج عن جميع الأسرى. كما أن شريحة واسعة منهم تريد إنهاء الحرب؛ فقد أظهر استطلاع أجرته القناة 12 الإسرائيلية أن 74% من الإسرائيليين يؤيدون صفقة تنهي الحرب مقابل الإفراج عن بقية الأسرى.
لكن على الرغم من ذلك لا يزال معظم الإسرائيليين يتبنون موقفا سلبيًا تجاه فكرة قيام دولة فلسطينية مستقبلية؛ فقد كشف استطلاع أجراه أكاديمي أمريكي أن 82% من الإسرائيليين اليهود يؤيدون طرد الفلسطينيين من غزة، فيما أظهر استطلاع مركز «بيو» مطلع عام 2025 أن 16 % فقط من الإسرائيليين اليهود يعتقدون بإمكانية التعايش السلمي مع دولة فلسطينية، وهي أدنى نسبة منذ بدء هذه الاستطلاعات عام 2013.
هذا يعكس أن التوجه المتطرف لم يعد سمة الدولة الإسرائيلية فحسب، بل أصبح خيارا غالبا لدى الناخب الإسرائيلي نفسه فيما يتعلق بالاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
وتحت الضغط الدولي سمح نتنياهو بمرور مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن خطته الجديدة للسيطرة العسكرية الكاملة على القطاع توضح أنه غير مستعد لتغيير مسار الحرب طالما ظل الدعم الأمريكي ثابتا.
وتبدو حكومته مصممة على القضاء على حركة حماس، وربما تفريغ غزة من سكانها وضمها، ثم المضي لاحقا في ضم الضفة الغربية، وهي خطوة من شأنها أن تُجهز تماما على فكرة حل الدولتين.
ولمنع هذا السيناريو؛ ينبغي لواشنطن أن تميل بموقفها مع باقي المجتمع الدولي، وإلا فإن إسرائيل -وهي معزولة مطلقة اليد- ستزيد من الشرخ بينها وبين حلفاء أمريكا التقليديين في عالم شديد الاستقطاب.
آمين سايكال أستاذ فخري لدراسات الشرق الأوسط في الجامعة الوطنية الأسترالية
عن آسيا تايمز.
