تقنية الكم قادمة إلى العالم الحقيقي

05 نوفمبر 2025
05 نوفمبر 2025

ترجمة قاسم مكي

قد يبدو قدوم حَوْسَبة الكَم «الحوسبة الكمومية» القادرة على تسخير عالَم «ما دون الذرة» احتمالًا بعيدًا لبعض الناس. يستمر هذا الفهم الخاطئ على الرغم من الاختراقات البحثية الأخيرة والتي انبنى العديد منها على البحث التأسيسي في فيزياء الكم للبريطاني جون كلارك والفرنسي ميشال ديفوريه والأمريكي جون مارتينيس. وهؤلاء العلماء الثلاثة هم الفائزون بجائزة نوبل للفيزياء في هذا العام.

لكن في الواقع حواسيب الكم تُستخدَم سلفًا لأغراض البحث العلمي. وفي الغالب ستظهر تطبيقات الحوسبة الكَمِّية في العالم الحقيقي في المستقبل القريب وحتى قبل أن نتوصل إلى أنظمة الحوسبة الكمية المصححة للأخطاء.

تتفاوت التقديرات عن الفترة الزمنية اللازمة لتمكننا من استخدام حوسبة الكم بطرائق تؤثر على حياة معظم الناس من سنوات قليلة إلى عقود.

وبدلا من أن يكون التحول إلى الحاسوب الكمي حدثًا فجائيًا سنتبع في الغالب مسارًا كميًا تدريجيًا مع تزايد فوائد استخدام أنظمة الحوسبة الكمية.

ثمة طريقة تساعد على تصور هذه المرحلة من تطور تقنية الكم. فهي تشبه الذكاء الاصطناعي في عام 2010 عندما كانت الشبكات العصبية على وشك أن تصبح مفيدة ولكن قبل إنجاز الاختراقات من شاكلة نظام التنبؤ ببنية البروتين (ألفا فولد) أو الذكاء الاصطناعي التوليدي وروبوتات دردشاته.

تَعِدُنا تقنية الكم بحل مشاكل عويصة ومساعدتنا على تعلُّم بنية الأنظمة الكمية من الجزيئات وإلى المواد المغناطيسية والثقوب السوداء.

وعلى نحو شبيه بالشبكات العصبية المبكرة (أولى محاولات تقليد طريقة تفكير البشر اصطناعيا- المترجم) أثبتت تقنية الحوسبة فائدتها كمنصة للبحث والتجريب. مثلا استخدمها الباحثون من أمثال ميشا لوكين بجامعة هارفارد للعثور على ظواهر جديدة كالعلامات الكمية متعددة الأجسام والتي تكشف عن النظام داخل فوضَى الكم.

كما بدأنا أيضا في التعرف على التطبيقات الممكنة في العالم الحقيقي لميزة (تفوّق) الكم. مثلا المشاكل التي يمكن أن تحلها حوسبة الكم وتقع خارج نطاق قدرات الحواسيب التقليدية (الرقمية) العملاقة، وهو ما يمكن أن يحقق اختراقات في مجالات عديدة مثل اكتشاف الأدوية وعلم المواد.

نحن نحرز تقدما في حوسبة الكم نفسها. فمعالج الكم الخاص بشركة جوجل نفَّذ في دقائق خوارزمية معيارية (تجريبية) يستغرق تنفيذها بواسطة أسرع الحواسيب العملاقة الحالية عشرة «سبتليون» سنة. وهذه فترة زمنية تفوق كثيرا عمر الكون.

ما هو أكثر أهمية إثبات إمكانية خفض الأخطاء إلى (ما دون العتبة) مما يتيح تصحيحها بكفاءة. وهذا تحدٍّ قديم في هذا الحقل. في الشهر الماضي نشرنا (في شركة جوجل) أول خوارزمية لديها ميزة كَم يمكن التحقق منها على عتاد حاسوبي (أي ليس نظريًا فقط).

وفي تجارب مع جامعة كاليفورنيا في بيركلي وجدنا أنها يمكن استخدامها لفهم البنية الجزيئية عند اقترانها بتقنية كيميائية معهودة.

سلط الباحثون وعلماء الرياضيات الضوء على 70 خوارزمية على الأقل (من الرياضيات وعلم البيانات والى التشبيه وتعلم الآلة) يمكن أن تسمح لحواسيب الكم بحل المسائل بشكل أسرع كثيرا من الحواسيب التقليدية وفي نطاق واسع من المجالات المفيدة.

إحدى الخوارزميات التي شدت انتباه الناس منذ اكتشافها في التسعينيات هي خوارزمية شور (اكتشفها بيتر شور) والتي من المتوقع أن يكون بمقدورها فك الكثير من التشفير الذي يستخدم اليوم بواسطة الشبكات الرقمية وأنظمة الاتصالات الأكثر تقدما.

وفي حين أن ذلك ليس وشيكا (أي فك التشفير) إلا أننا في هذا المجال أيضا أقرب مما يمكن أن يدور في بال الناس. ففي هذا العام تقلص بحوالي 20 مرة الحجم المقدر لحاسوب الكم اللازم لتنفيذ خوارزمية شور وفك «تشفير آر أس أيه - 2028» الذي يستخدم على نطاق واسع. هذا التقصير الزمني لفك التشفير يؤكد أهمية والحاجة إلى التحول لمعايير تشفير جديدة لحقبة ما بعد الحوسبة الكمية مثل تلك التي أصدرها المعهد القومي للمعايير والتقنية بالولايات المتحدة في العام الماضي.

نحن في الغالب سنشهد خلال خمس سنوات إمكانية التوصل إلى تطبيقات عملية (في العالم الحقيقي) للحوسبة الكمية حتى قبل أن نحصل على حاسوب كمي كبير له القدرة على تصحيح الأخطاء. والفرصة متاحة الآن لمختلف الجهات كي تضع الأساس الذي يمكِّنها من الاستفادة من هذه التطورات العلمية والتقنية.

بالنسبة للحكومات قد يأخذ هذا الاستعداد شكل استثمارات في البنية التحتية للحوسبة الكمية مثل أنظمة التبريد «الكريوجيني» الفائق والإلكترونيات المتخصصة والشبكات المُهيَّئة لتقنية الكم.

بالنسبة للشركات قد يتمثل هذا الاستعداد في تحديد الكيفية التي يمكن أن تكون بها هذه التقنية مفيدة لصناعاتها. على سبيل المثال يمكن أن تفيد في المحاكاة الدقيقة للجزيئات في إيجاد بطاريات أكثر كفاءة للسيارات الكهربائية أو طاقة الاندماج النووي في توليد الكهرباء.

أما الأفراد فعليهم النظر في الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها تقنية الكم على مساراتهم المهنية. نحن سنحتاج إلى المزيد من المهندسين المتخصصين (في الكهرباء والميكانيكا والأنظمة والبرمجيات) والفنيين ومطوِّري التطبيقات. ولكل أحد يفكر في وظائف المستقبل هذه هي المجالات التي يمكن أن توجد بها فرص عمل.

جيمس مانيكا النائب الأول لرئيس شركة جوجل للأبحاث والمختبرات والتقنية والمجتمع.

الترجمة عن الفاينانشال تايمز