عودة توسع الاتحاد الأوروبي

23 يوليو 2023
23 يوليو 2023

إن من المستغرب أن سياسة الاتحاد الأوروبي الأكثر نجاحا لم تحظ بشعبية على الإطلاق في بروكسل على مدار العقد الماضي، ولكن حاليا بدأت نظرة المؤسسات السياسية والحاكمة في الاتحاد الأوروبي تتغير حيث عاد توسع الاتحاد الأوروبي إلى جدول الأعمال ولقد عاد ليبقى.

لقد أدى توسع الاتحاد الأوروبي وتطوره إلى إحداث تغيير جذري في أوروبا حيث زاد عدد أعضائه من 6 أعضاء إلى 27 عضوا حاليا، وبينما كان الهدف من هذه الكتلة في الأصل تسهيل المصالحة الفرنسية الألمانية في منتصف القرن العشرين، سرعان ما أصبحت وسيلة لتأمين الديمقراطية في جنوب أوروبا بعد سقوط الديكتاتوريات في اليونان والبرتغال وإسبانيا، ولاحقا لذلك وبعد سقوط الشيوعية أدى توسع الاتحاد الأوروبي إلى تغيير جذري في معظم أرجاء وسط وشرق أوروبا.

يدين الاتحاد الأوروبي بالفضل على الازدهار الذي حققه لسوقه الداخلي الكبير حيث يمكن للأفراد والبضائع والأفكار ورؤوس الأموال التحرك بحرية كما اختفت تدريجيا العديد من الحدود والحواجز القديمة. لم يكن التوسع والتكامل الأوروبي سهلين دائما، كما لم تكتمل العملية ولكنها حققت نجاحا هائلا بشكل عام. لكن نادرا ما كان هذا التوسع يحظى بالشعبية، ففي داخل الفقاعات السياسية للمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، كان هناك دائما أحاديث جانبية سلبية حول ما قد ينتج عن ذلك من تحديات مؤسسية ومشاكل الميزانية وتعطيل الوضع الراهن.

إن مثل هذه الشكاوى - والتي تجد لها صدى في بعض الدول الرئيسية الأعضاء بالاتحاد الأوروبي - تساعد في تفسير سبب توقف عملية توسع الاتحاد الأوروبي منذ حوالي عقد من الزمان. لقد كانت آخر دولة يتم قبولها عضوا في الاتحاد الأوروبي هي كرواتيا في سنة 2013. وفي الوقت نفسه، تم استبعاد بقية دول غرب البلقان وعلى الرغم من الدعوة الرسمية التي تلقتها للانضمام قبل عقدين من الزمن (وإن كانت بعض تلك الدول لم تساعد في إحراز تقدم فيما يتعلق بطلباتها للانضمام للاتحاد الأوروبي). أما الآن فلقد تغيرت المعادلة وذلك بسبب حرب روسيا ضد أوكرانيا حيث تقدمت أوكرانيا بطلب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي بعد أيام قليلة من الحرب، واعترف الاتحاد الأوروبي بوضعها كمرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في وقت قياسي، وما كان من غير الممكن تصور حدوثه في السابق، أصبح فجأة ضرورة استراتيجية. إن من المتوقع بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو 2024 أن تضع المفوضية الأوروبية القادمة التوسع على قمة أولوياتها.

صحيح أن هذا التغيير ينطوي على بعض المخاطر، فقد تصل عملية انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي إلى طريق مسدود مثلما حدث في عملية انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي بعد الحروب التي تلت تفكك يوغوسلافيا في تسعينيات القرن الماضي، ومع ذلك، هناك سبب وجيه يدعونا للاعتقاد بأن هذه المرة مختلفة علما أن الفشل في قبول أوكرانيا من شأنه أن يعرض الأمن الأوروبي للخطر وهو كارثة استراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

لكن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ليس بالأمر السهل وهو يتطلب محادثات مطولة ومفصلة والتي هي في واقع الأمر خضوع يتم التفاوض بشأنه لجميع القواعد واللوائح الواردة في الفصول الخمسة والثلاثين المتعلقة بالحقوق والالتزامات المشتركة للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي (مجموعة قوانين الاتحاد الأوروبي).

