فرصة أخيرة لإحياء حل الدولتين

16 يوليو 2022
16 يوليو 2022

لعدة عقود تمركز حل صراع الشرق الأوسط حول جملة دبلوماسية واحدة وهي "حل الدولتين." في الأصل كان واضحا أن الشعار يرمز إلى فكرة ملموسة - إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل. ولكن بالنسبة لمعظم الساسة أصبح شعارا فارغا يتم تكراره بصورة غير مقنعة وبدون أي رغبة حقيقية في رؤية تنفيذه.

راقب على سبيل المثال ما أعلن من مكالمة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وحسب بيان الخارجية الأمريكي "ركز بلينكن على أن الولايات المتحدة ملتزمة لتحسين نوعية الحياة للشعب الفلسطيني بطرق ملموسة وأن إدارة (بايدن) تدعم حل الدولتين من خلال التفاوض. لا جديد في هذا الكلام. فرغم أن الولايات المتحدة اعترفت رسميا في إسرائيل بقبولها قرار التقسيم لعام 1947 إلا أنها ما زالت غير معترفة بالدولة الفلسطينية الواردة في نفس قرار التقسيم. ومنذ ذلك الوقت فقد احتلت إسرائيل باقي المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية، ورغم أن الولايات المتحدة ومعظم باقي دول العالم قد طالبت من إسرائيل إنهاء احتلالها على ملايين الفلسطينيين ولكنها لم تعمل أي أمر لتغيير الأمر الواقع. وذلك رغم أن الأمم المتحدة قد اعترفت بفلسطين كدولة غير عضوة، وقد اعترفت رسميا 139 دولة عضوة في الأمم المتحدة بدولة فلسطين إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا لم تتخذ نفس القرار المهم. رغم ذلك يستمر المسؤولون الأمريكيون تكرار جملة "حل الدولتين" بصورة روتينية، والتي أصبحت عبارة لا معنى لها. كما أن قليلين يتوقعون أن تقوم الولايات المتحدة بمقاطعة إسرائيل أو تسليح الفلسطينيين (كما تعمل مع الأوكرانيين) إلا أن هناك خطوات عملية يمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن يقوم بها كي يتم ترجمة عبارة حل الدولتين وكي لا يكون عبارة عن شعار فارغ من المعنى. فعلى سبيل المثال يمكن للولايات المتحدة أن تسحب اسم منظمة التحرير الفلسطينية -التي وقعت اتفاق أوسلو مع إسرائيل- من قائمة المنظمات الإرهابية.

كما يمكن للولايات المتحدة أن تمنع استيراد أي مواد مصنعة في المستوطنات اليهودية غير القانونية التي تحمل شعار "صنع في إسرائيل" وهو بيان مصدر غير صحيح. كما ويمكن أن تطالب إسرائيل بوقف استخدام العنف يوميا ضد الفلسطينيين وأن تعمل على إحقاق العدالة لشيرين أبو عاقلة الصحفية الأمريكية الفلسطينية والتي اعترف مسؤولون أمريكيون أنه من المرجح أنها قُتلت برصاصة إسرائيلية.

أمريكا يمكن أن تعمل أكثر لمساعدة الشعب الفلسطيني وبناء مؤسسات الدولة وهو أمر ضروري لإنهاء سيطرة إسرائيل على الأرض والمياه والهواء في فلسطين. إسرائيل تحدد استخدام المياه للفلسطينيين وتضع إجراءات لمنع البناء الفلسطيني في الأراضي المحتلة وتقوم بشكل دائم بهدم البيوت وترفض حتى تحديث أجهزة البث للخلويات الفلسطينية في حين يتم السماح لإقامة أبراج غير قانونية إسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وتحت هذه الظروف من المستحيل أن يتم إقامة اقتصاد فلسطيني مستقل، ولكن دعم تحسين وتفاعل اقتصادي أفضل مع الدول العربية المجاورة وخاصة الأردن ومصر سيكون له دور مهم في إنهاء الاعتماد الإجباري على إسرائيل. يجب أن يكون هناك شرطة فلسطينية على جسر الملك حسين المعبر الوحيد بين الضفة والأردن ويجب أن يتم السماح للفلسطينيين التنقل الحر بين الضفة وقطاع غزة. إسرائيل نفسها التزمت هذين المطلبين عندما وقعت اتفاقيات أوسلو. التطورات السياسية تشير إلى أن كل هذا ممكن.

وعكس رئيس الوزراء اليميني السابق نفتالي بنيت فإن لابيد يؤيد حل الدولتين وهو من مناصري التفاوض مع القيادة الفلسطينية. قد تكون فترة حكم لابيد قصيرة خاصة وأن الإسرائيليين يتوجهون لانتخابات عامة لاختيار حكومة في شهر نوفمبر القادم.

مرة أخرى على الفلسطينيين انتظار نتائج انتخابات إسرائيل وهو أمر أصبح مضيعة للوقت. أن الأرض بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن يجب أن تقسم إلى دولتين مستقلتين أو أن يتم مشاركة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني في دولة تحقق لكافة المواطنين المساواة في الحقوق. القادة الإسرائيليين والأمريكيين الذين يؤمنون بحل الدولتين عليهم إثبات أنهم يعنون ما يقولون.

على أقل تقدير يجب أن تطالب أمريكا -وتحت تهديد العقوبات- من إسرائيل أن تتوقف عن أي أعمال قد تؤثر على قيام دولة فلسطينية مترابطة. عندما كان بايدن نائب الرئيس سمحت إدارة أوباما بقرار مجلس الأمن لقرار 2334 والذي اعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 أنها غير قانونية وطالب إسرائيل بمنع أي بناء إضافي للمستوطنات في الأراضي المحتلة. ولكن بعد مغادرة بايدن من المقرر أن تعلن إسرائيل الموافقة على خطة استيطانية والتي ستمنع من الترابط بين شمال وجنوب الضفة الغربية. إن استمرار الاستيطان الإسرائيلي يحول فكرة الدولتين والقادة الذين يؤيدونها إلى أضحوكة.

يبقى السؤال، هل القادة العالميين ومنهم بايدن جادين عندما يتحدثون عن دولة فلسطينية ديمقراطية بجانب دولة إسرائيل؟ ففي غياب تغيير حقيقي في السياسة سيكون شعار "حل الدولتين" شعارا فارغا لا معنى له.

داود كتاب، أستاذ سابق للصحافة في جامعة برينستون، وهو المؤسس والمدير السابق لمعهد الإعلام الحديث في جامعة القدس في رام الله.

خدمة بروجيكت سنديكيت