عام جديد... أمل وعمل

31 ديسمبر 2022
31 ديسمبر 2022

ينقضي عام 2022 وكأن كثيرا من بلاد العالم الغنية المتعالية، وليس فقط "ربوع الحي"، قد أمست كما يقول شاعر عمان أبو مسلم الرواحي:

"أخنى عليها المرزمان حقبة

وعاثت الشمأل فيها والصبا"

فالحرب الضروس التي تدور رحاها ويشتد أوارها في أكرانيا منذ حوالي عام رجعت بمستوى معيشة شعوب أوروبا، شرقها وغربها، إلى مستوى ربما كانت قد نسيته ولم تتصور عودته منذ أكثر من نصف قرن من الزمان. بل إن كثيرا من مواطني الدول الأوروبية أصبحوا يبحثون عن الدفء من البرد القارس في مناطق خارج أوروبا، بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة فيها. وإلى جانب الحرب المشتعلة في أوروبا، توجد حروب وتوترات سياسية كبيرة تشتعل حينا ثم تخمد لبعض الوقت في مناطق أخرى من العالم. وإلى جانب تلك الحروب هناك حروب غير معلنة لكنها لا تقل إيلامًا، لمن كان له قلب، عن الحروب العلنية. وأكثر الحروب غير المعلنة قسوة وإيلامًا ذلك الذي يدور في فلسطين منذ ما يزيد على مئة سنة، وقد زاد حدة وهجميه في السنة الماضية. وعلى المستوى الاقتصادي تعاني معظم الدول في العالم من ارتفاع معدلات البطالة ومن الغلاء، لاسيما في أسعار المواد الغذائية والطاقة، كما تتعثر جهود تقوم بها دول أخرى من أجل التعافي من جائحة كوفيد-19، التي ضربت مفاصل الاقتصاد العالمي وأنهكته خلال عامي 2020 و2021. وبالإضافة إلى ذلك فإن أحداث العام الماضي فضحت ما كانت تخفيه بعض الدول والشعوب من عنصرية وتمييز ضد دول وشعوب أخرى، حيث ميّزت عدد من الساسة في الغرب بين مآسي الحرب في أكرانيا عن مآسي الحروب خارج أوروبا، ووصف أحدهم أوروبا بالحديقة والعالم خارجها بالغابة، واعترف آخر بإن العالم أصبح غابة ووصف من فيه بالحيوانات التي تحتاج إلى استرضاء.

إلا أن العام المنصرم لم يخلُ كذلك من إشراقات أضاءت بعض دياجير ظلمه وظلامه. ومن تلك الإشراقات التنظيم الجيد لمباريات كأس العالم في قطر. فقد استطاعت دولة قطر من خلال تنظيم المباريات ومن خلال البيئة التي أعدتها لذلك أن تقدم صورة عصرية للثقافة العربية، بما فيها من إكرام للضيف ووفاء بالعهد والتزام بالأدب وحسن الخلق. كما أنها عملت على تقديم الإسلام كدين حياة وقيم وأخلاق، ورسالة أمن وسلام إلى العالمين. ومن إشراقات عام 2022 أيضاً ما تشهده العلاقات الدولية من بدايات لتشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما يبعث الأمل في نفوس الساعين إلى العدالة بقرب انتهاء نظام هيمنة القطب الواحد، وتَشَكّل نظام عالمي جديد فيه شيء من التوازن في العلاقات الدولية.

ومع بداية العام نأمل، و"الدنيا أمل" والأمل حياة، أن يكون العام الجديد عام خير وسلام، يخرج فيه الناس من ويلات الحروب ومآسي الأوبئة وشقاء الركود الاقتصادي وغلاء الأسعار. غير أن الآمال لا يمكن أن تتحقق إلا بالعمل المخلص والجهد الصادق من الجميع. وإذا جاز لنا أن نطرح على صفحات هذه الجريدة ما نأمل أن يتحقق في العام الجديد فعلى مستوى الوطن العزيز نأمل أن تكون هناك جهود أكبر لتحسين مستوى الخدمات العامة، لاسيما في قطاعي التعليم والصحة، وذلك لسد الخلل الذي أصاب هذين القطاعين على مدى سنوات، ثم زاد وضعه سوءا منذ جائحة كوفيد-19 وما صاحبها من صعوبات اقتصادية. كذلك نأمل أن يتم اعتماد السياسات واتخاذ الإجراءات التي تزيد من معدلات النمو الاقتصادي، خاصة في القطاعات التي لها أثر إيجابي على التنويع الاقتصادي، ويؤديها الاستثمار فيها إلى خلق مزيد من فرص العمل، وذلك من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة من خريجي الجامعات، الذين هم الثروة الأغلى للوطن، وبهم ومن أجلهم تدور عجلة التنمية وتسخّر الموارد. وفي مجال التنمية البشرية أيضا ينبغي العمل على النهوض بقطاع الثقافة وما يتصل بها من أنشطة وبُنى أساسية، والتي من أهمها إنشاء المركز الثقافي وما يحتويه من مكتبة وطنية ودار للوثائق، وما يضمه من مرافق لإقامة الأنشطة الثقافية المختلفة. كذلك ينبغي الاهتمام بقطاع المعارض والمؤتمرات، بما في ذلك إقامة منتدى الدقم الذي أعلن عنه قبل فترة، وأن يتم عقده سنوياً وذلك لما للمعارض والمؤتمرات بشكل عام من أهمية اقتصادية، لكونها تخدم عدة قطاعات مثل الاستثمار والسياحة والثقافة. كما نأمل أن يقوم مجلس عمان في العام بمسؤولياته الدستورية والقانونية في مجال مراقبة أداء الحكومة بشكل نشط وفاعل بالكيفية والصورة التي تليق بعمان ماضيا وحاضرا وتحقق آمال المواطنين فيه.

أما على المستوى العربي، فإن قضية فلسطين وحقوق شعبها تبقى هي القضية الأهم على الصعيد القومي بعد قضايا التنمية الشاملة والتقدم العلمي على الصعيد القُطري. وحيث أن العالم قد دخل مرحلة جديدة من التنافس والاستقطاب، فإن هناك أمل في أن تستفيد الدول العربية من الوضع الدولي القادم لبدء مرحلة جديدة من العمل الجاد والجهد البناء، سواء على مستوى الجماعي أو على مستوى كل دولة، لتمكين الشعب الفلسطيني ومساعدته على استعادة حقوقه وتحقيق طموحاته. ومن أجل ذلك فإن على الدول العربية استخدام كل الخيارات المتاحة وحشد كل الموارد الممكنة للضغط على "إسرائيل"، بما ذلك استخدام العقوبات الاقتصادية وإيقاف كل أنواع التعامل الاقتصادي والثقافي معها. وقد أثبتت الأحداث السياسية التي يمر بها العالم أن العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الثقافية أداة فاعلة في العلاقات الدولية، وتستخدمها معظم دول العالم حاليا، سواء على المستوى الفردي والإقليمي للدول أو بموجب قرارات تصدر عن الأمم المتحدة. وهنا لا بد من وقفة إشادة واعتزاز بالخطوة التي اتخذها مجلس الشورى في سلطنة عمان بشأن توسيع وتشديد المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، ونأمل أن تحذو حذوه في ذلك البرلمانات في كافة الدول العربية. كذلك نأمل أن يتحقق خلال العام الجديد السلام والأمن في كل العالم العربي، لاسيما في اليمن وسوريا وليبيا والصومال. وحيث أن هناك بوادر تدعو إلى التفاؤل في أن تقوم بعض الدول العربية بإعادة النظر في بعض السياسات التي قامت بها تجاه دول عربية أخرى فإن الوقت مناسب لعقد قمة عربية في العام الجديد، تخصص لإحلال الأمن والسلم في العالم العربي، ويصدر عنها ميثاق عربي جديد، ويجب أن يكون ميثاقا غليظ تؤكد فيه الدول العربية التزامها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض وإحلال السلام فيما بينها، وكذلك الالتزام بتحقيق طموحات الشعوب العربية في الحياة الكريمة، وكذلك التعاون من أجل التنمية والتقدم في كافة المجالات.

وعلى مستوى العالم، فإنه في نفس الوقت الذي نأمل فيه عودة السلام والأمن إلى أوروبا وإلى كل الأماكن المضطربة في العالم، فإننا نأمل كذلك أن تنجح الجهود الرامية إلى صياغة نظام عالمي جديدة يحل محل النظام الحالي الأحادي القطب، والذي هيمن على العالم وسيّر العلاقات الدولية وفق إرادة ومصالح طرف واحد على مدى أكثر من ثلاثين سنة مضت. إن قيام نظام متعدد الأقطاب سيساعد على إيجاد توازن في العلاقات الدولية لتكون أكثر عدلا وانصافاً. وكما قلنا في مقال سابق عن هذا الموضوع نشرناه على صفحات جريدة عمان، فإن هناك أمل كبير أن يكون للعالم العربي دور أساسي في تشكيل النظام الجديد، بفضل ما لدى الدول العربية من موارد وإمكانات بشرية واقتصادية وثقافية، وبما يحملونه من رسالة تدعو إلى نشر الأمن والسلم والعدل والمساواة بين الناس أجمعين.

• د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي و قضايا التنمية