خطط توني بلير لما بعد غزة

02 سبتمبر 2025
02 سبتمبر 2025

  كيتي ستولارد 

ترجمة: أحمد شافعي 

قام توني بلير بزيارة البيت الأبيض يوم الأربعاء السابع والعشرين من أغسطس الماضي لإطلاع دونالد ترامب على خطة لما بعد غزة، ولإطلاع صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر أيضا عليها. ويتردد أن الخطة تتضمن استراتيجية لإعادة بناء القطاع المتهدم من جراء الصراع وأفكارا لكيفية حكمه دونما إشراك لحماس، بحسب ما ذكر موقع أكسيوس [Axios] الذي انفرد بكشف تفاصيل اللقاء للمرة الأولى. 

يقال: إن بلير وكوشنر يعملان منذ شهور على خطط لمستقبل الأراضي الفلسطينية التي سبق أن اقترح ترامب إمكانية تحويلها إلى «ريفييرا في الشرق الأوسط». ففي فبراير، نظر الرئيس الأمريكي علنا في إمكانية تولي «ملكية طويلة الأجل» لغزة حيث تتقدم الولايات المتحدة «للاستيلاء عليها وتطويرها». واقترح نقل السكان المدنيين الذين كان عددهم الإجمالي يبلغ مليوني نسمة قبل الحرب الجارية، إلى «قطعة أرض جيدة، طازجة، جميلة» أو «قطع عديدة من الأرض». (وسارع الباحثون القانونيون الدوليون إلى إيضاح أن ترحيل شعب كامل قد يمثل جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية). ونشر ترامب أيضا فيديو مولدا بالذكاء الاصطناعي يصور قطاع غزة بوصفه منتجعا شاطئيا فاخرا يحمل اسم «غزة ترامب» بطبيعة الحال، ولا تنقصه ناطحات السحاب والفنادق الفاخرة وتمثال هائل ذهبي لترامب نفسه. 

ولقد سبق أن وصف كوشنر ـ وهو شأن ترامب ذو خلفية في مجال إنشاء العقارات وينسب إليه لعب دور محوري في مفاوضات الاتفاقات الإبراهيمية خلال ولاية الرئيس الأمريكي الأولى ـ الإمكانيات «القيّمة جدا» لـ«الأراضي الشاطئية» في غزة وإمكانية تطوير القطاع في ما بعد الصراع. وذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في يوليو أن فريقا في مؤسسة بلير المعروفة بـ«معهد توني بلير» قد شارك أيضا في مشروع بقيادة (مجموعة بوسطن الاستشارية) لوضع تصورات خطط لتحويل غزة إلى مركز تبادل تجاري إقليمي في ما بعد الحرب. وتصر مؤسسة توني بلير على أن فريقه لم يكتب مطلقا، أو يضع، أو يقر، أي مقترح يتضمن نقل سكان غزة. 

استباقا لما أسماه «لقاء ضخما» بشأن غزة في البيت الأبيض يوم الأربعاء، وضمَّ بلير وكوشنر، قال ستيف ويتكوف مبعوث ترامب الخاص لفوكس نيوز إنه يعتقد أن الصراع سوف ينتهي في غضون أشهر، «وقبل نهاية العام يقينا». وقال ويتكوف ـ الذي حاول مرارا التفاوض من أجل إنهاء هجوم روسيا على أوكرانيا دونما تحقيق نجاح ـ إن الإدارة تضع «خطة شديدة الشمول» لغزة في ما بعد الحرب. وقال: «إنني أعتقد أن الناس سوف يرون مدى قوة ذلك، وكم يبلغ من حسن النية» و«أنه يعكس دوافع الرئيس الإنسانية في هذا الصدد». وفي اجتماع وزاري متلفز في ذلك اليوم تنافس مسؤولو ترامب على تجاوز بعضهم بعضا في كيل المديح للرئيس، وقال ويتكوف لترامب إنه يرجو أن تعترف لجنة جائزة نوبل للسلام أخيرا بأنه «خير مرشح فرد» في تاريخ الجائزة. وقال «إن نجاحك يغير قواعد اللعبة في العالم اليوم. وإنني أرجو أن يفيق الجميع ويدركوا ذلك». 

وهنا في العالم الحقيقي، كان يمكن أن تثير أقوال ويتكوف الضحك لولا أن الوضع في غزة بالغ الخطورة. فغزة الآن رسميا في حال مجاعة وصفها أمين عام الأمم المتحدة بأنها «كارثة من صنع بشر» وبأنها «إخفاق للإنسانية»، وقد لقي عشرات المدنيين مصرعهم في الأيام الأخيرة، وكثير منهم لقيه في أثناء البحث عن الطعام في ظل زيادة الجيش الإسرائيلي من هجماته. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحرك قدما بخطته للاستيلاء على مدينة غزة واحتلال قطاع غزة بالكامل في نهاية المطاف. وعندما سئل جدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلي بعد لقائه بوزير خارجية الولايات المتحدة ماركو روبيو في واشنطن يوم الأربعاء أيضا عن خطة إقامة دولة فلسطينية بعد الحرب، رد بأن ما يسألون عنه لن يوجد. 

في وقت يدين فيه كثير من القادة الآخرين، أخيرا ومتأخرا للغاية، أهوال إسرائيل في غزة، يخاطر بلير بالمزيد من تلويث تركته المريبة أصلا في الشرق الأوسط، تلك التركة التي لا تزال مرتبطة ارتباطا وثيقا في عقول كثير من الناخبين بقراره بالانضمام إلى الغزو الأمريكي الكارثي للعراق، وذلك بجلوسه مع الرئيس الأمريكي الذي أطلق يد نتنياهو في تدمير غزة. وسوف يتفاقم التأثير بحضور كوشنر، بما له من ماض في تثمين قيمة الأراضي بوصفها مشروعا شاطئيا محتملا. 

قد يجد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي عمل من قبل بعد خروجه من السلطة في الفترة من 2007 إلى 2015 مبعوثا في الشرق الأوسط لمجموعة الرباعية (التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا)، قد يجد نفسه في صدام مع قيادة حزب العمال الحالية. فقد تعهد كير ستارمر بأن تعترف المملكة المتحدة ـ مع فرنسا وكندا وأستراليا ـ رسميا بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر إذا لم توافق إسرائيل على إنهاء الحرب، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي. 

ويحتمل بطبيعة الحال أن يكون بلير قد استعمل اللقاء في إقناع ترامب بالحاجة الملحة إلى نقل كميات ضخمة من المساعدات إلى غزة وبأهمية ضمان كرامة وأمن الشعب الفلسطيني في أي تسوية مستقبلية. ولم يفصح البيت الأبيض أو بلير أو كوشنر عن أي تفاصيل حول ما جرى نقاشه. ولكن أي نقاش لخطة «اليوم التالي» لغزة لا بد أن تبدأ باعتراف بالأوضاع الكارثية في القطاع في الوقت الراهن، وبحقيقة أن ترامب هو القائد الوحيد القادر على فرض ضغط جاد على نتنياهو لتغيير مساره. 

وبدلا من ذلك، يبدو أن ترامب يقف جانبا بينما يستمر نتنياهو في حربه، وبينما يموت أهل غزة جوعا ومرضا وتحت ضربات إسرائيلية لا تنتهي. وبدلا من التجهيز لإنهاء الحرب، يبدو أن إسرائيل تتهيأ لهجوم بري جديد وكبير لمدينة غزة. 

 كيتي ستولارد كبيرة المحررين في قسم الصين والشؤون الدولية في ذي نيوستيتسمان ومؤلفة كتاب «الرقص على العظام: التاريخ والسلطة في روسيا وكوريا الشمالية» وزميلة عالمية غير مقيمة لمركز ويلسن في واشنطن. 

 عن ذي نيوستيتسمان