تركيا ومصر وتفاؤل بانفراج محتمل !!

28 نوفمبر 2022
28 نوفمبر 2022

استطاعت تركيا بزعامة الرئيس أردوغان تحقيق عدد من المكاسب الإقليمية من خلال تحركه السياسي والدبلوماسي النشط، وقدرته على الاستفادة من مختلف التطورات في المنطقة حتى وأن بدت تلك التطورات متناقضة في منطلقاتها، ومن الواضح أن الرئيس التركي يريد -حتى الآن على الأقل- السير في الخيار الذي بدأه قبل مدة والمتمثل في السعي المحسوب نحو تحسين العلاقات التركية مع دول شرق البحر المتوسط، أو على الأقل الدفع بها نحو مزيد من التقارب على مستويات مختلفة، وبما يعود بالفائدة بالطبع على تركيا، فإلى جانب صادرات الطائرات التركية المسيرة إلى أوكرانيا، والوساطة الدبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا لمحاولة ترتيب لقاء بينهما للدفع نحو وقف القتال المستمر منذ 24 فبراير الماضي، والإسهام النشط في جهود تأمين صادرات الحبوب الأوكرانية، بالتعاون مع الأمم المتحدة، وتأمين استمرارها لعدة أشهر قادمة بالتعاون مع الأطراف المعنية من ناحية، ومحاولة الرئاسة التركية دعم دور تركيا في شبكة التنقيب عن الغاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وإنشاء مركز كبير لتصدير الغاز بالتعاون مع روسيا، وهو ما وعد به الرئيس بوتين أردوغان بعد حادث تخريب خط أنبوب نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا في سبتمبر الماضي، وصولا إلى توسيع حدود ومساحة المنطقة الاقتصادية الخاصة بتركيا لتتماس مع المنطقة الاقتصادية الخاصة بليبيا، بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج قانونية بحرية واقتصادية وفي مجال النفط والغاز أيضا، وهو ما أثار جدلا كبيرا لا يزال قائما حتى الآن، خاصة في ظل التعاون المتسع والمتزايد بين طرابلس وأنقرة في مجال التنقيب عن النفط والغاز من جانب أنقرة في ليبيا وفق الاتفاقية التي وقعها وزير خارجية تركيا في طرابلس أوائل أكتوبر الماضي التي أثارت اعتراض البرلمان الليبي وكذلك اليونان ومصر. يضاف إلى ذلك أن العلاقات المصرية التركية تأثرت ولا تزال تتأثر بتقاطع المصالح بين مصر وتركيا في ليبيا، وتقاطع التحركات بينهما على الساحة الليبية على مدى السنوات الأخيرة، حيث تدعم أنقرة حكومة عبدالحميد الدبيبة، سياسيا وعسكريا وأمنيا، في حين تؤيد مصر حكومة فتحي باشاغا التي شكلها مجلس النواب الليبي منذ فبراير الماضي.

وفي ظل هذه الملابسات والتقاطعات مع مصالح وأطراف إقليمية أخرى سواء بالنسبة لما يجري في ليبيا، أو بالنسبة لخريطة التنقيب، واستكشاف النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط وحتى لمستقبل العلاقات في هذه المنطقة الحيوية، فأنه من الطبيعي أن تثار الكثير من التساؤلات بشأن المصافحة التي تمت بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس رجب طيب أردوغان في الدوحة على هامش افتتاح مونديال قطر لكرة القدم في 20 نوفمبر الجاري. وفي هذا الإطار فأنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا: أنه بالرغم من أن المصافحة بين الرئيسين المصري والتركي لم يتم التنويه لها قبيل حدوثها، ولا إلى احتمال حدوثها، إلا أن حدوثها لم يكن مفاجأة تماما، خاصة في ظل عدد من الاتصالات الدبلوماسية التي تمت على مدى الأشهر الماضية بين القاهرة وأنقرة، وذلك منذ زيارة سادات أونال نائب وزير الخارجية التركي إلى القاهرة في مايو عام 2021، وما سبقها ولحقها من اتصالات على مستويات أمنية متعددة ورفيعة، وما صدر من تصريحات وإجراءات تركية لإعداد الطريق أمام خطوات لبناء مناخ أفضل للسير نحو إزالة المشكلات والعراقيل التي أثرت بالسلب على العلاقات بين البلدين منذ أكثر من تسعة أعوام.

