صندوق النقد الدولي يختار القائد الصحيح بالطريقة الخاطئة

28 أبريل 2024
28 أبريل 2024

تشكل إعادة تعيين كريستالينا جورجييفا مديرة إدارية لصندوق النقد الدولي تطورا محمودا، لكن هذا التطور يسلط الضوء أيضا على خلل كبير في هيكل إدارة صندوق النقد الدولي. في عالم يعاني من أزمات الديون، والصراعات العنيفة، وتغير المناخ، والتأثيرات المتخلفة عن جائحة فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، لن نبالغ مهما قلنا في تقدير أهمية الصندوق. ولكن لكي يتسنى له الاضطلاع بدوره اللائق، فلابد وأن يكون مسؤولا أمام الدول الأعضاء كافة، وليس فقط الدول القوية التي تمارس حاليا قدرا غير متناسب من النفوذ.

ترتبط عملية إعادة التعيين بشكل مباشر بهذه المسألة. على موقعه الإلكتروني، يخبر صندوق النقد الدولي القراء بأن المجلس التنفيذي (حيث تُـمَـثَّـل كل البلدان) يجوز له اختيار مدير إداري بأغلبية الأصوات المدلى بها، برغم أنه كان يفعل ذلك تقليديا بتوافق الآراء. الواقع أن اتفاقا قائما منذ زمن بعيد بين الأوروبيين والأمريكيين يقضي بأن يقرر الأوروبيون من يتولى قيادة صندوق النقد الدولي، في حين يختار الأمريكيون من يتولى قيادة البنك الدولي. (تبنى صندوق النقد الدولي رسميا «عملية مفتوحة وقائمة على الجدارة والشفافية» لاختيار مديريه الإداريين، لكنها كانت مجرد أداة للتحقق من جودة اختيار الأوروبيين).

يجب أن يكون من الواضح لماذا يمثل هذا الترتيب مشكلة إذ يحتاج صندوق النقد الدولي إلى إقناع البلدان كافة بأنه يتصرف بطريقة عادلة عندما يتخذ قرارات صعبة بشأن الجهة التي ينبغي له مساعدتها وبأي شروط، وبرغم أنه يعمل وفقا لقواعد رسمية، فإن الدول الأقوى تمارس ضغوطا قوية بانتظام سعيا للحصول على استثناءات.

وقد سلطت أزمة منطقة اليورو الضوء على هذا التضارب في المصالح، وانتقد التقييم اللاحق الذي أجراه صندوق النقد الدولي ذاته «الأسلوب الروتيني الذي تعوزه الحماسة» الذي اتبع به سياساته، واستدعى قراره بتعطيل العملية المعتادة من خلال تعديل إطار العمل الذي وضعه في عام 2002 لمنح الدول الأوروبية قدرة استثنائية على الوصول إلى أمواله.

لا يمكن فصل استجابة صندوق النقد الدولي عن مديريه الإداريين المرشحين من قِبَل أوروبا، وكلاهما شغل سابقا منصب وزير الاقتصاد والمالية في فرنسا. كما يروي هارولد جيمس في تأريخه المنشور حديثا للأزمة، فإن «كم الوقت والطاقة الذي أنفقه المدير الإداري [دومينيك شتراوس كان وبشكل خاص كريستين لاجارد] شخصيا على هذه البرامج ــ بما في ذلك حضور اجتماعات لا حصر لها في بروكسل وغيرها من العواصم الأوروبية ــ كان غير مسبوق عندما يتعلق الأمر بالاهتمام الممنوح حتى لأكبر وأهم برامج صندوق النقد الدولي في أمريكا اللاتينية أو آسيا.

الواقع أن لاجارد، على عكس من سبقوها في المنصب، كانت تحضر بانتظام اجتماعات وزراء المالية الأوروبيين». يشير جيمس إلى أن صندوق النقد الدولي كان يحاول التكيف مع ظروف جديدة. ولكن من وجهة نظر بلدان خارج أوروبا والولايات المتحدة، كانت المعاملة الخاصة بادية للعيان، وإلى أن تتغير عملية التعيين، سيظل المدير الإداري دائما عُرضة للاتهام بأنه يستجيب بإفراط للحكومات الأوروبية. ولا تنتهي المشكلات عند هذا الحد. فبالإضافة إلى استبعاد بلدان أخرى تستثمر بشكل متساو في صندوق النقد الدولي، تتسبب العملية الحالية أيضا في تشويه الطابع الدولي الذي تتسم به بنية المؤسسة الإدارية الرسمية.

