عالم التقنية في معرض كومكس 2025

06 سبتمبر 2025
06 سبتمبر 2025

يشهد العالم تحولات كبرى في المجالات التقنية؛ لما تمثله من أهمية في القطاعات الابتكارية سريعة التطوُّر. ولهذا فإن هناك تنافسا متزايدا على تسريع التجريب في مجال التقنية لإنتاج برامج وتطبيقات أكثر ذكاء وقدرة على خدمة البشرية. إن هذا التسريع يشمل التحديث المتزايد وطرائق دعم الأنظمة التقنية بما يوفِّر قيمة مضافة في سوق الأعمال، ودعم تنمية القطاعات الحيوية سواء أكانت الاجتماعية أم الاقتصادية.

لذا فإن التقنية تمثل جزءا مهما من حياة المجتمعات؛ حيث أصبح الاعتماد عليها وتوظيفها واستثمارها يتزايد بشكل ملحوظ خاصة بعد توليدات الذكاء الاصطناعي، وما أحدثه من طفرة كبيرة في مجال الإبداع والابتكار والاستثمار. فبحسب تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي 2025؛ فإن الاستثمار الأمريكي الخاص بالذكاء الاصطناعي وحده قد نما إلى 109.1 مليار دولار، وهي بذلك تقود إنتاج أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي في العالم متجاوزة الصين التي حققت 9.3 مليار، وتُواصل الريادة في منشورات الذكاء الاصطناعي، وبراءات الاختراع.

ولقد أحدثت استثمارات الذكاء الاصطناعي التوليدي زخما قويا حيث (جذبت 33.9 مليار دولار على مستوى العالم في الاستثمار الخاص بزيادة قدرها 18.7% عن العام 2023)، الأمر الذي جعلها شائعة الاستثمار في مجالات مثل الصحة، والتجارة والصناعة والبيئة، إضافة إلى الصناعات الإبداعية التي تطوَّرت ونمت بفضل محفزات الجذب التي توفرها برامج الذكاء الاصطناعي وقدراته المتزايدة.

إن التقدم المتسارع في أنظمة الذكاء الاصطناعي يوجب الحاجة إلى ضرورة إيجاد إطار للحوكمة والسياسات الناظمة له؛ بغية معالجة الثقة والمسؤولية والمخاوف الأخلاقية التي تسببها تلك الأنظمة والبرامج خاصة في ظل تسارعها المتزايد وأشكالها المرتبطة بالروبوتات وعمليات النشر وتحليل البيانات وغيرها، إضافة إلى ذلك فإن هذه الأنظمة أصبحت صناعة ذات أبعاد مؤثرة مباشرة على مستقبل الصناعات التنموية في العالم، فلم تعد مجرد برمجيات حاسوبية، وتطبيقات للتواصل والصناعات الاجتماعية والثقافية، بل غزت كافة قطاعات النقل واللوجستيات والفضاء وغيرها.

تخبرنا الوايبو في تقريرها (اتجاهات التكنولوجيا؛ مستقبل النقل) أن التقنيات الحديثة وأنظمة الذكاء الاصطناعي تعيد تشكيل مستقبل النقل في العالم؛ حيث أصبحت السيارات الكهربائية والأنظمة المستقلة والبنية التحتية الذكية والخدمات اللوجستية الذكية جزءا من حياة المجتمعات، وهي تطورات تعِد بتحولات في قطاع النقل ليكون (أكثر ذكاء، وخضرة وشمولا، ومعالجة للتحديات المتزايدة مثل: الازدحام الحضري، وانبعاثات الكربون، والوصول العادل إلى وسائل النقل).

وفي إطار تزايد الاستفادة من تطورات التقنية والذكاء الاصطناعي نُشرت 1.1 مليون براءة اختراع تتعلق بمستقبل النقل منذ العام 2000 - حسب الوايبو -؛ الأمر الذي يشير إلى تلك الإمكانات التي وفَّرتها التقنيات الحديثة، وتطورات الذكاء الاصطناعي في دعم قيم الابتكار وقدرته على إحداث تغييرات وتحولات تحقِّق الاستدامة والرقمنة وإعادة تشكيل مستقبل قطاع النقل ومتطلباته المتغيِّرة ذات التأثير المباشر على القطاعات الاجتماعية والبيئية؛ وبالتالي فإن توظيف التقنيات وتطوراتها والاستفادة منها في الابتكار يدعم التوجهات الوطنية، ويسهم في إنشاء أنظمة أكثر استدامة وكفاءة من ناحية، ويفتح آفاقا جديدة أمام الشباب؛ لدعم توجهاتهم الإبداعية والابتكارية التي تعزِّز سوق الأعمال من ناحية أخرى.

