حرب الأفكار الجديدة في أوروبا

25 يونيو 2022
25 يونيو 2022

ستؤدي حرب روسيا في أوكرانيا إلى تقسيم أوروبا مرة أخرى حيث سيتم فصل الشرق عن الغرب ومن المرجح في المستقبل المنظور أن تكون الحدود بينهما منطقة خطرة يتم تأمينها عسكريا.

بالطبع، نحن لا نعرف كيف أو متى سوف تنتهي الحرب؟ ولكن لاحقا للتطورات الأخيرة، فإن الافتراض المنطقي هو أن أوكرانيا ومولدوفا سوف تصبحان مرشحتين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبعد ذلك ستحصلان على العضوية الكاملة خلال بضع سنوات.

إن قادة أكبر ثلاث دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي (فرنسا وألمانيا وإيطاليا) بالإضافة إلى رومانيا عبّروا عن ذلك بوضوح عندما زاروا كييف الأسبوع الماضي حيث قدّموا دعمهم الكامل لطلبات عضوية أوكرانيا ومولدوفا كما قدّمت المفوضية الأوروبية الدعم نفسه بعد ذلك مباشرة. إن عملية التوسع تلك سوف تغيّر الاتحاد الأوروبي جذريا بحيث تحوله بشكل لا ريب فيه إلى لاعب سياسي من الناحية الجيوسياسية وخصم روسيا الرئيسي بالقارة. إن حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا تعني أنه قد أعلن بشكل واضح لا لبس فيه أنه يطمح لاستعادة الإمبراطورية الروسية مما يعني أنه يتصرف على أساس مبادئ لا تتوافق بالمرة مع مبادئ الاتحاد الأوروبي القائمة على أساس السيادة المتساوية وسلامة الأراضي وعدم انتهاك الحدود وحكم القانون.

لقد قرر الاتحاد الأوروبي تبني أوكرانيا ليس لأنه أراد ذلك أو بسبب طموحاته الإمبريالية ولكن لأن بوتين أجبره على ذلك فلقد بدأ بوتين القتال مما جعل أوروبا تواجه بديلين واضحين وهما: إما أن تخضع لمطالبات الكرملين بالسلطة أو الدفاع عن هويتها ومصالحها على أساس احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. لقد اتخذ الاتحاد الأوروبي قراره مفضلا بالدفاع عن مبادئه وعن حريته. سيقول بعض منتقدي قراره: إنه كان ينبغي عليه محاولة التفاوض مع روسيا، لكن مثل هذه الحجج تفتقر إلى المصداقية فحتى لو رغب الاتحاد الأوروبي في التوسط في تسوية مريبة مع الكرملين فإن مثل تلك التسوية لم تكن لتنجح وذلك لأن موقف الاتحاد الأوروبي يتعارض بشكل متبادل مع موقف بوتين الذي يحلم بعمل مراجعة للتاريخ من خلال استعادة الإمبراطورية. نظرا لأن أي طرف لا يستطيع التراجع، يجب علينا أن نتوقع صراعا مطولا، ونظرا لأن القوة العسكرية وقدرات الردع سوف تلعب في نهاية المطاف دورا حاسما، فإن من المؤكد أن تغير الحرب شخصية الاتحاد الأوروبي فلم يعد مشروع التكامل الاقتصادي يحتل الصدارة، من الآن فصاعدًا، يجب أن تأتي المصالح الأمنية والجيوسياسية أولا.

إن إعلان دعم ترشيحات أوكرانيا ومولدوفا هو بداية المرحلة الثانية من توسع الاتحاد الأوروبي شرقا وعلى الرغم من أن انضمام أي من البلدين للاتحاد الأوروبي لن يحدث قريبا، إلا أن العملية نفسها سيكون لها تأثير لا رجعة فيه فلم يعد من الممكن تحقيق أوروبا المستقبل بدون دول أوروبا الشرقية بشرط أن تبقى راغبة وقادرة على الانضمام.

إن السبب بسيط فعندما يحين وقت فكرة ما فإنه لا يمكن إيقافها، وعلى النقيض من ذلك فإن الفكرة التي انقضى وقتها لا يمكنها أن تظل قائمة إلا إذا كانت مدعومة بقوة عسكرية- وحتى هذا لن ينقذها في النهاية. إن الصراع الجديد بين أوروبا وروسيا هو صراع حول الأفكار فهو صدام فكري بين الإمبريالية والديمقراطية. نظرا للأهمية التاريخية لهذا التطور، يجب ألا يستسلم الأوروبيون الغربيون لأي أوهام مريحة حول المخاطر التي يواجهونها. لقد تم بناء النظام الحالي للدول في أوروبا بالأصل حول هدف دمج روسيا وأوروبا، لكن بوتين أخرج هذا المشروع عن مساره بشكل لا رجعة فيه، أي إنه أصبح شيئا من الماضي. إن الحرب في أوكرانيا تعني أن أوروبا تواجه اختبارا لتثبت نضوجها فلقد وصلت إلى مرحلة الرشد في عالم تحدده القوى الكبرى والمنافسات النووية، وسواء شئنا أم أبينا هذه هي الحقائق الجيوسياسية في أوائل العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وفي ظل عدم وجود تحالف مستمر مع الولايات المتحدة ستكون أوروبا في حالتها الهشة الحالية أضعف من أن تتمكن من البقاء في المشهد.

إن المصالح والقيم لوحدها لن تكون كافية. ان البديل هو أن تقبل أوروبا بضعفها الحالي وتتمسك بالأوهام الخيالية وفي آخر ذلك الطريق لن تجد إلا الخضوع والتبعية، فأوروبا لا يمكنها أن تأمل بوجود احترام متبادل في عالم قائم على أساس التنافس بين القوى الكبرى.

إذن، فإن الخيار الوحيد لأوروبا هو السعي لإقامة تحالفات حصيفة وتطوير قوتها الذاتية وبناء قدرات الردع الخاصة بها.

يجب أن يتم استبدال الأوهام التي ترسخت لفترة طويلة باستراتيجية متماسكة للنجاة من الصراع الفكري الجديد. يجب أن تقبل أوروبا أنها تعيش في جوار خطير.

يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا ونائب المستشار من 1998 إلى 2005.

خدمة بروجيكت سنديكيت