تفكيك العولمة يهدد العمل المناخي

21 نوفمبر 2022
21 نوفمبر 2022

تشير المداولات في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ هذا العام (COP27/ مؤتمر الأطراف 27) إلى أن صناع السياسات يدركون مدى إلحاح الحاجة إلى مكافحة تغير المناخ، لكنهم على الرغم من ذلك من غير المرجح أن يتوصلوا إلى اتفاق جماعي شامل لمعالجة هذا الأمر، غير أن العالم لا يزال لديه السبيل لتحسين فرص التوصل إلى تدابير أكثر فاعلية في المستقبل: وقف عملية تفكيك العولمة، بخلاف ذلك، سوف تنتكس احتمالات العمل المناخي بسبب انكماش التجارة عبر الحدود وتدفقات الاستثمار، وما يصاحب ذلك من صعود تكتلات تجارية إقليمية منعزلة على نحو متزايد.

تتسارع عملية تفكيك العولمة بفعل خليط من سياسات الحماية على الطريقة القديمة، ومبدأ «دعم الأصدقاء» الجديد (الذي يجعل التجارة مقتصرة على الدول ذات القيم المشتركة)، وقرارات الحظر والعقوبات التي تحركها دوافع جيوستراتيجية.

للتعرف على الأسباب الكفيلة بجعل هذا الاتجاه وسيلة أكيدة لإحباط الاستجابات العالمية لتغير المناخ، علينا أن نضع في الاعتبار فئات العمل المناخي الثلاث: التخفيف (خفض الانبعاثات)، والتكيف، والهجرة إلى ظروف أفضل. الترتيب المتسلسل هنا مهم، لأن التحديات التي تنطوي عليها كل فئة ستصبح أكثر صعوبة إذا فعلنا القليل في الفئة التي تسبقها، فإذا فعلنا أقل مما ينبغي في ما يتصل بتدابير التخفيف، فسوف نحتاج إلى مزيد من جهود التكيف، وإذا فعلنا أقل مما ينبغي في ما يتصل بتدابير التكيف، فسوف نرى أعدادًا أكبر من لاجئي المناخ يفرون من أوطانهم التي ستصبح غير صالحة للسُـكنى على نحو متزايد. نحن في احتياج إلى اتفاقيات دولية جديدة لإدارة كل من هذه المشكلات. لكن الخصومات الجيوسياسية المتنامية ستجعل التوصل إلى اتفاقات التخفيف أكثر صعوبة. فكيف من الممكن أن تتفق الصين والولايات المتحدة على تخفيضات حقيقية للانبعاثات وكل منهما تشك في أن أولوية الطرف الآخر القصوى تتلخص في تأمين ميزة اقتصادية، وبالتالي استراتيجية؟ سيكون التوصل إلى الاتفاقيات وإنفاذها أسهل في عالَـم لم يتفكك اقتصاديا. عندما تكون التجارة والاستثمارات الثنائية جارية ومستمرة، سيكون لدى كل من الصين والولايات المتحدة الأسباب والمناسبات لتبادل الحديث، وسوف يزداد عدد الفيش (حرفيا!) التي يمكن الرهان بها ومقايضتها - نقل التكنولوجيا هنا في مقابل التزامات خفض الانبعاثات هناك، على سبيل المثال. كما سيساعد الانفتاح المتبادل، بما في ذلك حرية تنقل رواد الأعمال، والسياح، والمسؤولين، في تسهيل مراقبة العمل المناخي، في حين لن يُـفـضـي المزيد من العزلة إلا إلى توليد المزيد من الشكوك، والمعلومات المضللة، وسوء الفهم المتبادل.

سيؤدي تفكيك العولمة أيضًا إلى إعاقة الإنتاج، والاستثمار، والإبداع اللازم للاستعاضة عن عمليات الإنتاج التي تستخدم الكربون بكثافة بعمليات أخرى رحيمة بالبيئة. لنتأمل هنا عمليات إنتاج البطاريات، وهي ضرورية لتخزين الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة. من المتوقع أن تكون المدخلات الأساسية في تصنيع البطاريات - الليثيوم، والنيكل، والكوبالت - شحيحة في غضون هذا العقد، وهذه أيضا حال المعادن الأرضية النادرة المستخدمة في تصنيع الأقطاب الكهربائية. وسوف يعاني إنتاج البطاريات على مستوى العالَـم إذا اضطر المصنعون إلى تطبيق مبدأ «دعم الأصدقاء» على هذه السلع الأساسية.

في النهاية، يجري استخراج أغلب هذه الموارد في بلدان غير مستقرة وتمزقها النزاعات، مثل جمهورية الكونجو الديمقراطية، وقسم كبير من عمليات تكريرها يتم في الصين وروسيا.

صحيح أن بعض سلاسل التوريد يمكن تغييرها بمرور الوقت بحيث تمر عبر بلدان صديقة، لكن الشركات ستكافح لتحديد من يُـعـتَـبَـر «صديقا» ومن سيظل كذلك طوال مدة استثمار قد تمتد إلى ثلاثين عاما.

علاوة على ذلك، في الأمد القريب، ستؤدي إعادة ترتيب سلاسل التوريد إلى الحد بشدة من القدرة الإنتاجية، وزيادة التكاليف، وتقليص الفرص المتاحة للعالم للإبقاء على الزيادة في متوسط درجات الحرارة دون العتبات الحرجة ضمن الإطار الزمني المتزايد الضيق الذي تبقى لنا.

كما سيكون التكيف مع تغير المناخ أشد صعوبة في عالَـم تفكيك العولمة. سوف تتسبب درجات الحرارة المرتفعة وأنماط الطقس المتغيرة في جعل الزراعة التقليدية غير قابلة للحياة في العديد من الأماكن. من الممكن أن تساعد المحاصيل والتكنولوجيات الحديثة، لكنها تتطلب الإبداع، والاستثمار، والتمويل. سوف تُـسـتَـبـعَـد العديد من البلدان النامية التي لا تنتمي إلى تكتلات إقليمية رئيسية من مثل هذه التدفقات. وحتى الجهود الأكثر بطولية في مجال التكيف لن تحافظ على قابلية الزراعة في المناطق الاستوائية. وسوف يضطر عدد كبير من المزارعين إلى البحث عن سبل عيش جديدة.

الواقع أن أضمن طريقة تستطيع البلدان من خلالها إيجاد وظائف جديدة تتمثل في التصدير، والاستفادة من الطلب الذي يمكن التعويل عليه في البلدان الأكثر تقدما (والأقل تضررا بالحرارة). مع ذلك، سوف تعمل حواجز الحماية في المناطق الأكثر تقدما على إعاقة مثل هذا النمو، وبالتالي الحد من القدرة على التكيف.

من ناحية أخرى، لن تمنح العزلة بالضرورة البلدان المتقدمة الأمن الذي تسعى إلى تحقيقه. فرغم أن حصر سلاسل التوريد داخل بلد أو منطقة بعينها من المحتمل أن يقلّص بعض المخاطر السياسية، فإنه سيزيد من تعرضها للكوارث المناخية وغير ذلك من المخاطر. ما علينا إلا أن نلقي نظرة على كيفية تأثير تكاليف الطاقة المرتفعة حاليا على كل أوروبا، ولكن ليس على أمريكا الشمالية. على النقيض من ذلك، سيجلب التنويع العالمي قدرًا أكبر من المرونة والقدرة على الصمود. في الأحوال المثالية، يكون لأي سلسلة توريد العديد من الموردين عبر مناطق وقارات مختلفة في كل من أقسامها، مما يمكنها من التحول بسرعة من أحد الموردين المتضررين بالمناخ إلى مورد آخر في مكان آخر. على نحو مماثل، في حالة السلع الأساسية، يتمثل أفضل تأمين في وجود سوق عالمية جيدة الاتصال والترابط ويمكن الوصول إليها بحرية، حيث يمكن تخفيف الارتباكات، وحيث لا يتمتع أي منتج بنفوذ مفرط. كلما كانت السوق أكثر محلية أو إقليمية، تأثرت سلبا بأحداث طقس قاسية أو مورد حاقد. إذا فشلت تدابير التخفيف والتكيف، سيضطر الناس في المناطق المتضررة بشدة إلى الهجرة. ولا ينبغي لمن يعيشون في المناطق الأقل تضررًا أن يفترضوا بقصر نظر أنهم قادرون عل الاستمرار في الحياة بارتياح خلف جدران حدودية. فلن يكون من الصعب تجاهل المأساة الإنسانية الجارية في الخارج فحسب، بل إن لاجئي المناخ اليائسين سيعملون على خفض أو هدم أي جدار.

من الأفضل كثيرا العمل على صياغة اتفاقيات عالمية جديدة لتوجيه لاجئي المناخ نحو البلدان القادرة على استيعابهم، وتزويد المهاجرين المحتملين بالتدريب الذي يحتاجون إليه لتأهيلهم للوظائف وتعليمهم اللغة لجعلهم منتجين عند وصولهم. لن يعمل تفكيك العولمة إلا على إعاقة مثل هذه الجهود. ربما فقدت العولمة شعبيتها في السنوات الأخيرة، لكن الحفاظ عليها أمر حتمي. حتى لو كان للدول مصلحة أمنية مشروعة في تقييد التجارة والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية والحساسة، فيتعين علينا أن نمنع هذه السياسات من التدهور لتتحول إلى انعزالية.

كحد أدنى، ينبغي للمجتمع الدولي أن يتفاوض بشأن ميثاق على غرار اتفاقيات جنيف لإيجاد أجواء آمنة من التفاعل العالمي المتواصل وتتمتع بالحماية من العقوبات وقرارات الحظر في أغلب الظروف.

يجب أن يشمل هذا التجارة في الغذاء، والطاقة، والأدوية، وغير ذلك من السلع الأساسية، كتلك اللازمة لجهود التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه. ينبغي لنا أن نضع شروطا صارمة لحرمان البلدان من القدرة على الوصول إلى البنية الأساسية للمدفوعات العالمية أو تطبيق عقوبات ثانوية (عقوبات ضد منتهكي العقوبات). حتى لو لم يكن بوسعنا حاليا الاتفاق على خطة عمل عالمية بشأن المناخ، يظل لزاما علينا أن نحافظ على أساس التعاون. ولن يكون العمل المناخي فَـعّـالا في غياب العولمة المستمرة.

راغورام ج. راجان المحافظ السابق للبنك الاحتياطي الهندي، ومؤلف كتاب الركيزة الثالثة: كيف تترك الأسواق والدولة المجتمع وراءها.

خدمة بروجيكت سنديكيت