خصخصة المهرجانات والقطاعات البلدية «ظفار أنموذجا»

27 أكتوبر 2021
27 أكتوبر 2021

د. عبدالله باحجاج

يا بني «أنا فلانة» - لا تحبذ ذكر اسمها - والاسم علم في سوق صلالة المركزي، وبمجرد أنها ذكرت اسمها الأول فقط ، تخيلت مشهد تموقعها بالقرب من ركن الخضروات، وهي تفترش الأرض مع مجموعة نساء يبعن مأكولات شعبية» كاللخام والمسيبلي والصبار والمقلوت» - وهي مسميات محلية - ومنتوجات أخرى تشتهر بها ظفار كاللبان... إلخ، لم تتركني طويلا في لحظة تصوري الذهني للمشهد، فعلى الفور تساءلت بلهجة محلية قائلة: «ايش بتساوي بنا بلدية ظفار؟ كيف تريد تسلمنا للشركات؟ لمست من حديثها معي حالة قلق مرتفعة من مستقبل البلدية خصخصة هذا السوق بعد طرحها مناقصة تقديم مقترح استثماري لتطوير السوق، وعلمنا كذلك أن التفكير نفسه ينسحب على مهرجان صلالة السياحي.

**

من حيث المبدأ، أقف مع خصخصة قطاعات بلدية لكن مع الاعتداد بالأبعاد الاجتماعية، والأخذ بعين الاعتبار تجربة إسناد قطاع النظافة لشركة في صلالة من ناحيتين هما: مدى تخفيف العبء المالي على خزينة الدولة من جهة، وعلى تطوير الخدمة نفسها من ثانية، فهل يحقق هذا الإسناد هذين الهدفين؟ سنتناول هذا الموضوع في ثلاثة محاور أساسية، مع إسهابي في البعد الاجتماعي الذي أقف دائما مدافعا عنه لتموقعاتي الاجتماعية، واهتماماتي الميدانية به، وسيكون عبر محورين: الأول البعد الاجتماعية لخصخصة سوق صلالة المركزي، والثاني: الانعكاسات الاجتماعية لخصخصة مهرجان ظفار السياحي، على أن أشير في المحور الثالث إلى تجربة خصخصة قطاع النظافة باختصار، لكنه يغني عن الإسهاب.

أولا: البعد الاجتماعي لخصخصة السوق المركزي بصلالة

من يفكر في خصخصة سوق صلالة المركزي عليه مسؤولية أن يحافظ على مصادر دخل المئات من الفئات العمانية - رجالا ونساء - وكذلك ديمومة نكهته وخصوصيته التي لن نجدها إلا في هذا السوق فقط، وتلكم النساء يشكلن هذه الروح التي تكسب الحداثة والمعاصرة هويتها الاجتماعية رغم عبورنا أزمنة المعاصرة، هي روح بوجدانيات معايشة ومتفاعلة في الواقع المكاني والاجتماعي، وهى ليست الوحيدة في العنصر النسائي، وإن كانت أهمها، وإنما كذلك، هناك حلقة المزايدة للمقتنيات الشخصية المستعملة كالمصرات.. التي تستقطب الزيارات الخاصة لذاتها، ولزائري السوق إن لم يكن جميعهم.

وكذلك من يفكر في خصخصة السوق المركزي بصلالة، عليه لزاما أن يحافظ على مصدر دخل المواطنين الوحيد - وأعدادهم كثيرة - ويشكلون حضورا لافتا ومحببا، فهم يعطون للسوق ميزة البعد الوطني، فهم في قسم اللحوم يوفرون ويبيعون اللحم المحلي الطازج «البقر والإبل»، وهم في قسم السمك، يحضرون ما يصطادونه من الأسماك إلى السوق، ويبيعونه طازجا، وبحسبة سريعة، وجدنا أن هذا السوق يوفر أكثر من «500» فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، بخلاف فرص العمل التي يشغلها الوافدين في السوق، فعلى هامش سوق السمك المحلي الخالص «صيادة وبيعا وتنظيفا» أقيمت مطاعم سمكية ومطابخ لشوي الأسماك وبقية البحريات، ويكثر عليها الإقبال من سكان صلالة وزائريها وسائحيها، وقد أصبح هذا السوق علامة سياحية فارقة في الخارطة السياحية لمحافظة ظفار، كما أصبح في وضعه الحالي، مصدر دخل للبلدية، من خلال إيجار المحلات فيه، صحيح، هي زهيدة الآن، لكن يمكن تعديلها مع الأخذ بعين الاعتبار تلكم الأبعاد الاجتماعي.

ثانيا: الانعكاسات الاجتماعية لخصخصة المهرجان

ما ينطبق على سوق صلالة المركزي، ينطبق على مهرجان ظفار السياحي، فهذا المهرجان السنوي يفتح مصادر رزق للكثير من العمانيين والباحثين عن عمل، وما نشاهده من نساء يبعن بالقرب من بعض الشوارع الرئيسية، إلا تداعيات لوقف المهرجان بسبب كورونا، فاغلبهن أرامل أو مطلقات أو من أسر ضعيفي الدخل، تأثرن بهذه الإغلاقات المتتالية، فاتسعت ظاهرة البيع النسائي على الشوارع، وقد رصدتها في حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي في عز الشمس وتحت ليهيبها.

كما يجد الكثير من الباحثين عن عمل والطلبة في الدبلوم العام فرص عمل موسمية تدر عليهم دخلا مؤقتا يعينهم على احتياجات الإجازة الدراسية، كما يتدربون من خلالها على المسؤولية والإنتاجية وقضاء أوقات فراغهم، وهناك توجهات بخصخصة المهرجانات في البلاد، لذلك، ينتاب تلكم الفئات القلق على أرزاقها، وهو قلق مشروع في ضوء تجربتنا مع الخصخصة حتى الآن، فهل الخصخصة ستأخذ بعين الاعتبار هذه الاعتبارات الثقيلة، أم سيجرفها الهاجس المالي الذي ستصطبغ به المرحلة الراهنة؟

واستشهادي بنموذجي محليين «السوق والمهرجان» ما هو إلا لدواعي وضع النقاط فوق الكثير من الحروف حتى تصل رسالتي الاجتماعية جراء انعكاسات مستقبل الخصخصة على الأبعاد الاجتماعية، وحتى أنقل حجم المخاوف الإنسانية منها، وقد أوضحت أنها أبعاد كبيرة عدديا، ومؤثرة في الأعماق، وهذا يضع على عاتق الجهات المختصة ليس فقط العمل على ضمان ديمومتها وتعزيزها، وإنما كذلك الإسراع الى تطمينها بعدم المساس بها في عصر الخصخصة الجديد، فتلك الشرائح هي في أمس الحاجة إلى هذا التطمين الآن، فهل ستسارع بلدية ظفار إلى تطمين مثل تلكم الأمهات والشباب؟

كما أننا نقترح إشراك المجالس البلدية المنتخبة في مسيرة الخصخصة الجديدة حتى نضمن المسؤولية الجماعية لمثل هذه التحولات، بعيدا عن الأحادية في التنمية الإقليمية التي تنطلق الآن بعد تطوير نظام المحافظات في البلاد، باتجاه نحو تفعيل نظام اللامركزية، وهو نظام واعد، يمكن أن يدفع به نحو اللامركزية الاقتصادية مستقبلا - كما أشرت إلى ذلك في مقالين سابقين - وإشراك المجالس البلدية المنتخبة، سيعزز المسار الديموقراطي الإقليمي في خط مواز لتطور نظام المحافظات، أي اللامركزية، بحيث يكون لدينا نموذج ديموقراطي عملاتي ومتفرد في المنطقة عوضا أن يكون مركزيا.

ثالثا: اقتطاع قطاع النظافة من البلدية

وهنا نستحضر التساؤلات السابقة حول البعد المالي وجودة الخدمة بعد إسناد قطاع خدمة النظافة إلى شركة عمومية في ظل توجهات الحكومة ترشيد النفقات وتخفيف العب المالي على ميزانية الدولة، وإيجاد مصادر دخل جديدة من الخصخصة، وهذه التجربة لا يمكن أن نقدمها كنموذجية حتى الآن، بسبب معياري نستند عليه، وهو ماليا في المقام الأول، فهذا التحول لم يساهم في تخفيف العبء على الموازنة، بل يساهم في إرهاقها الآن، فحسب مصدر بلدي محلي، فقد ارتفع المبلغ المرصود للنظافة إلى أربعة أضعاف تقريبا عن المبلغ عندما كان قطاع النظافة في عهدة البلدية.

وقد حدد لي الأرقام، ووقفت مذهولا من حجمها، وهنا منطقة توفير مالي لم تلتفت إليه آليات الترشيد والترشيق، ولو احتكمنا لمنطق بقاء قطاع النظافة في إطار البلدية، فكم سنوفر لميزانية الدولة؟ طبعا الملايين التي يمكن أن ترجع لخزينة الدولة، وتخفف بالتالي من الضغوطات المالية على المجتمع، ولا يفهم من خلال هذه الفقرة أنني ضد الخصخصة، بل العكس، لكنني أتحفظ على تطبيقاتها الراهنة.

وهذا الملف بتفاصيله الاجتماعية والمالية نضعه فوق طاولة البلديات عموما لكي تشكل لها خارطة طريق لخصخصة قطاعات بلدية والمهرجانات مع الاعتداد بالأبعاد الاجتماعية والمالية سالفة الذكر، وكذلك نضعه فوق طاولة الترشيد والترشيق المالي والهيكلي، مع الحقيقة الثابتة، وهى أن جهاز البلديات سيظل الاعتماد عليه مستداما حتى في حالة الخصخصة، وينبغي أن يكون مستعدا في وقت الأزمات، ولنا في إعصار «موكونو» مثالا...إلخ ويستوجب هنا طرح التساؤل الآتي: لماذا الخصخصة أو إقامة شركات وإسنادها لقطاعات بلدية ما دامت البلديات ستكون جاهزة بمعداتها وقوتها البشرية عند الحاجة؟