زيلينسكي وبايدن - موقفان متباعدان حتى الآن

25 ديسمبر 2022
25 ديسمبر 2022

ترجمة قاسم مكي -

إذا تجاوزنا الهتافات الحماسية والصادقة التي استُقبِل بها رئيس أوكرانيا الشجاع فولوديمير زيلينسكي سنجد أن زيارته إلى واشنطن كانت على وجه اليقين "قمة حرب". ويبدو أنها انتهت بفجوة بين الحليفين حول استراتيجية كل منهما لإنهاء الحرب.

لا أقصد بذكر هذه الخلافات بين واشنطن وكييف التقليل من النجاح الباهر لزيارة زيلينسكي. فالزعيم الأوكراني أثار العالم مرة أخرى في ردائه العسكري الأخضر وحذائه الثقيل وهو يتنقل بين البيت الأبيض والكابيتول (مبنى الكونجرس) بمشية وهِمَّة مصارعٍ لن يستسلم أبدا.

في خطابه أمام الكونجرس قال زيلينسكي جازما إنه يسعى إلى تحقيق "الانتصار التام" على روسيا. أي إلى نفس ذلك النوع من النصر الذي وعد به الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت مع دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. قال زيلينسكي "الشعب الأوكراني سينتصر أيضا وبشكل مطلق (مثلما انتصرت الولايات المتحدة في تلك الحرب)."

استخدم زيلينسكي كلمة "الانتصار" إحدى عشرة مرة في خطابه ومرة واحدة في ردوده على أسئلة الصحفيين في البيت الأبيض بعد اجتماعه مع الرئيس بايدن. وما له دلالة أن بايدن لم يستخدم هذه الكلمة ولا مرة واحدة. بل بدلا عن ذلك وعد بدعم "عزم أوكرانيا الذي لا يلين.. على اختيار مسارها الخاص بها." وأضاف بايدن متعهدا "سنقف معكم طالما دعت الضرورة إلى ذلك".

استحضار زيلينسكي لمقولة فرانكلين روزفلت تذكِّر بقمَّة حرب أخرى هي مؤتمر الدار البيضاء بين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في يناير عام 1943.

في ذلك الاجتماع أعلن روزفلت لأول مرة أن هدفه هو استسلام أعداء المِحْوَر "غير المشروط". وقال "السلام يمكن أن يأتي إلى العالم فقط بالقضاء التام على القوة الحربية الألمانية واليابانية."

من المؤكد تقريبا أن هذه الحرب لن تنتهي بالقضاء التام على القوة الحربية الروسية. وهذا ما يعين على تفسير مقاومة بايدن النشطة لخطاب "الانتصار التام". لقد قال ذلك بوضوح في المؤتمر الصحفي يوم الأربعاء بالبيت الأبيض عندما سأله صحفي أوكراني إذا ما كان سيمنح كييف صواريخ بعيدة المدى يمكنها ضرب روسيا ويزوَّد أوكرانيا "بكل القدرات التي تحتاجها لتحرير كل أراضيها عما قريب وليس في وقت لاحق".

رد بايدن بقوله إن منح أوكرانيا مثل هذه الأسلحة الهجومية الفتاكة "يمكن أن يقود إلى تفكك الناتو". وقال حلفاء الناتو "لا يسعون إلى الدخول في حرب مع روسيا. إنهم لا يريدون حربا عالمية ثالثة".

أجاب بايدن بما يريده الحلفاء الآخرون. لكن تجنب الصراع المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا مع دعم مقاومة أوكرانيا في ذات الوقت ظل أحد أهداف بايدن الرئيسية في هذه الحرب.

هنالك توتر آخر غير ملحوظ في تصور الرئيسين بايدن وزيلينسكي لهذا الصراع. فهو بالنسبة لبايدن يتعلق بوقف تقدم بوتين وما أسماه الرئيس الأمريكي الهجوم الشامل "الذي لم يسبقه استفزاز وغير المبرر على الشعب الأوكراني الحر". وحسب بايدن عندما يدرك بوتين بوضوح أنه "لا يمكنه كسب هذه الحرب" حينها يمكن لزيلينسكي "تقرير الكيفية التي يريد أن تنتهي بها هذه الحرب" والبحث عن "سلام عادل".

طرح زيلينسكي صيغة مختلفة نوعا ما. فهو كما يبدو، وببساطة، يتصور العدو ليس بوتين ولكن روسيا نفسها مثله في ذلك مثل عشرات الأوكرانيين الذين تحدثت معهم أثناء زيارتين لي إلى كييف في هذا الخريف. فقد خاطب الكونجرس قائلا "الروس سيحصلون على فرصة أن يكونوا أحرارا فقط عندما يهزمون الكرملين في عقولهم".

كما تحدث عن نجاح أوكرانيا كانتصار للأوربيين. وهو يقصد بذلك العالم الغربي الحر الذي أرادت أوكرانيا أن تنضم إليه منذ قرون. وقال أيضا "لقد فقد الطغيان الروسي سيطرته علينا. ولن يؤثر على عقولنا أبدا مرة أخرى".

بايدن وزيلينسكي سُئلا عن السلام. الرئيس الأمريكي لكز رفيقه القائد الأعلى (الأوكراني) وقال له "أنت مستعد للبحث عن سلام عادل" وعزا خطأ استمرار الحرب إلى بوتين.

قال بايدن "كلانا يريد لهذه الحرب أن تنتهي. يمكن أن تنتهي اليوم... إذا فعل بوتين ما هو صائب وانسحب. لكن ذلك لن يحدث الآن".

من جانبه قال زيلينسكي أنه لديه "صيغة سلام" وهي أساسا وجوب انسحاب روسيا من كل الأراضي التي استولت عليها بطريقة غير مشروعة منذ عام 2014. وأن هذه هي الإجابة الصحيحة في الوقت الحاضر.

بعد دقائق قليلة من ذلك أضاف زيلينسكي إجابة أكثر دقة حين قال "السلام العادل... لا أعرف. لا أعرف ما السلام العادل. إنه تعبير فلسفي جدا. بالنسبة لي، بوصفي الرئيس، السلام العادل (يعني) لا تسويات حول السيادة والحرية وسلامة أراضي بلدي والتعويض عن كل الخسائر التي تسبب فيها العدوان الروسي."

الصراع الأوكراني في جزء منه حرب معلومات. زيارة زيلينسكي كانت انتصارا في هذا المجال. لقد أظهر للعالم كيف يبدو البطل الحقيقي في عالم الواقع (الجدير بالذكر أن زيلينسكي كان ممثلا هزليا قبل توليه رئاسة أوكرانيا- المترجم.) وأهدى حليفته الولايات المتحدة عَلَمَا أوكرانيا من ميدان القتال وقَّع عليه جنود أوكرانيون يخوضون إحدى أشرس الحروب البرية التي شهدتها أوروبا خلال ما يزيد عن قرن.

كان الرئيس الأوكراني موفَّقا في الرسالة التي أراد إرسالها. فالمهمة في الوقت الحاضر هي مواصلة القتال خلال الشتاء القاسي والحفاظ على "الإرادة الفولاذية" التي امتدحها بايدن.

الولايات المتحدة من جانبها بحاجة إلى ضخ المزيد من الأسلحة التي ستمكِّن أوكرانيا من الصمود ودفع الروس إلى الخلف كلما أمكن ذلك وحماية المدنيين من الصواريخ والطائرات المسيَّرة.

في وقت ما في العام القادم ستلزَم معالجة التوتر الكامن تحت سطح قمة الحرب هذه (بين بايدن وزيلينسكي). ستكون هنالك حاجة إلى وضوحٍ وتقارب أكبر في تصور النجاح الأوكراني الذي لا يصل إلى حدِّ "الانتصار المطلق". لكن في الوقت الحاضر دعونا نتبنَّى صيغة زيلينسكي التي تتحدث عن "الانتصار والانتصار فقط".

ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست.