على ماكرون تغيير سياسة فرنسا تجاه إفريقيا

04 مارس 2023
04 مارس 2023

ترجمة : قاسم مكي -

امتنعت إحدى وعشرون دولة إفريقية أو غابت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع قبل الماضي على قرار يطالب بانسحاب روسيا من أوكرانيا. ستة من هذه البلدان مهمة على نحو خاص لفرنسا.

سبق أن زار الرئيس ايمانويل ماكرون اثنتين منها في يوليو الماضي هما الكاميرون وغينيا بيساو. وتستضيفه الآن ثلاثة أخرى هي أنجولا والجابون والكونغو. ويُعتبر ماكي سال رئيس البلد السادس السنغال صديقا وحَلَّ ضيفا على قصر الإليزيه قبل شهر فقط.

ما زاد الطين بلّة (لفرنسا) أن دولة مالي التي سبق لها الامتناع عن المشاركة في تصويت مماثل في أكتوبر الماضي تحولت إلى التصويت ضد القرار هذه المرة وانضمت إلى روسيا وأمثال كوريا الشمالية وبيلاروسيا.

على الرغم أن هذه الخطوة لم تكن غير متوقعة تماما إلا أنها كانت تذكيرا مؤلما بإخفاقات فرنسا في بلد فقدت فيه قواتها المسلحة 58 جنديا يقاتلون الجماعات المسلحة قبل طردها العام الماضي من البلد بواسطة مجموعة عسكرية حاكمة لإفساح المجال لمرتزقة روس من جماعة فاجنر.

وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف الذي يكثر من رحلاته إلى إفريقيا هذه الأيام زار باماكو في أوائل فبراير في الحقيقة ليصدر تعليماته بالتصويت.

ماكرون الذي يشعر بالأسف (لإخفاقات بلده) يزور أفريقيا في جولته الثامنة عشرة إلى تلك القارة كرئيس لفرنسا. وهو لم يتخل عن طموحه بإحداث تحول في علاقة فرنسا الممتدة لعقود مع «مستعمراتها» السابقة. بل بالعكس يعد هذا التحول أكثر أهمية في عالم اليوم المُتشظِّي.

لكن على زعيم فرنسا إعادة النظر في مقاربته. فالحاجة مُلِحَّة لتغيير العلاقة بشكل جذري مع أفريقيا.

هذه الأيام مختلفة عن الأيام الأولى لفترته الرئاسية الأولى عندما ألقى خطابا عاطفيا في قاعة مزدحمة بجامعة وغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في نوفمبر 2017. كأول رئيس فرنسي يولد بعد حقبة الاستعمار أعلن ماكرون وقتها أن أيام سياسة فرنسا القديمة تجاه أفريقيا انتهت. ووعد بنموذج جديد (بديل لهذه السياسة) أكثر توازنا واحتراما للهويات الإفريقية. ولا شك أنه سيحصل على ترحيب أقل حرارة من طلاب وغادوغو.

بعد دولة مالي امتدَّت مظاهر عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن والاستياء من فرنسا وحملات التضليل الدعائية الروسية إلى بوركينا فاسو التي طلبت أيضا من القوات الفرنسية مغادرة البلاد.

فرنسا التي تضررت سمعتها غير راغبة في الانسحاب التام من منطقة الساحل (جنوب الصحراء الكبرى) فالعنف وانعدام الأمن يهددان اليوم حتى الدول الساحلية في غرب إفريقيا. وهي تقوم الآن بإعادة نشر قواتها وتعديل استراتيجيتها إلى وجود عسكري أكثر تحفظا.

يصف مسؤول في الإليزيه هذه «الفلسفة الجديدة» بأنها «نهاية دورة وضعت فرنسا نفسها فيها عند خط المواجهة». وأضاف: «نحن الآن ننتقل إلى دورة سنعمل فيها بعيدا عن الأنظار».

تلك كانت تجربة حجَّمت فرنسا. فأجندة ماكرون التغييرية سرعان ما اصطدمت بالحقائق على الأرض. أراد ماكرون أن تخلع فرنسا مِعطفَها الاستعماري. لكن محاربة الإرهاب إلى جانب الحكومات المحلية تعني ضمنا الحفاظ على قواعد عسكرية كانت في الواقع بقايا ماضيها الاستعماري. وليس من اليسير التظاهر بأنك غادرت فيما أنت لا تزال موجودا هناك.

من أجل الاستقرار انتهى الأمر بالرئيس الفرنسي إلى مناقضة مُثُلِه التي أعلنها بنفسه. لقد حضر جنازة رئيس تشاد ادريس ديبي في عام 2021. وهو بذلك بارك ضمنا انتقالا (لا ديمقراطيا جدا) للسلطة إلى ابن ديبي. لكن ألا تحتاج فرنسا إلى الحفاظ على قاعدة جوية في انجمَّينا لإمداد قواتها في المنطقة؟

وكان تأييده لرئيس ساحل العاج الحسن واتارا الذي انتخُب في عام 2020 لفترة ثالثة تعتبرها المعارضة غير دستورية يذكِّر بالعادات الفرنسية القديمة. لكن من الذي كان يريد مواجهة أزمة أخرى في بلد مفتاحي في غرب إفريقيا؟

فيما كان تعامل فرنسا العسكري مع انتشار هجمات الإرهابيين يراوح في مكانه كانت القارة تتغير. فمع أثر العولمة بدأت البلدان في أفريقيا تنظر إلى العالم بطريقة مختلفة. كما تغيرت نظرة العالم إليها.

لقد صارت فرنسا مجرد فاعل آخر من بين قوى عديدة متنافسة. فروسيا التي تلعب على روابط وثيقة اعتاد الاتحاد السوفييتي على الحفاظ عليها مع النُّخَب الإفريقية عادت مرة أخرى بقوة. وهي تستهدف مباشرة النفوذ الفرنسي. والصين وتركيا لاعبتان كبيرتان في القارة الإفريقية وبأجندة تتجاوز كثيرا مصالحهما الاقتصادية.

لدى الحكومات الإفريقية الآن تشكيلة كاملة من الشركاء لكي تختار من بينها. وهي لن تستشير في ذلك «حُماتها» القدامى.

لذلك خلال زيارة ماكرون الحالية علينا أن نتوقع قدرا كبيرا من التأكيد على التنوع الأحيائي ومقترحات بالمساعدة في محاربة التغير المناخي وعروض بالتعاون الزراعي وأيضا على شراكات ثقافية.

فرنسا المقتنعة بأن أفريقيا والدياسبورا الأفريقية (المهجر الإفريقي) في أوروبا أهمَّ من أن يتركا دون عناية تجدد مساعيها مرة أخرى.

سيلفي كوفمان مديرة تحرير صحيفة لوموند الفرنسية

عن الفاينانشال تايمز