إن هذه العملية مملة ومعقدة ولا مفر منها حيث لا توجد طرق مختصرة للالتفاف عليها. إن الدول التي انضمت للاتحاد الأوروبي بعد الأعضاء الستة الأصليين تفاوضت لمدة أربع سنوات في المتوسط، بينما تمكنت فنلندا والسويد من إكمال جميع الفصول في فترة قياسية بلغت عامين. أما البرتغال وإسبانيا فلقد استغرقت العملية حوالي ست سنوات لكل منهما وذلك بسبب التعقيدات المتعلقة بسياساتهما الزراعية.

تقوم المفوضية الأوروبية الآن بتقييم الخطوة القادمة التي يجب اتخاذها مع توقع صدور تقرير في هذا الخصوص في شهر أكتوبر. إذا أوصت المفوضية بالمضي قدما في مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، وإذا وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على القيام بذلك عندما يجتمع في ديسمبر، يمكن أن تبدأ المحادثات مع كل من أوكرانيا ومولدوفا في وقت ما من عام 2024. وإذا حدث ذلك، فإن هناك فرصة بأن يتم إكمال المفاوضات خلال فترة العمل القادمة للمفوضية الأوروبية والتي تبلغ خمس سنوات. لكن العقبات كثيرة حيث يجب أن تحافظ أوكرانيا على زخمها الإصلاحي، وسيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إدارة مختلف القضايا المؤسسية وتحديات الميزانية التي عادة ما تصاحب توسع الاتحاد الأوروبي، ولكن بالتحضير الجيد فإنه من الممكن التغلب على مثل تلك الأمور.

لقد تطلب انضمام إسبانيا للاتحاد الأوروبي في عام 1986 وبولندا في عام 2004 فترات انتقالية طويلة وإدارة دقيقة للقضايا الحساسة، لكن كلاهما نجح في نهاية المطاف. أما أوكرانيا فهي كبيرة الحجم جغرافيا ولكنها صغيرة من نواحٍ عديدة أخرى، فمن حيث عدد السكان، فهي أصغر بكثير من المملكة المتحدة (التي خرجت من الاتحاد الأوروبي مؤخرا)، ولكنها قريبة من بولندا وإسبانيا. ومع ذلك، فإن اقتصادها أضعف بكثير، وحتى قبل الحرب، كان نصيب الفرد في أوكرانيا من الناتج المحلي الإجمالي أقل من ثلث متوسط الاتحاد الأوروبي ومنذ الغزو خسرت ثلثا آخر تقريبا. وبالتالي، فإن دمج أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي سيشكل عبئا كبيرا على الميزانية، مما يؤكد الحاجة إلى وجود ما يكفي من الاستعداد والإرادة السياسية. وبنظرة مستقبلية فإن من الممكن أن يؤدي إطلاق مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا ومولدوفا أيضا إلى دعوات لاستئناف المحادثات مع دول غرب البلقان، وإذا تم تجاوز هذا الطريق المسدود، فقد يصبح الاتحاد الأوروبي يسير فجأة على الطريق الصحيح لأن يبلغ عدد أعضائه 35 دولة في غضون عقد من الزمان.

إن من الجدير ذكره أن موجات التوسع السابقة كانت دائما مصحوبة بمخاوف من إضعاف الاتحاد الأوروبي، ولكن في كل حالة، أصبح الاتحاد أكثر قوة، ومع توسع الاتحاد أصبح أكثر أهمية على الصعيد العالمي. لا يوجد سبب يدعونا للاعتقاد بأن إضافة أعضاء جدد اليوم ستؤدي إلى نتيجة مختلفة، لكن يجب إدارة العملية بعناية من أجل التمسك بالمبادئ والمعايير الأوروبية. سوف تحدد كيفية التعامل مع المرحلة التالية من توسع الاتحاد الأوروبي مصير أوروبا لعقود قادمة.

كان كارل بيلدت دبلوماسي دولي، شغل منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة، والرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.