طلب العفو بين الفساد ومصلحة الوطن عن نتنياهو ومحاكمته
30 نوفمبر 2025
30 نوفمبر 2025
يحدث أن تعلن قنوات إعلامية عالمية أنباء محاكمات تسعى لتطويق مساحة الفساد في الدول وتقليصها عالميا، لما لها من أثر هدام في جهود التنمية والتطوير بأي بلد، لكن أمر محاكمة الفساد لم ولن تكون أمرا هينا أبدا إذا ما اشتبكت بالمتنفذين من أصحاب النفوذ ذوي القدرة على التلوّن والتملّص والادعاء، حيث يلجأ الفاسدون إلى ربط مصائرهم المتصورة بعد المحاكمة العادلة بمصير الأوطان مغالطة ترمي إلى إيهام الجمهور بأنهم هم الوطن فإن ثبت فسادهم فما ذاك إلا الوطن ذاته، وما تسميه المحاكمات فسادا ما هو إلا إخلاص لأجل الوطن، حتى حين يثبت الفساد حجة وبرهانا عبر أدلة وقرائن وتحويلات مباشرة وغير مباشرة لتسمين الأرصدة!
ضمن هذا السياق طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسميًا العفو في محاكمته الطويلة بتهم الفساد، مدعيا أن ذلك «يصب في المصلحة العامة» وفقا لصحيفة CNN، قال نتنياهو إنه من «مصلحته الشخصية» إثبات براءته في المحاكمة الجارية، لكن «المصلحة العامة تحتم خلاف ذلك» تم تقديم الرسالة الخميس ونُشرت الأحد، نتنياهو قدم التماسه إلى رئيس بلاده، مبررًا قراره بأن استمرار محاكمته على خلفية قضايا الفساد يهدد الوحدة الوطنية ويعمّق الانقسامات الداخلية، مؤكدا أن الواقع الأمني والتحديات التي تواجه إسرائيل تتطلب «إنهاء المحاكمة فورًا لتعزيز المصالحة وتخفيف التوتر»! داعيًا الجميع إلى دعم هذه الخطوة باعتبار أنها تصب في مصلحة البلاد.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد طلب -هذا الشهر كذلك- من الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، منح عفو كامل لنتنياهو في محاكمته الجارية، في رسالة وزعها المتحدث باسم الرئيس الإسرائيلي، كتب ترامب: «أدعوكم هنا إلى العفو الكامل عن بنيامين نتنياهو، الذي كان رئيس وزراء هائل وحاسم في زمن الحرب، وهو الآن يقود إسرائيل إلى زمن السلام، والذي يتضمن استمراري في العمل مع قادة الشرق الأوسط الرئيسيين لإضافة العديد من البلدان إلى اتفاقيات إبراهيم التي تغير العالم» يواجه نتنياهو تهمًا بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا منفصلة بدأت خلال ولاية ترامب الأولى، وقد أكد براءته منها سابقا، ويُدلي حاليًا بشهادته في المحكمة ضمن المحاكمة، كتب ترامب في الرسالة «بينما أحترم تمامًا استقلال النظام القضائي الإسرائيلي ومتطلباته، إلا أنني أعتقد أن «القضية» ضد بيبي، الذي ناضل إلى جانبي لفترة طويلة، بما في ذلك ضد الخصم القوي للغاية لإسرائيل، إيران، هي محاكمة سياسية غير مبررة» وفي بيان، قال مكتب الرئيس إنه يكن «احترامًا كبيرًا» لترامب ويقدر «دعمه الثابت لإسرائيل، ومساهمته الهائلة في إعادة الرهائن، وتغيير وضع الشرق الأوسط وغزة، وحماية أمن إسرائيل» مؤكدا أن «كل من يطلب العفو عليه أن يقدم طلبًا وفقًا للإجراءات المتبعة» ولم يقدم نتنياهو طلبًا رسميًا للعفو في محاكمته الجارية، ويبدو أن هذا الرد قد نقل لنتنياهو الذي سارع إلى طلب العفو من الرئيس الإسرائيلي بصفته الرئيس الذي يمتلك وحده الصلاحية لإصدار العفو، وقد أكد مكتبه استلامه الطلب، وأن هرتسوغ «سينظر فيه بعناية ومسؤولية كبيرتين»!وفي رسالته التي تتكون من صفحة واحدة، لم يعترف نتنياهو بالذنب ولم يقدم أي التزامات بشأن مستقبله السياسي، مع إصراره على براءته من تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، لكن الطلب الرسمي بالعفو يعد تراجعا عن موقف الزعيم الإسرائيلي الذي حكم البلاد فترة طويلة، والذي قال إن لوائح الاتهام ستنهار وأنه سيُثبت براءته في المحكمة!
ضمن ردود الفعل سارعت المعارضة إلى انتقاد طلب نتنياهو، الذي واجه اتهامات بإثارة الخلافات داخل المجتمع الإسرائيلي - ضد السكان العرب واليسار تحديدًا - بالإضافة إلى إطالة أمد الحرب في غزة لتحقيق مكاسب سياسية خاصة به، فقد حثّ يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، هرتسوغ على رفض طلب العفو، على الأقل بصيغته الحالية «لا يُمكنك منح نتنياهو العفو دون الإقرار بالذنب، والتعبير عن الندم، والانسحاب الفوري من الحياة السياسية»كما قال يائير غولان رئيس حزب الديمقراطيين اليساري، على «إكس»: «المذنب فقط هو من يطلب العفو. بعد 8 سنوات من المحاكمة، وبعد عدم إسقاط القضايا المرفوعة ضده، يطلب نتنياهو العفو الآن!» لكن حلفاء نتنياهو السياسيين أيدوا العفو، منهم وزير الأمن القومي اليميني المتشدد، إيتمار بن غفير قائلا في بيان له «أمر بالغ الأهمية لأمن الدولة».
ختاما: لن تصل جهود مكافحة الفساد مبتغاها طالما اتكأت أسانيدها على شبكات المتنفذين وتهديدهم بتقويض البنيان حال إدانتهم، أو حال عدم تحصلهم على نصيب منه استحقاقا متوهما، أو نهبا ظاهرا عبر النفوذ، أو مستترا عبر أقنعة مصنوعة، لن تصل مبتغاها إن تفشّت مغالطة ربط شخوصهم بنسيج الوطن، ومصلحتهم الشخصية بالمصلحة العامة وأمنهم الشخصي بأمن الوطن.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
