دول الغرب أمام خيار حازم بشأن خسارة أوكرانيا الحرب

23 أبريل 2024
ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني
23 أبريل 2024

ستيفان وولف و تيتيانا ماليارينكو

تعيش أوكرانيا في الفترة الحالية مستوى قوي من تهديد وجودها، هذا التهديد لا يقارن في أي وقت مضى منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، حيث كانت الفترة السابقة تناقض بشكل كبير الوضع الحالي، لذلك لا يمكن التنبؤ بوضع أفضل لأوكرانيا في هذه الأثناء، وسيكون الوضع صعبا ليس لوقت قريب.

لا يمكن وصف الوضع الأوكراني بأنه قد شهد تدهورًا كبيرًا فقط -كما جاء في وصف القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية «أولكسندر سيرسكي»- إنما موضوع هزيمة أوكرانيا بات بشكل علني على طاولة النقاش التي تجمع عددا من القيادات مثل القائد السابق للقوات المشتركة في المملكة المتحدة الجنرال «ريتشارد بارونز» الذي قال في حديث لـ «البي بي سي» في 13 أبريل: «إن أوكرانيا ستخسر الحرب في عام 2024، لأنها قد تشعر أنها غير قادرة على الانتصار، وإلى حين الوصول لهذه النتيجة، لماذا يختار الناس القتال والموت المستمر لفترات طويلة، هل فقط من أجل (الدفاع) الذي لا يمكن حمايته».

وقد يكون هذا التصريح نوعٌ من استفزاز قادة الدول الغربية لتقديم مزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا وبشكل عاجل، ولكن رغم ذلك لا يزال العديد يرون بحتمية الحرب، منهم الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي «ينس ستولتنبرغ»، الذي يرى أن طريق الخلاص في أن تجلس كل من أوكرانيا وروسيا على طاولة تفاوض واحدة، والاتفاق على «التنازلات» التي ترغب بها كل قيادة، وهذا بحد ذاته دليل على أن الأوضاع الحالية تسير في طريق مسدود خاصة بالنسبة لأوكرانيا.

هناك العديد من الأسباب الكامنة وراء الخطاب الانهزامي الذي بدا أنه يتزايد، من تلك الأسباب تدهور الوضع في الجبهات، لأن أوكرانيا تفتقر بشكل متزايد للقوى البشرية وآليات الحرب الكفيلة بحفظ خطوط المواجهة ضد روسيا، وهذا الأمر يبدو أنه لن يشهد تطورًا في الوقت القريب القادم، ومؤخرًا تمت الموافقة على «قانون التعبئة الأوكراني الجديد»، ولكن هذا الأمر سوف يأخذ مزيدا من الوقت إلى حين إتمام التدريب وتوزيع القوات الجديدة ودمجها مع القوات الحالية الموجودة في الجبهات.

وفي الاتجاه المقابل، الاتجاه الروسي، كان الاقتصاد الروسي متماسكا في وجه العقوبات الدولية، بل أسهم اقتصادها بتعزيز قواتها الحربية، وتمكنت من استقبال الشحنات القادمة من إيران وكوريا الشمالية، وإضافة إلى ذلك تم توفير التقنيات التكنولوجية بخصائص «الاستعمال المزدوج»، ومن تلك المعدات تقنيات كهربائية لتصنيع الأسلحة قادمة من الصين، وكذلك تمكنت روسيا من صناعة الكثير من المعدات والذخائر بنفسها وقامت فعلا باستهداف مواقع في أوكرانيا بتلك الأسلحة، ولكن لم يعد الأمر كما كان في السابق، فيبدو الآن أن روسيا تواجه صعوبات نتيجة الضغوط الاقتصادية والعقوبات الغربية، لكنها إلى الآن في وضع أقوى من أوكرانيا خاصة في ظل غياب الدعم الغربي.

الأوضاع التي تعيشها الحرب الروسية الأوكرانية، وتغير سياسة الدعم الموجه لأوكرانيا، الذي أدى إلى ترجيح كفة روسيا بشكل كبير، قد أسهم في تعزيز قدرة الكرملين وتطبيقها لاستراتيجيات شرسة كتدمير الدفاعات الأوكرانية على طول خطوط المواجهة، وبشكل خاص في «دونباس» الكائنة في الشرق، حيث بدا واضحا الضغط الروسي في الأشهر الأخيرة.

وكذلك بدت القوات الروسية بالتركيز بشكل كبير على الحدود في منطقة «خاركيف» في الوقت الحالي، كما تعرضت ثاني أكبر المدن الأوكرانية للمزيد من الهجمات الروسية خلال الأسابيع الماضية، الأمر الذي دفع بالحكومة الأوكرانية إلى القيام بإجلاء مواطنيها من تلك المدينة وثلاث مناطق أخرى.

إن ما بين 100 ألف إلى 120 ألف جندي روسي ليس بالعدد الكافي لكي تشن روسيا هجوما كبيرًا آخر نحو الحدود، ولكن العدد في الوقت ذاته سيمكن روسيا من تقييد القوات الأوكرانية الكبيرة، وهي قوات لا يمكن استخدامها في مناطق أخرى التي من المحتمل أن تكون خطرة في حين المواجهة.