ولأن عمان بما تحرزه من مراتب متقدمة في مجال جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي، وكذلك في مؤشرات التقدم التقني المختلفة؛ فإنها تولي التطور التقني والذكاء الاصطناعي والابتكار أهمية كبرى سواء من خلال البرامج التي أطلقت، أو البحوث الاستراتيجية التي تركِّز على تنمية أنماط الذكاء الاصطناعي والابتكار والاستثمار التقني إضافة إلى دعم توجهات الشباب في المجال التقني، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة.

ويأتي انطلاق المعرض العالمي للتكنولوجيا (كومكس 2025) غدا الاثنين الثامن من سبتمبر؛ ليكون أحد أبرز تلك التجمعات التخصصية التي تستقطب الكثير من الشركات ورواد الأعمال والمبتكرين على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي؛ ليمثلوا توجهات العالم، وأنماط الابتكار في قطاع التقنيات، وما تنتجه من ابتكارات في القطاعات المختلفة، الأمر الذي يعكس أهمية هذه التقنيات بوصفها قيمة مضافة وصناعة أساسية داعمة للتنمية الاقتصادية.

إن معرض كومكس 2025 في نسخته الرابعة والثلاثين يُعد فرصة لإبراز المشروعات الوطنية القائمة على الابتكار التقني والتطورات الرائدة التي قدمتها عُمان باعتبارها بيئة خصبة للابتكار التقني، وسانحة للشباب ورواد الأعمال؛ لعرض مشروعاتهم الابتكارية على العالم، وكذلك فرصة لبناء شراكات مع المؤسسات والشركات العالمية المشاركة بما يُعزِّز إمكانات نقل الخبرة، والاستفادة من التجارب المختلفة.

ولأن عمان تصبو إلى (مجتمع المعرفة)؛ فإن هذا المعرض العالمي يُعد واحدا من تلك المنصات التي تدعم هذا التوجُّه من خلال ما سيقدمه من تجارب تكشف التحولات التقنية في الصناعات المختلفة في العالم؛ إذ يستعد لاستضافة أكثر من 200 مؤسسة وشركة تستعرض تجربتها في الابتكار التقني، وتقدِّم مشروعات رائدة، ونماذج تجريبية وتطبيقات عملية لإنتاج التقنيات وتحديث البرامج، إضافة إلى الابتكارات التقنية التي تخدم الإنسانية في كافة القطاعات والمجالات.

إن كومكس 2025 بما يقدمه من فرص للاستثمار والتجريب، وتبادل الخبرات والتعريف بتوجهات التقنيات الحديثة ومجالاتها وأنماطها يُعد بيئة استثمارية واعدة، وفرصة لرواد الأعمال؛ لتسويق أعمالهم، وتقديم أنفسهم باعتبارهم مبدعين ومبتكرين لهم إمكانات واعدة يمكن أن تمثِّل تحولات في مستقبل الابتكار في عُمان والمنطقة إذا ما تم تبنيها ودعمها. فقد قدَّم الكثير من هؤلاء المبدعين نماذج تقنية ابتكارية واعدة في المجالات التنموية المختلفة سواء في القطاعات الصناعية أو اللوجستية أو الصناعات الإبداعية، وكثيرا ما نجدهم ينتظرون ثقة المستثمرين بهم وبتلك الابتكارات.

وإذا كان معرض كومكس 2025 بما يقدمه من مشاركات واسعة، وفعاليات متنوعة، وحضور جماهيري غفير يطمح إلى إيجاد تلك المساحة التجريبية والبيئة الداعمة للشباب العماني ليكونوا سفراء عُمان للتعريف بالتطورات التقنية التي أحدثتها خلال مراحل البناء الحديثة، وتلك الطموحات التي تصبو إليها في تطورها التقني المتسارع؛ فإنه بما يبذله من جهود من أجل تحقيق الأهداف الوطنية المرتبطة بالتقنية والابتكار يجب أن يتواكب مع تطوير التشريعات والسياسيات الداعمة لتحويل التقنيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي إلى صناعة وطنية لها قدرتها الإنتاجية وإمكانات استثمارها في القطاعات التنموية المختلفة إضافة إلى أهمية حوكمة هذا القطاع وضبط الاستفادة من تلك التسارعات في الإنتاج والتحوُّل.

إن معرض كومكس 2025 فرصة واسعة للاستفادة من التجارب العالمية، ومساحة محفزة للإبداع والابتكار، وإدماج التقنيات الذكية في الأعمال في كافة القطاعات التنموية، إضافة إلى أهميته حتى في حياتنا اليومية؛ حيث يعرِّفنا بالفرص والإمكانات التقنية التي يمكن اتخاذها واقتناؤها؛ من أجل تيسير أنماط الحياة، وتسهيل تعاملنا وقدرتنا على إنجاز الأعمال الموكلة إلينا.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة