تصورات واقعية وأحلام ممكنة السياحة تسويقا ثقافيا للمكان

25 يوليو 2021
25 يوليو 2021

حصة البادية -

حين يُخلص سكّانُ مكان ما لأرضهم، ولجمالها الكامن في كل أرجائها فلا بد للسياحة أن تكون رافدا رئيسا، لا داعما اقتصاديا وحسب، بل تسويقا ثقافيا وتاريخيا وجغرافيا كذلك.

لا يمكن أن تمر فترات الحظر والحجر، والعزل والإغلاق بتأملاتها دون أن نتلقف بعض إيجابياتها، ولا بد من تعاضد يوصلنا جميعا لخير هذه البلاد التي نحب، ومن تأملات الحظر -انطلاقا من زيارات مختلفة لدول عربية وغير عربية - أضع تصورا واقعيا يتكئ على أقل الممكنات، آملة رؤيته واقعا مكررا معاشا في كل محافظات السلطنة.

هذا التصور البسيط ليس بدعا من العدم، بل هو برنامج عايشناه في بلدان عديدة أخذت بأبسط الممكنات وصولا لأجمل الأحلام.

فريق سياحي يتشكل من مجموعة من الشباب العماني الباحث عن عمل، سأفترض أن العدد لن يتجاوز عشرة أعضاء في كل فريق.

لتشكيل هذا الفريق لا بد من بعض التقصي للجمع بين مهارات مختلفة «إن تجاوزنا التخصصات العلمية» من إدارة، وتصميم، وتسويق إلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاسبة، وسياحة.

سأضع هنا تصورا افتراضيا لبرنامج رحلة سياحية في البريمي «مثالا».

تبدأ الرحلة منذ الصباح الباكر بتحديد نقطة للانطلاق في تمام السادسة صباحا، سواء كانوا سيّاحا مواطنين أم مقيمين أم مسافرين باحثين عن المتعة والفائدة.

أول الرحلة سيكون استفتاحا بجولة في «صعراء» القديمة تشمل «فلج الصعراني» مُنطلَقا لمبادرات رائعة مخلصة للمكان وأسراره، بعد التنسيق مع بعض العائلات من ذوي المشاريع الصغيرة لتوفير وجبات شعبية خفيفة في أنحاء المكان، سيتمشى الزوار بين نخيل البريمي متلمسين تاريخها واحةً كانت مقيظا رائعا لساكنيها وعابريها وحتى زائريها من كل مكان، خلال الجولة يرافقهم شاب عماني لديه ما يكفي من حب للمكان، إضافة إلى معرفة بتاريخ المحافظة شارحا لهم تفاصيل الأفلاج ونظامها المميز في بلادنا الجميلة. يأخذهم بعدها بالحافلة المخصصة لهم لتناول الإفطار الشعبي في بيت عماني طيب، أو يمكن لهذا الإفطار أن يكون في إحدى مزارع النخيل بحماسة بالتنسيق مع صاحب البيت أو المزرعة، واثنين من شباب الفريق المستعدين لاستقبال المجموعة. يمكن لمن يرغب شراء منتجات هذه الأراضي الزراعية من تمور وليمون ومانجو، إضافة لبعض السعفيات الرائعة تذكارا يبقى وينتشر. كما يمكن لهم مشاهدة الممارسات المرتبطة بالزراعة ومواسمها مع تجريب ممارستها إن شاءوا.

تتحرك الحافلة بعدها لحصني «الخندق» و»الحلّة» ينتظرهم في كل منهما مرشد سياحي، لديه ما لدى سابقه من حب ومعرفة يوزعها بين زوّار المكان، شارحا لهم تاريخ الحصن وأجزاءه، حتى تصلهم أصداء متصاعدة لفرقة شعبية تؤدي بعض الأهازيج والرقصات الشعبية، كما تتوافر التذكارات السياحية والمشغولات اليدوية عن عمان عموما والبريمي خصوصا. يعبر الفريق بعدها إلى مسار الحارة التراثية في «حماسة» متجولا بين أرجائها متعرفا على معالمها.

بعد هذه المتعة الصباحية يأتي وقت الغداء في «منتجع البريمي» بالتنسيق المسبق، ولا بد كذلك للوجبة أن تكون شعبية معبرة عن المكان وتفاصيله، بنكهة محلية لرحلة ماتعة، إضافة لنكهة الحداثة في تصميم المنتجع كمشروع حديث من مشاريع المحافظة.

بعد تناول الغداء تتحرك الحافلة بزائريها لولاية «محضة» القريبة، الولاية الصغيرة الملأى بالكثير، من «قرية مصح» حيث المدرجات الزراعية والأحياء الشعبية والبيوت والأزقة الوادعة الظليلة بين النخيل وعين الماء. ثم زيارة «الخطوة» حيث الفلج ومسارات المشي الرائع التي تمكن الزائر من المشي دون ملل، فإن شاء جلوسا لن يُعدم مقاعد الجلوس المخصصة لذلك بين النخيل، كما يجد محبو المغامرات بغيتهم بالمشي و زيارة الوادي.

يعرج الفريق بعدها على «السميني» كذلك في «محضة» المنطقة التي تحتضن الرمال الذهبية التي تلتقي والجبل في عناق مدهش.

أما شاي العصر فلا بد للفريق من شربه في «منتجع شرم» الجميل واستذكار ما تيسر من جمالات عبرت الذاكرة القريبة، إلى تجوال يمر بالبرك المائية، والأودية، ثم تسلق «جبل القطّار» موقعا جيولوجيا رائعا يتلمّس فيه الزائر المتحجرات البحرية في جبال البريمي البديعة.

وتغيب الشمس لتعلن جمالا ليليا آخر في قلب « فلج محضة « حيث وجبة العشاء، ترافقها بعض الأهازيج الشعبية من «ونة» و»تغرود» وحتى «العيّالة» و «الرزفة» لتعلن هذه الأنغام العذبة ختاما عذبا ليوم يبقى في الذاكرة وفيه من البريمي وأهلها الكثير، كما يمكن لهذا الختام أن يكون صحراويا رائقا في شتاءات البريمي في «رملة» من رمالها الذهبية.

على بساطة هذا التصور إلا أنه بُغية العابر والزائر وحتى المقيم، فإن ظهر حينها مبدعو العقبات مثبّطو الهمم وقالوا: التصاريح السياحية، قلنا: لن تقف المؤسسة عقبة في طريق تسويق ثقافي مبدع للمكان، بل ينبغي لها دعمه و تسويقه، وإن قالوا: الطقس وحرارته، قلنا: هنالك مكيفات متنقلة تفي بالغرض حال الثبات، أما حال الحركة فبعض المكان الذي نحب بتقلباته وأمزجته، وإن قيل: الثبات والاستمرار، قلنا: يسلمها فريق لآخر عبر محبة متصلة وإخلاص لا ينفد.

ما هي الحاجات الفعلية لتشكيل هذا الفريق؟ انطلاقة جادة من فريق مخلص مبدع، و دعم يبدأ باستئجار حافلة سياحية «وصولا لتملكها مستقبلا بعد موسم الحصاد»، وتخطيط تفصيلي لا يغفل عن شيء قدر الإمكان، ويمكنه إضافة الكثير من الرؤى والجمال على هذه الفكرة الأولية، مع عدلٍ واجبٍ في إيفاء مستحقات المحبة و المكان.

أكثيرٌ على محافظاتنا الرائعة وولاياتنا الجميلة بعض هذه المحبة؟ هل يمكن أن تكون أيها القارئ، أيها المتلقي، أيها المحب رفيقا في هذه الجولة الرائعة؟ أو في مثيلاتها بمختلف أرجاء عمان، في عبري، في صور، في طيوي، في مسندم، في ظفار، في بهلا، في نزوى، في بدية حيث الصحارى، والشواطئ والخلجان، والأودية والجبال، والضواحي والأفلاج، أرضا تجد جمالها ماثلا بشموخ أنّى وجّهت مقصدك؛ يقينا بطيب إنسانها و ثقة بأمان مكانها.