وفي حين يتسم الموقف في ليبيا بالهدوء النسبي على الأقل، بغض النظر عن الجدل الذي حدث خلال القمة العربية الحادية والثلاثين في الجزائر بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزيرة الخارجية الليبية في حكومة الدبيبة نجلاء المنقوش، فأنه يمكن القول إن قراءة صورة المصافحة بين الرئيسين وكذلك المصالح الخاصة لكل منهما تبعث على التفاؤل بإمكانية تطور وتحسن العلاقات بين مصر وتركيا في الأشهر القادمة ليس فقط لأن المصافحة على هذا المستوى وبالملامح التي تمت بها، والسعادة الكبيرة التي أظهرها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تعبر عن ثقة الأطراف الثلاثة في المسار الذي تسير فيه العلاقات المصرية التركية وما ينتظرها من احتمالات طيبة، ولكن أيضا لأن القيادتين التركية والمصرية تدركان أهمية وقيمة وضرورة التعاون الإيجابي بينهما لصالحهما ولصالح دول وشعوب المنطقة حولهما أيضا، ويمكن الإشارة إلى العديد من التصريحات على مستوى الرئيس التركي ونائبه ووزير خارجيته وغيرهم قبل المصافحة وبعدها أيضا وهو ما ينطوي على دلالات ذات مغزى.

ثانيا: إنه مع إدراك أن مشكلات نشأت وتراكمت على مدى أكثر من تسع سنوات، وتداخلت فيها عوامل استراتيجية واقتصادية وأمنية، ومنافسات نفوذ، وكذلك اعتبارات الأمس واليوم والغد، من الصعب أن تنتهي خلال مدة وجيزة، خاصة في ضوء الحاجة إلى استعادة الثقة المتبادلة وتجاوز تراكمات الماضي، وبعضها مرير، غير أن ما يعزز الشعور بالتفاؤل بالنسبة لمستقبل العلاقات بين تركيا ومصر أن كلا من الدولتين تشعر بأهمية الدولة الأخرى، ودورها في استقرار المنطقة وأمنها من ناحية، وبأهمية استقرار العلاقة الثنائية بينهما، وانعكاسها على مختلف التطورات والأوضاع في المنطقة ومستقبلها من ناحية ثانية، يضاف إلى ذلك أن سنوات الخلاف التسع الماضية أكدت أن الخسائر المترتبة على الخلافات أوسع وأخطر بكثير مما يبدو على السطح، ولذا فأنه من المفيد تجاوز هذه المرحلة، وإعادة بناء العلاقات الثنائية على أسس واضحة ومحددة ومتفق عليها تستند إلى الاحترام المتبادل، واحترام المصالح المشتركة والمتبادلة، وتجنب المنافسات العقيمة وغير المجدية، خاصة في ظل التقارب الشديد في معايير القوة بين الدولتين اللتين طالما ربطت بينهما علاقات عميقة وممتدة ومتعددة المصالح، وهو ما يعزز في الواقع إمكانية تجاوز الخلافات على نحو أسرع وأعمق، خاصة مع توفر الإرادة السياسية على كلا الجانبين للدخول بشكل متفق عليه إلى مرحلة جديدة من العلاقات المفيدة لكل من الدولتين.

ثالثا: إنه في ظل ما تمثله ليبيا من مصالح نفطية واقتصادية واستراتيجية لتركيا من ناحية، وما تمثله في الوقت ذاته من ارتباط وثيق ومباشر بالأمن القومي المصري فضلا عن المصالح الاقتصادية والروابط الاجتماعية العميقة والممتدة بين الشعبين المصري والليبي من ناحية ثانية، وكذلك الأهمية الليبية للعديد من الأطراف العربية والإقليمية والدولية الأخرى من جوانب وأبعاد مختلفة، فإن التوافق بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا يرتكز بالضرورة على توافق مصري تركي جزائري ليبي، وبدعم الأطراف الدولية ذات المصالح في ليبيا أيضا، وإذا كان اللقاء بين الرئيس السيسي والرئيس الجزائري على هامش القمة العربية الأخيرة في الجزائر، والمصافحة العلنية بين الرئيسين المصري والتركي قبل أيام بحضور أمير قطر، الذي أجرى محادثات مع الرئيس التركي تمهيدا لاستثمار عشرة مليارات دولار في تركيا خلال الفترة القادمة، من شأنها أن تدعم التفاؤل حول تحسن العلاقات المصرية التركية في الفترة القادمة، إلا أن هذا الأمر، الذي تؤيده المعارضة التركية، ليس مضمونا تماما، خاصة إذا واصل الرئيس التركي خطته لشن عمليات برية داخل الأراضي السورية وداخل العراق ضد قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، ومعروف أن موسكو وواشنطن لا تحبذان هذه العمليات، وإذا كانت مصالح الرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية القادمة في يونيو القادم تقتضي النجاح في التقارب مع مصر والدول الأخرى في المنطقة، وتجنب حرب كبيرة مع القوات الكردية أيضا، فإن الكرة تظل في ملعب أردوغان وهو الذي سيحدد الأولوية التي سيمضي فيها خلال الفترة القادمة، ومن المأمول أن تكون الأولوية للسلام والاستقرار والتحسن في العلاقات المصرية التركية لانعكاسها الإيجابي على المنطقة ككل.