صحيح أن هناك انهيار مفاجئ لنسبة كبيرة من خطوط الدفاع الأوكرانية، إلا أنه من المستبعد أن يكون لروسيا تقدم كبير في المستقبل القريب، ويرجع ذلك إلى أن العمليات الروسية الحالية التي تقوم بها في أوكرانيا إنما بهدف اكتشاف نقاط الضعف الأوكرانية للقيام بهجوم أكبر، وربما يحدث ذلك في الربيع أو بداية أيام الصيف.

ومن الأمور المهم ذكرها، الأهداف العمومية التي أعلنت عنها روسيا، وبشكل خاص مطالبات الكرملين بكافة المناطق الأربعة التي ضمتها موسكو إليها في سبتمبر 2022، ولا يوجد ما يدل على أن هذا الهدف قد تغير في الخطة الروسية، بل إن العمليات العسكرية الروسية تدل على أن موسكو تسير في ذات الاتجاه.

إن السيطرة على الأجزاء المتبقية من منطقة «دونيستك» هي الخطوة المهمة الأولى، وبعدها سيوفر ذلك المزيد من المكتسبات القادمة في مناطق مثل «زابوريزهيا» في جنوب أوكرانيا، و «خيرسون» التي استطاعت أوكرانيا تحريرها من روسيا في خريف 2022.

لو انسحبت أوكرانيا نحو مواقع يمكنها الدفاع عنها بشكل أكثر قابلية للتحقيق، بعيدا عن خطوط المواجهة المباشرة في «دونباس»، سيمكن ذلك روسيا من الاستيلاء الكامل على «دونباس»، ولكن في الوقت نفسه سيحرم الكرملين من تحقيق نجاحاته في «زابورجيا» و»خيرسون»، بل وكذلك سيخيب آمال روسيا في الاستيلاء على الأجزاء المتبقية من سواحل البحر الأسود الأوكراني على طول الطريق حتى «أوديسا»، وهذا ما يعكس استراتيجية يمكن لأوكرانيا الاعتماد عليها، ولكن نجاح هذه الاستراتيجية مرهون كذلك على نوعية الدعم الغربي الذي ستتلقاه أوكرانيا ومتى ستتلقاه.

السيناريو الأكثر تفاؤلًا يتمثل في أن تعزز الدول الغربية المتحالفة مع كييف دعمها العسكري لأوكرانيا بشكل فوري وملحوظ، ينبغي أن يشمل هذا الدعم توفير المزيد من الأسلحة والمعدات، وأنظمة الدفاع الجوي، والمركبات المدرعة، والطائرات بدون طيار، وفي الوقت ذاته يجب على الصناعة الدفاعية الغربية، خاصةً في أوروبا، أن تتبنى نهجًا حربيًا مشابهًا لما هو متبع في روسيا، بناءً على هذه الخطوات، قد يستقر الوضع على خطوط الجبهات، مما يجعل من الصعب على روسيا تحقيق مكتسبات جديدة، هذا السيناريو المتفائل قد يوفر تحسنًا ولو بشكل طفيف لصالح أوكرانيا، لكن تحقيقه قد يبدو غير محتمل في الوقت الحالي.

أما السيناريو الأسوأ، فهو انهيار بعض أجزاء خطوط الجبهة، مما يسمح لروسيا بتحقيق المزيد من الانتصارات، وعلى الرغم من أن هذا قد لا يكون محتملًا كما تبدو الأمور الآن، فإذا حدث فسيكون له تأثير سلبي كبير على المعنويات الأوكرانية، كما قد يعزز ذلك من موقف المتشككين في الغرب الذين قد يدفعون أوكرانيا نحو المفاوضات مع روسيا في وقت ضعفها، رغم أن غالبية الأوكرانيين يؤيدون فكرة التفاوض، هذا السيناريو لا يعني سيطرة موسكو على كييف، ولكنه قد يشير إلى هزيمة عسكرية لأوكرانيا في كل شيء باستثناء الاسم.

وإذا ما نجح الهجوم الروسي الكبير المتوقع خلال الصيف، فقد يجبر ذلك كييف على قبول التسوية، وهذا لا يعني فقط هزيمة لأوكرانيا، بل يمثل أيضًا إهانة للغرب وقد يؤدي إلى انقسام كامل في الجبهة التي تدعم كييف نسبيًا، مما يعزز قوة الكرملين.

في هذا السيناريو، أية تنازلات تفرضها روسيا على أوكرانيا بعد انتصارات في الميدان قد تكون مجرد بداية لتحقيق أهداف بوتن المستمرة نحو حلهم الكبير، وهو استعادة الإمبراطورية الروسية.

ستيفان وولف أستاذ الأمن الدولي بجامعة برمنجهام

تيتيانا ماليارينكو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أوديسا الوطنية

نقلا عن آسيا تايمز.