سلطنة عمان وشرق إفريقيا.. بين التواصل الحضاري والتعاون الاقتصادي
الزيارة المهمة التي قامت بها رئيسة تنزانيا المتحدة سامية حسن إلى بلادنا سلطنة عمان واللقاء المثمر مع جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ وعدد من المسؤولين والتوقيع على عدد من مذكرات التفاهم وبرامج التعاون تعطي إشارات واضحة بأن الميزة المهمة التي تربط سلطنة عمان وإفريقيا الشرقية هي التواصل الحضاري، وقد استعادت شيئا من حيويتها. فعمان كان لها الحضور الحضاري في شرق إفريقيا لعدة قرون ولا تزال الصلات الاجتماعية ووجود عشرات الآلاف من العمانيين في دول شرق إفريقيا يعزز ذلك الإحساس الحضاري. ومن هنا فإن فتح آفاق التعاون العماني الإفريقي مع جمهورية تنزانيا يتماشى وذلك الإحساس بالتاريخ الحضاري البعيد، وهذا هو المفتاح الأهم لسياسة سلطنة عمان في عهد النهضة المتجددة، وهو المزيد من الانفتاح والتقارب مع كل الأقاليم ذات العلاقة الحضارية مع سلطنة عمان في إفريقيا وشبه القارة الهندية، علاوة على العالم العربي والإسلامي، لأن ذلك التعاون والتقارب في كل المجالات يعزز من دور سلطنة عمان ويتماشى مع تاريخها الحضاري البعيد منه والقريب في ظل متغيرات يشهدها العالم خاصة على الصعيد الاقتصادي.
الاتجاه شرقا
تظل إفريقيا الشرقية مجالا حيويا على الصعيد الحضاري والاقتصادي والثقافي، فهناك قرون من التمازج المجتمعي العماني مع دول شرق إفريقيا وهناك مشتركات عديدة وتحولات مهمة شهدها الوطن منذ أكثر من نصف قرن. كما شهدت دول إفريقيا الشرقية تحولات مهمة وأصبحت تلك الدول جاذبة للاستثمار، وبها قطاعات واعدة، علاوة على الكتلة السكانية الكبيرة التي سوف تكون قوة دافعة للتعاون الاقتصادي والسياحي بين سلطنة عمان وتنزانيا، فمقومات البلدين كبيرة وهناك ميزة سكانية لدى جمهورية تنزانيا المتحدة حيث يقترب سكانها من ٦٠ مليون نسمة وهذا مهم على صعيد تنشيط الجانب السياحي بين البلدين الصديقين. وهناك الموقع الاستراتيجي المميز لكلا البلدين على أهم المحيطات وهو المحيط الهندي وهذا مهم لربط الموانئ بين مسقط ودار السلام وغيرها من المدن الساحلية في البلدين كما أن الربط الجوي بين مطارات سلطنة عمان وجمهورية تنزانيا المتحدة يعد على قدر كبير من الأهمية. ولقد تم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم وبرامج التعاون في هذا الإطار التعاوني، وهناك مجالات كبيره للتعاون خاصة على الصعيد السمكي والزراعي وموضوع تعزيز الأمن الغذائي والعالم يمر بأوضاع صعبة على صعيد القمح والسلع الأساسية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
الاتجاه إلى الشرق الإفريقي لسلطنة عمان مهم واستراتيجي خاصة على صعيد التماس الحضاري والقوة الاقتصادية البحرية، ووجود كتلة سكانية في جمهورية تنزانيا والدول المحيطة بها تتجاوز ٢٥٠ مليون نسمة، وهي كتلة مهمة على صعيد الصادرات العمانية ومجالات الاستثمار المختلفة. إن الإعلان عن إنشاء الصندوق الاستثماري المشترك بين البلدين الصديقين هو خطوة إلى الأمام في إطار تعميق التعاون الاقتصادي بين تنزانيا وسلطنة عمان، ومنها إلى بقية دول شرق إفريقيا، فهناك دول مثل بوروندي ورواندا وكينيا وغيرها من الدول ذات الموقع الاستراتيجي والقطاعات الواعدة. وعلى ضوء ذلك، فإن الاتجاه العماني إلى شرق القارة الإفريقية هو تحرك مهم في وقت يتسم فيه الاقتصاد العماني بتنوع مصادره وعدم الاعتماد بشكل كلي على سلعة النفط المتقلبة سياسيا كما رأينا خلال السنوات الماضية.
ومن هنا، فإن توجه سلطنة عمان يتماشى والسمة الحضارية التي تعد من العوامل الأساسية نحو حضور عماني في شرق إفريقيا بأدوات حضارية تتماشى مع العصر الحديث، حيث التعاون الاقتصادي والثقافي والسياحي والانفتاح على كتلة سكانية كبيرة، وأيضا على تنسيق سياسي في المنظمات الإقليمية والدولية.
مجالات التعاون الواعدة
هناك مجالات تعاون واعدة بين سلطنة عمان وجمهورية تنزانيا المتحدة، اتضحت من خلال زيارة رئيسة تنزانيا سامية حسن والوفد المرافق لفخامتها والاستقبال المميز لها من قبل السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ واللقاءات المتعددة مع المسؤولين، وأيضا مع مسؤولي القطاع الخاص، علاوة على التوقيع على مذكرات التفاهم وبرامج التعاون والإعلان عن صندوق الاستثمار المشترك. وعلى ضوء حراك تلك الزيارة التي انتهت أمس الثلاثاء فإن قطاع الطاقة يعد من المجالات الحيوية، وهناك قطاعا الأسماك والزراعة، حيث تتمتع جمهورية تنزانيا بسواحل طويلة على المحيط الهندي كما هو الحال في سلطنة عمان، وهناك الموضوع المهم وهو القطاع الزراعي الذي يعد حجر الزاوية في التعاون المستقبلي بين البلدين الصديقين خاصة وأن بلادنا تركز من خلال الاستراتيجية الحالية على قطاعات الأمن الغذائي، وأيضا الطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر وهي مجالات تعاون واعدة. كما أن القطاع السياحي يعد من القطاعات الواعدة في ظل الكتلة السكانية الكبيرة في دول إفريقيا الشرقية، التي تتعدى ٢٥٠ مليون نسمة، وهي قوة دفع سكانية تدفع بالعلاقات السياحية إلى آفاق أرحب. وهنا يأتي دور قطاع المطارات والموانئ والتسهيلات الأساسية نحو التدفق التجاري والسياحي بين سلطنة عمان وجمهورية تنزانيا وبقية دول إفريقيا الشرقية في ظل استقطاب إقليمي ودولي للقارة الإفريقية عمومًا. ولا يمكن هنا أن ننسى تهافت دول كبرى كالصين على الاستثمار في إفريقيا بعشرات المليارات في دول عديدة، وهذا يعطي مؤشرا بأن القارة الإفريقية سوف تشهد حراكا اقتصاديا، خاصة إذا تراجعت الصراعات والحروب والخلافات في بعض دولها، خصوصا جنوب الصحراء والساحل.
مسار العلاقات
في أعقاب تلك الزيارة المهمة لرئيسة تنزانيا فخامة سامية حسن واللقاء المهم مع السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ ومع المسؤولين في البلدين فإن مسار العلاقات مع تنزانيا هو المدخل الصحيح نحو إيجاد علاقات تعاون في كل المجالات مع دول شرق إفريقيا لأن التواصل الحضاري والاجتماعي من العوامل التي تساعد على نجاح مسار تلك العلاقات بين الدول عموما.
ومن هنا تأتي أهمية المتابعة وتواصل الزيارات بين مسؤولي البلدين لتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه وتنشيط التعاون في المجالات الاقتصادية. وعلى ضوء ذلك، فإن هناك مسارا واعدا للعلاقات العمانية مع تنزانيا وبقية دول إفريقيا من خلال إعادة اكتشاف هذه المنطقة الواعدة من العالم بكل مكوناتها ومواردها ومقدراتها الطبيعية والبشرية لخلق شراكات اقتصادية يستفيد منها الجميع، دولا وشعوبا، وتحقق الطموحات المشتركة، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظة ملامحه الإيجابية في المرحلتين الحالية والقادمة.