يتولى إدارة صندوق النقد الدولي مجلس إدارة تنفيذي مصمم بعناية يمثل كل أعضائه (وإن كان بشكل غير متساو). ويقع مقر مجلس الإدارة الدائم في واشنطن العاصمة (بتكلفة ضخمة)، حتى يتمكن من توجيه مهمة المنظمة وعملها والإشراف عليها، لا يوجد سبب وجيه يمنع (حقا) اتخاذ القرار بشأن إعادة التعيين وتقييم الأداء من خلال هذا الهيكل التمثيلي القائم.

وبرغم أن أداء كل مدير إداري يخضع للحظ وظروف أخرى خارجة عن سيطرته، فإن بطاقة الأداء الموضوعية يمكن استخلاصها من ثلاثة مقاييس للنجاح. يتمثل الأول في مدى قدرة المدير الإداري على التوسط في التوصل إلى اتفاق بين كل البلدان ــ العمل على إبقاء الأقوياء منخرطين في حين يعمل على تقييدهم لضمان وضع مصالح الآخرين في الحسبان. وهذا يعني في كثير من الأحيان العمل بهدوء على تنظيم تحالفات بين الدول الأقل قوة.

الواقع أن سجل جورجييفا على هذه الجبهة قوي. ففي وقت حيث دعت الولايات المتحدة صندوق النقد الدولي إلى التراجع عن تولي زمام المبادرة فيما يتصل بالقضايا المرتبطة بالمناخ، تمكنت جورجييفا من إقناع عدد كبير من البلدان بالسماح للصندوق بإضافة المخاطر والفرص المرتبطة بالمناخ إلى عمليات مراقبته لاقتصاداتها.

على نحو مماثل، وبرغم أن الدول الغنية ترغب في فرض شروط جائرة على الإقراض (على الرغم من الأدلة التي قدمها صندوق النقد الدولي ذاته والتي تؤكد أن هذا التوجه من غير المرجح أن ينجح)، فقد وجدت جورجييفا بدلا من ذلك طرقا جديدة للإقراض، وأخيرا، في عالم يتسم بالتنافس الجيوسياسي المتزايد الحدة، عملت بثبات على الإبقاء على الصين منخرطة، في ما يتصل بإعادة هيكلة الديون السيادية على سبيل المثال.

ثانيا، يتعين على المدير الإداري أن يكون فعّالا في إقناع البلدان الأعضاء بتخصيص الموارد،ـ وهنا أيضا نجحت جورجييفا. في ديسمبر الماضي، وافق مجلس محافظي صندوق النقد الدولي على زيادة الحصص بنسبة 50% (أي التمويل الأساسي، وليس الأموال الخاصة المكرسة لمشاريع بعينها). كما أقنعت جورجيفا في السابق الدول الأكثر ثراء بتخصيص مزيد من الموارد إذا احتاجت المؤسسة إليها في أي وقت (وإن كانت الجهات المانحة لا تزال تحتفظ بسيطرة خاصة على ما يسمى ترتيبات الاقتراض). وأثناء الجائحة، تمكنت من التوصل إلى اتفاق بشأن تخصيص تاريخي بقيمة 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (الأصول الاحتياطية التي يصدرها صندوق النقد الدولي) لتعزيز ميزانيات الدول الأعضاء العمومية. (لكن جهودها الدؤوبة لإقناع الدول الأكثر ثراء بإعادة توجيه مخصصاتها لصالح الدول الأكثر فقرا كانت أقل نجاحا).

أخيرا، يتعين على المدير الإداري أن يُـظـهِـر القيادة الفعالة داخل المنظمة ذاتها، حيث الحاجة مستمرة للتغلب على الجمود البيروقراطي؛ واجتذاب وتطوير موظفين متميزين ومتنوعين والاحتفاظ بهم؛ وتعزيز ثقافة التعلم والنزاهة، ولأن نحو 60% من البلدان المنخفضة الدخل معرضة بدرجة كبيرة لخطر الانزلاق إلى ضائقة الديون أو تعاني منها بالفعل، فلابد أن يكون صندوق النقد الدولي قادرا على نشر موارده بأقصى سرعة ممكنة وبالاستعانة بالتوصيات والشروط المناسبة، وفي المجال متسع للتحسين على هذه الجبهة.

ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يخرج الأموال من الباب بسرعة أكبر، وينبغي له أن يصمم برامجه بما يتناسب مع عالم حيث تتفوق التوترات الجيوسياسية على مبادئ التجارة الحرة التي يفضلها. مع سجل أداء قوي في مجمل الأمر، تعد جورجييفا اختيارا جيدا. لكن هذه مجرد مصادفة سعيدة. ولا تغير هذه المصادفة حقيقة مفادها أن عملية إعادة التعيين في صندوق النقد الدولي تتعارض بدرجة مؤسفة مع عالم عشرينيات القرن الحادي والعشرين.

نجيري وودز عميد كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد.