تنافسية الإدارة اللامركزية للمحافظات
تُعتمدُ الإدارة اللامركزية وسيلةً لتعزيز الموارد المحلية، وإنمائية المحافظات خارج دائرة المركز في آن واحد، وما نتابعه خلال هذا الموسم الشتائي من تنافس بين محافظات السلطنة في السعي لتسويق ممكنات كل محافظة من المحافظات، بل وتجاوز ذلك إلى بناء الشراكات المختلفة سواء مع القطاعات التخصصية المهارية أو مؤسسات القطاع الخاص.
كيف يمكن إنكار الدهشة من تتابع الفعاليات في كثير من المحافظات استغلالا لفترة الإجازة بين الفصلين للمؤسسات التعليمية، إضافة إلى استغلال جماليات الشتاء وممكناته الكثيرة؟!
حين حضرتُ قبل أيام تدشين فعاليات شتاء البريمي مع معزوفات عالمية بمشاركة فرقة أوركسترا مسقط الفلهارمونية وفريق الإنشاد الأوبرالي تذكرت حضوري فعالية مماثلة في قرية بجنوب إنجلترا منذ سنوات، كان الفريق المنظم حينها يسعى لمشاركة الناس خارج لندن رقي الفن وذائقته الأوركسترالية بالوصول إلى قراهم وأريافهم ومناطقهم البعيدة حيث لا ينبغي للفن أن يكون معزولا بعيدا عن الناس؛ تحقيقا لرسالته السامية في تهذيب النفس. أعجبت حينها بهذا التصور الواعد والتنفيذ التواصلي الرائع، ولم تكن سعادتي أقل حين وجدت الفكرة ذاتها تنفذ هنا في سلطنة عمان، بل وتحديدا في ولايتي الواحة الوادعة "البريمي" أليست هذه بعض قطاف التنافسية بين الإدارات اللامركزية في المحافظات؟!
ليست هذه هي الفعالية اليتيمة لا في البريمي حيث تتوزع الفعاليات بين ولايات محافظة البريمي المختلفة، بل في مختلف محافظات السلطنة حيث المهرجان البحري لمحافظة شمال الباطنة، ومهرجان شتاء قلعة نزوى، ومهرجان ليالي مسقط، وفعاليات شتاء مسندم، مهرجان التراث البحري العماني بجنوب الشرقية، ومهرجان المغامرات الصحراوية برمال الشرقية، ومهرجان الربع الخالي.
كل هذه المهرجانات محاولات تنافسية أولى لجذب السائح محليا وعالميا لاستكشاف جماليات الولايات بممكناتها الطبيعية والتراثية والاجتماعية، ولا شك أن هذه البواكير وهذه البدايات ستنمو وتتطور مستقبلا، ولن تقتصر على الفعاليات الموسمية المرتبطة بفصل معين صيفا أو شتاء؛ إذ الإدارة الأكفأ هي تلك التي تصنع الاستدامة وتراهن على تأسيس الثابت من خدمات وجماليات، كما تراهن على قدرتها الفائقة على تجسير العلاقة بين المؤسسات المختلفة، وتفعيل المهارات الفردية والطاقات المحلية وصولا لتكاملية يشعر معها الجميع بالمسؤولية المشتركة تنمويا وحضاريا، ولا يتخلف عنها مخلص ينتمي لهذه الأرض المعطاء.
عوامل إيجابية ستصنع الفرق في مستقبل الإدارة اللامركزية للمحافظات، من بينها: الموازنة الخاصة لكل محافظة، وبرامج إعداد وتأهيل القيادات، مع تحديد الأولويات القادرة على مضاعفة الإنتاجية وصنع الفرص سعيا من الجميع للمساهمة في حلحلة مشكلات الواقع الراهن من جهة، و الإسهام في رفد الإدارة المركزية بأفضل معطيات الإدارة المحلية من جهة أخرى.
وما زال الحديث عن كل هذه الطموحات الممكنة والآمال المشروعة مقيَّدا بمحددات ضرورية تأتي الرقابة المالية والإدارية في صدارتها، تتبعها المتابعة الحثيثة والمرحلية لكل مراحل التنفيذ وصولا بالأحلام إلى تحقق، وبالطموحات إلى تجاوز، وبالآمال إلى رحابة سقف أعلى اتكاءً على ما نملك من طاقات بشرية وإبداعات قيادية.
ختاما: نودي كثيرا بضرورة الخروج عن المركز تمكينا للجميع، وتفعيلا لأدوار الأطراف في شراكتها التنموية، وإسهاماتها القيادية إداريا واجتماعيا، وتأتي توجيهات القيادة العليا لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، موافقة لهذا المسار التنموي، بل وتدعمه بكل الممكنات من إعادة هيكلة ودعم مالي وتأهيل إداري إيمانا بأهمية هذا المسار وسعيا لتفعيله بكافة السبل، فلم يبق إلا عمل هذه الإدارات على النهوض بهذه الفكرة ومتابعة إمكانات تحققها الواقعي عبر مشاريع مستدامة متلمسة حاجة مجتمعاتها تخطيطا، ومحققة لطموحاتهم متابعة و تنفيذا.
