على الناتو التَّريُّث قبل ضم فنلندا والسويد

04 يونيو 2022
04 يونيو 2022

ترجمة قاسم مكي

من مفارقات حربِ روسيا التي تخوضها ضد أوكرانيا، بِزَعْمِ منعِها من الانضمام إلى حلف الناتو، أَثَرُها على دولتين أوروبيتين محايدتين تقليديا هما فنلندا والسويد.

ففي 18 مايو وبعد 84 يوما بالضبط من الحرب سلَّم السفيران السويدي والفنلندي طلبي بلديهما للانضمام إلى الناتو خلال مراسم علنية بمقرِّه في بروكسل.

قال ينس ستولتينبرج الأمين العام للحلف بعد استلامه طلبي الانضمام "هذه لحظة تاريخية يجب أن نقتنصها. أنتما أقرب شركائنا وعضويتكم في الناتو ستعزز أمننا المشترك." يبدو من المرجح قبول طلبي الانضمام بسرعة. وسيزداد عدد أعضاء الناتو قريبا إلى 32 دولة.

لكن قد يخفق قادة الولايات المتحدة والناتو بمسارعتهم إلى إغاظة بوتين من خلال ضم فنلندا والسويد في تقدير التكاليف المحتملة لضم بلدين آخرين إلى الحلف الذي قُصِدَ به أن يكون منظمة دفاعٍ جماعي.

هنالك فقط فائدتان واضحتان من إلحاق دولتي الشمال الأوروبي هاتين إلى الحلف. الفائدة الأولى رمزية وهي تقديم بيان عملي وواضح لتضامن أوروبي وديموقراطي ضد العدوان الروسي في أوروبا الشرقية.

الفائدة الثانية فنية. فقبول فنلندا والسويد يجعل عضوية الناتو أكثر اتساقا مع عضوية الاتحاد الأوروبي ويقود إلى تجنب سيناريو مستبعد ولكنه اشكالي. في هذا السيناريو تتعرض دولة عضو في الاتحاد إلى عدوان لكن لا ينطبق عليها البند الخامس من معاهدة حلف الناتو الذي ينص على الدفاع المشترك عن الدولة العضو في الحلف عند الاعتداء عليها.

لكن في كل الجوانب الأخرى مسألةُ عضوية فنلندا والسويد أكثر تعقيدا وإثارة للقلق.

نعم لدى البلدين اقتصاد متقدم جدا. فهما يمكن أن تكونا إضافة خالصة إلى قدرات الناتو التقنية من خلال شركات وطنية شهيرة مثل إريكسون ونوكيا. وهما أيضا أكثر قدرة عسكريا من بعض الدول الأوروبية الأخرى خصوصا فنلندا التي حافظت على التجنيد الإلزامي حتى في حقبة ما بعد الحرب الباردة ولديها نسبيا نطاق واسع من القدرات العسكرية بما في ذلك أكبر سلاح مدفعية في القارة. رغما عن ذلك لن تكون عضويتهما بالضرورة مكسبا صافيا للناتو من وجهة نظر الأعضاء الحاليين وخصوصا الولايات المتحدة.

ركزت فنلندا والسويد منذ فترة طويلة مهامَ قواتهما العسكرية على حماية أراضيهما مما يثير الشكوك حول قيمتهما فيما يتعلق بالإضافة إلى الدفاع المشترك الذي يتموضع في قلب ميثاق الناتو.

وفي حين تعهد كلا البلدين بزيادة إنفاقهما العسكري وقدرتهما على تعزيز الدفاعات الأوروبية الأوسع نطاقا من الممكن أيضا ألا يفعلا ذلك. بل بدلا عن ذلك ربما سيستفيدان دون مقابل من القوة العسكرية للولايات المتحدة ومظلتها النووية على نحو ما فعلت دول أوروبية عديدة لسنوات.

ولا يقترب أي من البلدين، حسب صندوق النقد الدولي، من استيفاء هدف الناتو المتمثل في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي لعضو الحلف على الاحتياجات الدفاعية.

يشير التاريخ إلى أن المحصلة الأكثر احتمالا لمسعى فنلندا والسويد ستكون إضافة دولتين جديدتين لأعباء الولايات المتحدة الدفاعية في وقت يستلزم من واشنطن توجيه اهتمامها إلى آسيا.

لننظر أيضا في مسألة القدرة الدفاعية عن أراضٍ جديدة للناتو. نعم يمكن أن تكون السويد مفيدة استراتيجيا للحلف. فهي تسمح لقوات الناتو بسيطرة أفضل على بحر البلطيق واستخدام جزيرة غوتلاند التي تقع عند خانق مهم قبالة دول البلطيق كمركز انطلاق في أي صراع مستقبلي.

لكن الأراضي الفنلندية بالمقارنة كابوس استراتيجي. فهي ستزيد بقدر مثير من إمكانية تعرض الحلف لأية هجمات في المستقبل من موسكو. تشاطر فنلندا روسيا حدودا بطول 800 كيلومتر. وهي حدود، كما جاء في دراسة صدرت مؤخرا عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية "مكشوفة إلى حد بعيد للمهددات العسكرية الروسية."

هنالك جملة من الأسباب الأخرى التي تستدعي الحذر بما في ذلك المخاوف المعتادة من التوسع غير العملي في عضوية الناتو. ولا تحتاج المسألة إلى عبقري لكي يتوقع ان التعامل مع 32 دولة أكثر صعوبة من 30 دولة.

قبل "لحظته" الأوكرانية كان الناتو يصارع للحفاظ على السلام بين اليونان وتركيا. وكانت قلة من عضويته مستوفية هدف إنفاق 2%. واحتل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عناوين الأخبار بإشارته إلى أن الناتو في حالة"موت دماغي."

حتى في مواجهة عدوان روسيا لا تحظى إضافة العضوين الجديدين للناتو بإجماع بلدان الحلف. قد تكون معارضة تركيا القاطعة لطلب فنلندا والسويد محاولة منها لانتزاع تنازلات من الحلف. لكنها أيضا تعود في جزء كبير منها إلى دعم هذين البلدين للقضايا الكردية.

على قادة التحالف وضع اعتبار لمخاطر رد فعل روسيا التي دفعها التوسع المحتمل للناتو إلى شن ثلاثة حروب. فقد غزت جورجيا في 2008 والقرم في 2014 قبل الحرب الحالية.

وفي حين من الواضح أن موسكو ليست قادرة على شن حملة عسكرية كبرى أخرى الآن لكن من غير الممكن استبعاد لجوء الرئيس فلاديمير بوتين إلى تصرف غير عقلاني ردا على توسع جديد يجعل الناتو على بُعد 200 ميل من مسقط رأسه في سانت بطرسبورج.

في ذات الوقت ليس واضحا أن فنلندا والسويد تواجهان مخاطر متزايدة ما لم يسمح لهما بالإنضمام إلى الناتو. لقد اعتمدتا لفترة طويلة على حيادهما وقدراتهما الدفاعية المحلية لمنع الأزمات. ورفض قبولهما في الناتو لن يعني التخلي عنهما في مواجهة الخطر. إنه ببساطة حفاظٌ على وضعٍ قائمٍ عملي.

في بروكسل قد تنتصر القيمة الرمزية لضم دولتين جديدتين إلى عضوية الناتو كثمن لوحشية روسيا في أوكرانيا. لكن قبل المضي قدما في عملية الضم (التي تمنح القادة والمشرعين في كل دولة عضو في الناتو فرصة دراسة طلب الانضمام) على واضعي السياسات دراسة الصورة الإستراتيجية الكاملة وتحديد ما إذا كان الضم سيعزز قوة التحالف أم لا.

يوضح البند العاشر من معاهدة حلف الناتو أن الأعضاء الحاليين يمكنهم دعوة دول جديدة للانضمام إذا كان في مقدورها "المساهمة في أمن منطقة شمال الأطلسي." المبررات الإستراتيجية لقبول السويد وفنلندا في عضوية الناتو بهذا المقياس ليست مقنعة.

ايما آشفورد زميل أول بمركز سكوكروفت للإستراتيجية والأمن التابع للمجلس الأطلنطي ومؤلفة كتاب قادم تحت عنوان "النفط والدولة والحرب- السياسات الخارجية للدول النفطية."

ترجمة خاصة ل عمان عن بلومبيرج