سعر الفائدة ومعيشة عموم الناس
21 سبتمبر 2025
21 سبتمبر 2025
تسعى الدول في إدارتها لاقتصاداتها إلى تحقيق عدة أهداف، بعضها يتعلق مباشرة بمعيشة عموم الناس، مثل كبح التضخم وبقاء الأسعار في حدود مقبولة، وكذلك تحفيز النمو الاقتصادي وما يجب أن يؤدي إليه من توليد لفرص العمل لكل القادرين عليه.
ومن أجل تحقيق تلك الأهداف تستخدم الحكومات عدة وسائل، أهمها ما تقوم به وزارات المالية والأجهزة المرتبطة بها، وهي المعروفة بالسياسة المالية. في جانبها الأهم تتعلق السياسة المالية بالميزانية العامة من حيث الإيرادات وتنويعها، وحجم الإنفاق وتحديد أولوياته، والتحكم في عجز الميزانية ووسائل تمويله، وإدارة الدَين العام. وبالإضافة إلى السياسة المالية تستخدم الحكومات أيضا السياسة النقدية وهي تدار من قبل البنوك المركزية. والسياسة النقدية تتعلق أساسا بسعر الفائدة على القروض والودائع، وسعر صرف العملة، ومراقبة مستوى السيولة النقدية في السوق، وما يلزم من إجراءات لتحقيق استقرار العملة الوطنية.
خلال الأسبوع الماضي اتخذ صندوق الاحتياط الفيدرالي الأمريكي قرارا طال انتظاره فخفض سعر الفائدة على الدولار الأمريكي بمقدار ربع نقطة أو ٠.٢٥ نقطة، ليصبح النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الدولار يتراوح بين ٤٪ إلى ٤.٢٥٪، وهذا هو أول تخفيض يجريه الصندوق لهذا العام. وحيث إن سعر صرف الريال العماني مربوط بالدولار الأمريكي، كما هو حال عملات بقية دول مجلس التعاون ودول أخرى في العالم، فمن المتوقع أن يقوم البنك المركزي العماني بتخفيض سعر الفائدة للريال بنسبة مماثلة لتلك التي قررها صندوق الاحتياط الفيدرالي الأمريكي أو حولها، وهو ما قام به البنك المركزي القطري لكون الريال القطري مربوطا أيضا بالدولار الأمريكي.
تخفيض سعر الفائدة غالبا ما يكون سيفا ذا حدين، فهو من جانب قد يحفز على النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، وهو من جانب آخر قد يؤدي إلى تضخم وارتفاع في الأسعار. في جانب تحفيز النمو الاقتصادي، تخفيض سعر الفائدة يعني أن المستثمرين والمستهلكين أصبحوا يستطيعون الاقتراض من البنوك ومؤسسات التمويل لتمويل استثماراتهم ومشترياتهم بسعر فائدة أقل مما كان عليه قبل ذلك، سواء كانوا من كبار المستثمرين أو من عموم الناس. لذلك يزيد الاقتراض من البنوك ومؤسسات التمويل، سواء كان للاستثمارات الكبرى أو لشراء العقار والسيارات والسلع الاستهلاكية، أو حتى للسفر ولشراء السلع الكمالية. لكن في الجانب الآخر، تؤدي زيادة الإقبال على شراء السلع والخدمات إلى تسخين السوق، أي إلى تضخم وارتفاع في الأسعار إلى درجة قد لا يستطيع تحملها عموم الناس، وغالبيتهم من ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة. بعض الخبراء الاقتصاديين، ومنهم الخبير الاقتصادي المصري محمود محيي الدين، يرون أن دافع صندوق الاحتياط الفدرالي الأمريكي إلى خفض سعر الفائدة على الدولار هذه المرة هو تحفيز النمو في الاقتصاد الأمريكي، وأن الصندوق لا يهمه في هذه المرحلة السيطرة على التضخم والارتفاع في الأسعار في السوق الأمريكي. المعلوم أن الرئيس الأمريكي ترامب يضغط منذ أشهر على رئيس الاحتياط الفيدرالي لخفض سعر الفائدة، لمعرفته أن الإجراءات التي فرضها على شركاء أمريكا التجاريين، خاصة رفع الرسوم الجمركية على الواردات، وهي من السياسات المالية، ستؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي ما لم تكن هناك سياسة نقدية موازية تحفيزية، وهي تخفيض سعر الفائدة على الدولار.
البنك المركزي العماني، كما أشرنا أعلاه قد يقدم على تخفيض بنسبة ما لسعر الفائدة على الريال، كما فعل البنك المركزي القطري. لكن إذا صدقت المعلومات أن البنوك المركزية في المنطقة، بما فيها البنك المركزي العماني، قد بدأت خلال السنوات القليلة الماضية في تكوين احتياطيات من الذهب ومن عملات أخرى إلى جانب الدولار، فإنه ربما لم يعد من الضروري من الناحية الاقتصادية أن يقوم البنك المركزي العماني بتخفيض سعر الفائدة على الريال بنفس نسبة تخفيض الفائدة التي قررها صندوق الاحتياط الفيدرالي، وذلك لتجنب حدوث أي آثار سلبية للتخفيض مثل التضخم.
في الأشهر الأخير هناك ميل للتفاؤل بالنسبة للاقتصاد العماني ويظهر ذلك فيما تنشره الصحف المحلية من أخبار، وفي التقارير التي تصدرها المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الـــدولي ووكــــالات التصنيف الائتماني. لكن في المقابل لا زال هناك من يشتكي من ضعف النمو الاقتصادي ومحدودية فرص العمل في القطاعين الحكومي والخاص، وكذلك من تعقيد الإجراءات وطولها أمام المستثمرين ورواد الأعمال. وبالإضافة إلى ذلك، هناك شرائح واسعة من المجتمع تشتكي من ارتفاع في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وكذلك في أسعار الخدمات والمنافع العامة، مثل الكهرباء والماء والوقود وغيرها، الأمر الذي يحد من الادخار، بل ويجعل الكثير من عامة الناس لا يستطيعون سد حاجاتهم الأساسية اليومية.
وأخذا بعين الاعتبار ما أشرنا إليه من عناصر تؤثر في سعر الفائدة على الريال العمال، وهي ارتباطه بالدولار الأمريكي، وما يقال عن أن البنك المركزي قد كوّن احتياطات من عملات أخرى وتأثير سعر الفائدة على مستوى التضخم والقدرة الشرائية للمستهلكين من ناحية أخرى، فإن أي قرار من البنك المركزي بشأن سعر الفائدة يجب أن يراعي كل الجوانب والآثار وليس فقط الجوانب المتعلقة بارتباط سعر صرف الريال العماني بالدولار الأمريكي. صحيح أن العلاقة بين الاستثمار وســـعر الفائدة علاقة عكسية، أي أن تخفيض سعر الفائدة مفيـــد للمستثـــمرين وينــــشط جانب الطلب في السوق، لكن الغلاء وارتفاع الأسعار يـــضرُّ كافة فئــــات المجتمع ولا بد من تجـــنب كل ما يؤدي إلـــى ارتــــفاع الأسعار بشكل يزيد عن المعدل المقبول. وقد قيل «اللهم اصرف عنا البلاء والغلاء».
د. عبدالملك بن عبدالله الهنائي باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية
