طوفان الأقصى.. بعد مائتي يوم

23 أبريل 2024
23 أبريل 2024

23 إبريل 2024م.. مرت مائتا يوم على انطلاق طوفان الأقصى، لم تتغير فيها سياسة إسرائيل تجاه غزة، فهي تواصل حرب الإبادة الجماعية، ومع ذلك؛ حصلت تغيرات على الخارطة السياسية. بدايةً؛ يمكن تقرير الآتي:

- صمود الشعب الفلسطيني في غزة؛ رغم استشهاد حوالي 34 ألف فلسطيني، ووقوع إصابات جسدية ونفسية تربو على الإحصاء، وتدمير معظم البُنية التحتية لغزة. لقد ضرب هذا الشعب مثالًا عظيمًا في بذل النفس والنفيس لأجل التحرر من نير الاستعمار الصهيوني، لقد رأى العالمُ بأم عينيه الرُّضَّعَ يعدمون بحرمانهم من الغذاء والأجهزة الصحية، والأطفالَ يقتلون بأوضاع مختلفة في البيوت والملاجئ والطرقات، فضلًا عن قتل المدنيين بأساليب لا تخطر على قلب بشر. ومع هذا؛ لم ينكسر عزم هذا الشعب الأبي، ولم تتحطم نفسيته أمام آلة الحرب الصهيونية.

- الكيان الصهيوني لم تفتر حدة طغيانه، فقد واصل الإبادة والتدمير، ولم تخفف من وطأته ما قامت به بعض الدول كجنوب إفريقيا من رفع شكوى ضده بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، وإصدار مجلس الأمن قرارًا بوقف الحرب على غزة.

- واصلت المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس، قتالها بكفاءة عالية، فهي على التحام دائم مع الجيش الإسرائيلي، وتنفذ كثيرًا من عملياتها باستراتيجية «من مسافة الصفر»، كما أن رشقاتها الصاروخية استمرت على مواقع مختلفة من إسرائيل. والمرء يلفه العَجَب.. من هذا الصمود الصلب أمام القوة الإسرائيلية، التي أصبحت دول المنطقة تحسب لها حسابها، لاسيما أنها مسنودة من الغرب، وتشاركها أمريكا في حربها بالإمداد بالسلاح والتأييد بالقرار والدعم اللوجستي. ومن استعداد المقاومة بالسلاح الكافي، الذي مر على استهلاكه المتواصل سبعة أشهر دون أن ينفد، وهذا ربما يدل على قدرة فائقة لتصنيع السلاح داخل غزة، رغم الظروف العصيبة التي تمر بها المقاومة، والحصار والتدمير المستمر من قِبَل القوات الإسرائيلية.

أما بالنسبة للخارطة السياسية دوليًا.. فمجمل تغيراتها:

- غدت إسرائيل مدانة أمام العالم بجرائم الإبادة الجماعية، وصدرت بحقها قرارات من محكمة الأمن الدولية بإيقاف الحرب، ورغم أنها لم توقف الحرب إلا أن هذه القرارات أسقطت ادعاءاتها بأن «جيشها أخلاقي»، كما أسقط طوفان الأقصى أسطورة أنه جيش لا يقهر.

- تأكد خط المواجهة لإسرائيل في: المقاومة الفلسطينية، وحزب الله بلبنان، وأنصار الله باليمن، والمقاومة الإسلامية بالعراق، وإيران؛ الداعم لهذه الأحزاب، وهذه القوى لم ينكسر عزمها.. بل ازداد بمرور الأيام.

- المواقف العربية والتركية.. أدانت ما تقوم به إسرائيل، وبعضها صعّد القضية إلى مجلس الأمن، وقدمت الإغاثة لأهالي غزة في ظل الاتجاه الدولي العام، ولكنها لم تقم بعمل حاسم لوقف الحرب، كما أنها أكدت على خطها الأساس بإقامة دولة فلسطينية بحدود 1967م عاصمتها القدس الشرقية.

- كوّن «حزب أنصار الله» اليمني باستهدافه السفن الإسرائيلية والغربية في البحر الأحمر تهديدًا للملاحة الغربية، مما أجبر الغرب أن يشكّل تحالفًا عسكريًا ضده.

- واصلت قطر ومصر الوساطة في المفاوضات بين حماس وإسرائيل لإيقاف الحرب، ومع أهمية هذا الدور إلا أن تأثيره عليهما ضعيف، ربما هذا عائد إلى رفض أمريكا الاعتراف بالإبادة الجماعية، وبحسب قول وزير دفاعها لويد أوستن: (إن الولايات المتحدة ليس لديها دليل على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة). وتجد إسرائيل في المواقف الأمريكية المحرضة لمواصلة جرائمها، والتمادي في رفض استحقاقات التفاوض.

- لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة من حربها على غزة، وهي تخليص رهائنها وتفكيك حماس.. بل أنها في احتدام الحرب قتلت بعض رهائنها مباشرةً، أو بعدم توفر الأدوية اللازمة لهم. كما أن حماس صمدت في الحرب.. بل سيطرت على مجريات المعركة، ولم يعد بمقدور الإسرائيليين سوى إبادة المدنيين وجر قتلاهم المتساقطين برصاص قناصة المقاومة وكمائنها.

- افتضاح النفاق الأوروبي.. الذي ما فتئ من رفع سلاح حقوق الإنسان في وجه «الدول غير الديمقراطية»، حيث ادّعى الساسة الأوروبيون بأنهم لا يتفقون مع إسرائيل فيما تقوم به ضد المدنيين، لكنهم في الوقت نفسه يدعمونها؛ عسكريًا ولوجستيًا وسياسيًا.

- تواصلت مظاهرات الإسرائيليين ضد حكومتهم، مطالبين إياها بالاستقالة، كما ازداد هجر الإسرائيليين لإسرائيل، ونشط التيار الديني اليهودي المناهض للصهيونية؛ داخل إسرائيل وخارجها، وعلا صوت صحيفة «هآرتس» المعارضة لحكومة تل أبيب.

- بوادر حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، بعد ضرب الأخيرة مقر القنصلية الإيرانية في سوريا بتاريخ: 1/ 4/ 2024م، وقتل سبعة من الحرس الثوري؛ منهم محمد رضا زاهدي قائد فيلق القدس بسوريا، مما عدّته طهران اعتداءً مباشرًا عليها، فشنت ليلة 14/ 4/ 2024م هجمات بمئات الصواريخ والطائرات المسيَّرة، وأعلنت إسرائيل أنها صدّت 99% منها. أما إيران فقالت: إنها حققت أهدافها وانتهت عند هذا الحد، ولن تواصل ضربها إسرائيل إلا إذا عاودت اعتداءاتها. وبتقديري.. أن اكتفاء إيران بهذه الضربة جاء لأمرين: توسّع الحرب ستكون كلفته كبيرة عليها، وسيدخل المنطقة في اضطراب يؤثر على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، بما فيها حركة الطيران والسفن، وسيؤدي إلى تحالف غربي ضدها، وبالتالي؛ ستواجه حربًا شاملة. وخشية أن تؤثر على الأوضاع بغزة، لأن الفلسطينيين كسبوا تعاطفًا كبيرًا بين شعوب العالم، بسبب الإبادة التي تطالهم، ودخول إيران سيعتبرونه اعتداءً مباشرًا على الإسرائيليين، لاسيما إن سقط منهم قتلى مدنيين.

وقد توعدت إسرائيل بالرد دون أن يتحول إلى حرب شاملة بين الطرفين، فأعلنت بأنها شنت هجمات على إيران ليلة 19/ 4/ 2024م، وأن أهدافها كانت محددة بالقواعد التي انطلقت منها الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي ضربت إسرائيل، كما أنها وجهت ضربات على مواقع في سوريا والعراق. وما ذكرته إيران هو أن هذه الضربات لم تأتِ من الخارج الإيراني، وتأثيرها لا يكاد يذكر. ويبدو أن إيران لا تريد تصعيد الأوضاع، حتى لا تتحول إلى حرب شاملة، وربما تتطور إلى حرب إقليمية، والجو لا يزال غائمًا حتى الآن.

- بالنسبة للإسلام السياسي.. فتوجد ثلاثة توجهات من «السياسة الإسلامية» التي لا زالت تحكم: «السياسة الشرعية».. متمثلة في حكومة طالبان بأفغانستان، ويبدو أنها مشغولة بنفسها، فلم يُعرف لها تدخل عملي فيما يجري بغزة أثناء طوفان الأقصى. و«السياسة الإسلامية المدنية».. متمثلة في «حزب العدالة والتنمية» بتركيا، وقد تحدثت عنها أعلاه.

و«الإسلام السياسي».. وهو على شقين:

- سني.. حركة الإخوان المسلمين، والتي أُخرِجت من الساحة السياسية المؤثرة مع أحداث الربيع العربي، وآخرها من السودان. وحركة حماس وإن كانت منبثقة من الإخوان، لكنها طوّرت تفكيرها وممارساتها وعلاقاتها، حتى أصبحت نموذجًا بنفسها لا نظير له، غير قابل للاستنساخ إلا بمثل الظروف التي تمر بها حماس، وهذا مستبعد.

- شيعي.. نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران. وهو مع وقوفه الكبير مع القضية الفلسطينية، إلا أنه لم يستطع أن يتمدد في العالم الإسلامي، ولم يغيّر طوفان الأقصى النظرة تجاهه، بسبب: الانغلاق المذهبي الذي يعيشه المسلمون، ولأن نظرية ولاية الفقيه تطورت في الحقل الشيعي الإمامي وانحصرت تجربتها بإيران.

أوجد الإسلام السياسي «حالةً جهاديةً»؛ تأثرًا بـ «العنف الثوري» اليساري، فكان له الفضل في مواصلة المقاومة الفلسطينية الإسلامية نضالها، فخلفت الحركات الفلسطينية القومية واليسارية. لكن أيضًا له جانب سلبي تمثل في «جماعات العنف»، مما أدى إلى تجفيف تيار الإسلام السياسي في المنطقة وانحساره؛ ويأتي هذا في إطار ترسيخ «الدولة الوطنية» بالمنطقة، والتي من نتائجها التطبيع مع إسرائيل.

وبعد.. فهل يتمكن طوفان الأقصى من إعادة رسم خارطة المنطقة لصالح القضية الفلسطينية؟