حماية حقوق الطفل في البقاء والنمو كيف تتحقق؟

16 أغسطس 2022
16 أغسطس 2022

لعل الجميع يشاهد بشكل مستمر الحوادث المؤسفة بحق الطفل والمؤلم منها ما يتعلق بحالات الغرق، ليس فقط في أوقات هطل الأمطار وجريان الأودية والسيول الجارفة التي تكون في بعض الأحيان خارج السيطرة أو يصعب التنبؤ بها، ولكن هناك حالات مماثلة لغرق الأطفال بالشواطئ وأيضا أثناء قيام الأسر بالتنزه والرحلات العائلية واستئجار الاستراحات التي بها مسابح مفتوحة. تلك الحوادث والبلاغات التي وصلت إجمالا إلى 521 بلاغا (تشمل الأطفال) في 2021م، والتي قد يتفق الجميع بأن العامل الأساسي في حدوثها هي المجازفة الشخصية والاستهتار وعدم أخذ معايير الأمن والسلامة ودرجة المخاطر في الحسبان.

ولا يتصور للبعض بأن تعريف الطفل ينتهي عندما تصل قدرته العقلية في التمييز بين الصح والخطأ وبالتالي يكون هو المسؤول الأول عن الأخطاء التي يرتكبها ويعامل معاملة البالغ، ولكن امتد التعريف ليشمل الفترة من تاريخ ولادته وحتى بلوغه سن (18) عاما بالتقويم الميلادي حسبما ورد بقانون الطفل؛ الذي حدد حقوقا مهمة، أولها أن للطفل الحق في الحياة، والبقاء، والنمو. عليه فإن تحديد الفئة العمرية التي تندرج تحت مفهوم الطفل يؤكد سريان الحماية التي كفلها له القانون من أية ممارسات أو جوانب تضر بصحته وعلاجه وتعليمه وأيضا سريان حقوقه الثقافية والاجتماعية حتى بلوغه ذلك العمر.

ويحظى الطفل منذ ولادته باهتمام كبير من قبل الحكومة في الجانب الصحي من حيث تقديم كافة أنواع الخدمات العلاجية والتحصينات طبقا لأعلى المعايير الصحية المعتمدة. كما يكتسب الجانب الوقائي الأهمية في حماية الطفل من أمراض الدم الوراثية ومنها الثلاسيميا والأنيميا المنجلية (Sickle cell Anemia). حيث يعد الفحص المبدئي قبل الشروع في الزواج بمثابة درع وقاية للتأكد من أن المقبلين عليه (الرجل والمرأة) ليسوا حاملين للأعراض الوراثية المسببة لمثل هذه الأمراض التي قد تنتقل للأطفال بعد ولادتهم. وقد يكون الأفضل في ظل ضعف الإقبال من أفراد المجتمع بعمل الفحوصات المبدئية قبل الزواج التي هي بالمجان في المراكز الصحية الحكومية، هو التوجه نحو تطبيق ضوابط وتعليمات ملزمة تشترط عدم عقد القران إلا بوجود إفادة صحية من المراكز الصحية. هذا النهج سوف يعطي حماية صحية فضلى للأطفال وبالتالي تحمي المقبلين على الزواج من إنجاب أطفال قد يكونون معرضين لخطر أمراض الدم الوراثية. كما أن مثل هذه الضوابط المشددة هو نهج اتبعته بعض الدول الخليجية منذ سنوات طويلة، درءا وحماية للطفل وللتأكد من استمرار نموه الصحي وخلوه من أية أمراض وراثية لها تداعيات مزمنة.

أيضا فإن هناك حاجة للنظر في جوانب أخرى تدخل ضمن الصحة الوقائية للطفل وهو ما يتعلق بالسجائر والتبع. وطبقا للمسح الوطني عام (2017) فإن نسبة المدخنين من طلاب المدارس ممن تتراوح أعمارهم بين (13 و 15) عاما تصل إلى 6% بينهم 3.6% من الإناث. عليه فإن وضع لوائح وإرشادات في نوافذ البيع المختلفة تمنع بيعها للأطفال الذين هم دون سن (18) هو عامل مهم سوف يقلل من نسبة تعاطي الأطفال للسجائر حيث إنها من السلوكيات الضارة التي تؤثر في الجوانب الصحية للطفل. في الجانب الآخر وكما هو معلوم بأن جميع المواطنين يتمتعون بمجانية الخدمات الصحية، عليه فإن عدم التفرقة بين الطفل (Child) وبين البالغ (Adult) في بعض رسوم الخدمات العلاجية على سبيل المثال: رسوم المقابلة والمعاينة والتسجيل السنوي ورسوم استخراج التقارير الطبية، يحتاج إلى مراجعة ليس من قبيل أن تلك الرسوم فيها مغالاة، ولكن لأن قانون الطفل منحه مستوى أعلى من الخدمات الصحية المجانية.

كما ويظل الجانب التعليمي من الحقوق التي كفلها القانون لكل مواطن لتكون الدراسة مجانية وإلزامية لمرحلة التعليم الأساسي حسب نص النظام الأساسي للدولة وكما ورد أيضا بقانون الطفل. ولتطبيق تلك الإلزامية فإن مسؤولية تسجيل ومتابعة الطفل أثناء الدراسة يجب ألا تترك جلّها على كاهل ولي الأمر، حيث ينبغي أن تتكاتف الجهود المدرسية والجهات الحكومية المختصة بالأسرة في التأكد من انتظام الطفل وعدم تركه للمدرسة خلال هذه الفترة التأسيسية من الدراسة، حيث إن هناك فوائد عظيمة تعود على الفرد والمجتمع والدولة من هذا الانتظام، وهي جوانب اجتماعية واقتصادية. ونظرا لعدم وجود إحصاءات وطنية حديثة في هذا الشأن، فإنه على مستوى الدول العربية غالبية التلاميذ الذين هم خارج نطاق الدراسة، هم من فئة المرحلة الابتدائية. ومع تعدد الموجهات التي تساعد على استقرار الطفل في المدرسة، بيد أن السماح للطفل بالعمل بعد إكمال سن (15) عاما يحتاج أيضا إلى مراجعة لأنه قد لا ينسجم مع نص إلزامية التعليم الأساسي التي عادة ما تنتهي ببلوغ الطفل سن (18) عاما. لهذا يتطلب من الجهات المختصة إعادة النظر في الضوابط والآليات المعمول بها حاليا وزيادة قنوات التواصل والمشاركة مع ولي الأمر والمدرسة والمجتمع في بلورة معايير أكثر فاعلية لتطبيق مفهوم إلزامية مرحلة التعليم الأساسي.

من جهة أخرى فإن الجانب الاجتماعي للطفل من الجوانب التي تتشارك الوفاء به القطاعات الحكومية المختصة ومؤسسات المجتمع المدني وولي الأمر في توفير بيئة معيشية مناسبة تكفل للطفل بأن يعيش ضمن أسرته في مسكن ملائم لنموه، لذا ينظر إلى أن الاستقرار الدائم في بيت الأسرة هو عامل ضروري يحتاج إليه الطفل لبقائه ونموه. كما أن إشباع حاجات الطفل ليست حصرا في الإيفاء بالمسكن والمأكل، وإنما يتعدى ذلك ليشمل الجوانب الترفيهية، التي منها توفير مكان مناسب من الملاعب والأندية التي يستطيع من خلالها ممارسة هواياته الرياضية والثقافية التي تراعي الفئة العمرية للطفل. وقد يكون هذا الجانب تغطيه بعض الأندية التي لديها مخصصات مالية وطاقم من المدربين المتخصصين لهذا الغرض. كما يكمل هذا الجانب البعد الثقافي المهم في تنشئة الطفل ومنه توفير مكتبات متخصصة تراعي احتياجات الطفل وتشبع رغباته وأوقات فراغه. ونظرا لهذه الأهمية فقد أفرد لها قانون الطفل نصا مفاده بضرورة إنشاء مكتبات خاصة للطفل بجميع المحافظات، بيد أن قلة وجود مثل هذه المكتبات والأندية التي تحتضن الطفل قد أسهم في جوانب سلبية أخذت في الانتشار وهو التوسع في فتح محلات الألعاب والتسلية التي تكون ساعات العمل في بعضها مفتوحة حتى أوقات متأخرة تتعدى منتصف الليل. هذا التوسع في فتح محلات الألعاب والتسلية وإن كانت تشبع رغبات الطفل الترفيهية، إلا أن تركها بدون معايير ورقابة صارمة من الجهات المختصة لماهية الألعاب التي تعرض على الأطفال وتقنين ساعات فتحها وغلقها وهل تتماشي مع عمر الطفل، قد يؤدي ذلك لجملة من الممارسات الضارة التي تعيق نمو الطفل فكريا وعقليا وأيضا سلوكيا. الأمر الآخر، فإن الجانب التشريعي المتعلق بالطفل وطرق حمايته اكتسبت أهمية بالغة من الدولة منذ بدايات عصر النهضة المباركة فبالإضافة للجنة الوطنية للأمومة، تم سن قانون مستقل للطفل صدر في 2014م. والقانون ينظر إليه بأنه غطى جوانب مهمة تتعلق بطرق حماية حقوق الطفل. كما أن اللائحة صدرت بعده بفترة طويلة في 2019م، حيث غلبت موادها في الجوانب التي تتعلق بحضانة الطفل تفصيلا. وإن كانت الحضانة لها أهمية خاصة، فإنه عملا بقانون الطفل ينبغي النظر أيضا في آليات إنشاء دور الحضانة بكل سجن مركزي يتم فيها إيداع أطفال السجينات حتى بلوغهم سن الدراسة لكي يكون هناك اتصال مستمر بالطفل وأمه. أيضا فإن قانون الطفل أكد إنشاء الأندية والمكتبات المختصة بالطفل في جميع المحافظات، إلا أن اللائحة التنفيذية جاءت دون الإشارة إليها.

عليه نختم بالقول، إن التكرار المستمر لحوادث غرق الأطفال وأيضا الجوانب التي تمت الإشارة إليها في هذا المقال، تحتاج إلى منظومة حماية متكاملة تتكاتف في بنائها الأسرة، والمدرسة، والجهات الحكومية المختصة وأيضا مؤسسات المجتمع المدني، للمساهمة في تفعيل حقوق الطفل في البقاء والنمو.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس