ترامب ينسف 30 عاما من العلاقات مع الهند

03 سبتمبر 2025
03 سبتمبر 2025

كابيل كوميريدي 

ترجمة: بدر بن خميس الظفري 

على مدى ثلاثة عقود، استثمر الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون رأس مال دبلوماسيا ضخما في تنمية صداقة مع الهند. بيل كلينتون، الذي وضع أسس الشراكة الأمريكية الهندية الحديثة، وصف الديمقراطيتين بأنهما «حليفان طبيعيان». أما جورج بوش الابن فقد وصفهما بـ«الأخوين في قضايا الحرية الإنسانية». باراك أوباما وجو بايدن وصفا العلاقة بأنها واحدة من أهم التفاهمات العالمية في هذا القرن. 

من وجهة نظر واشنطن، كانت الهند سوقا ناشئة ضخمة، وموازنة محتملة للصين، وشريكا أساسيا في الحفاظ على أمن المحيطين الهندي والهادئ، وقوة صاعدة ستعزز النظام الدولي القائم على القانون. أما الهند، التي كانت متوجسة من الغرب بعد قرن من الاستعمار البريطاني، فقد تخلت عن شكوك الحرب الباردة تجاه واشنطن، التي سلحت ومولت خصمها اللدود باكستان لعقود، واقتربت بثبات من الولايات المتحدة. 

لكن دونالد ترامب احتاج صيفا واحدا فقط لنسف هذه المكاسب. ففي مايو، نسب لنفسه الفضل في إنهاء صراع عسكري قصير بين الهند وباكستان، مما أثار غضب الهند التي ترى أن نزاعها مع باكستان شأن ثنائي بحت، وأحرج رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي كان يفاخر بقربه من «صديقي دونالد ترامب». ثم مضى ترامب ليتناول الغداء في البيت الأبيض مع الجنرال عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني ورئيس الاستخبارات السابق. كما وصف اقتصاد الهند بأنه «بلد ميت»، وفرض رسوما جمركية عقابية بنسبة 50% على الواردات الهندية إلى الولايات المتحدة. 

لهذا التدهور المفاجئ آثار عميقة. فقد وحّدت إهانات ترامب الأحزاب السياسية المتصارعة في الهند خلف الحكومة، وهو تطور لافت في بلد جعل حكم مودي المنقسم الأرضية المشتركة شبه معدومة. وللمرة الأولى منذ عقود، أصبحت الولايات المتحدة العدو المشترك لمعظم الأطراف السياسية في الهند. 

لا أحد في مأمن من مزاج ترامب المتقلب. غير أن الهند كانت قد انخدعت بالاعتقاد أنها محمية بشكل خاص بفضل «الرابطة» بين ترامب ومودي، وهما زعيمان متضخما الأنا جعلا علاقات بلديهما الخارجية رهينة لشخصياتهما. فقد بنى مودي في الداخل عبادة شخصية ضخمة عززها جزئيًا الإيحاء بأن ترامب وزعماء العالم معجبون به. وعندما انتُخب ترامب في نوفمبر، بالغ إعلاميون مؤيدون لمودي في إظهار مشاعر الفرح والشماتة، مؤكدين أن عودة «صديق مودي» إلى البيت الأبيض ستردع الخصوم وتزيد من العلاقة الحميمة بين الرجلين. بل إن مودي نفسه كسر الطابع الحيادي لعلاقة بلاده بأمريكا عندما أيّد علنا إعادة انتخاب ترامب في 2020. 

بايدن تغاضى عن هذه الإساءة خلال رئاسته، وظلت إدارته تعتبر نيودلهي شريكًا محوريًا مع التعبير أحيانا عن القلق من تراجع الديمقراطية تحت حكم مودي. أما أنصار مودي فكانوا يظنون أن ترامب، بدلا من إسداء النصائح لنيودلهي، سيضغط على أعدائها ويسرّع صعودها. لكن الأمور لم تسر على هذا النحو. إذ قوض ترامب العلاقة الثنائية ودمّر، في ليلة وضحاها تقريبا، صورة مودي التي صاغها بعناية كزعيم عالمي مُبجّل، وهي صورة عجز معارضوه المحليون عن زعزعتها. 

الولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري للهند، ومن المتوقع أن تدمر الرسوم الجمركية قطاعات واسعة من الأعمال، مسببة إغلاق المصانع وفقدان الوظائف وتباطؤ النمو. ترامب بدأ بفرض رسوم 25% في الأول من أغسطس ضمن حملته العالمية على شركاء التجارة الأمريكيين، ثم أعلن بعد أيام عن رسوم إضافية 25% لمعاقبة الهند على شرائها النفط الروسي. وقد أثار هذا القرار غضبًا وحيرة، فواشنطن نفسها هي التي شجعت الهند على شراء النفط الروسي للمساعدة في استقرار الأسعار العالمية بعد غزو أوكرانيا. في المقابل، لم تُعاقَب الصين، التي تستورد كميات أكبر من النفط الروسي، ولا أوروبا التي يفوق حجم تجارتها مع روسيا تجارة الهند. 

على المدى البعيد، ومع كونها رابع أكبر اقتصاد في العالم، وسوقًا داخلية ضخمة، وروابط قوية بالتجارة والاستثمار العالميين، يرجح أن تصمد الهند أمام هذه الضربة. وسيسعى الطرفان عاجلا أم آجلا إلى ترميم العلاقة. لكن الثقة التي استغرق بناؤها 30 عامًا لن تُستعاد بسهولة، والغضب الهندي سيبقى طويلا. 

هذه لحظة فارقة لنيودلهي. فهل ترضخ لترامب أملا في أن تعزز الولايات المتحدة شراكتها ضد الصين؟ أم تتجه إلى مصالحة واقعية مع بكين لحماية التجارة والاستثمار والاستقرار الاستراتيجي طويل الأمد في آسيا؟ فكيف يمكن للهند أن تثق بأن واشنطن لن تسلّح شراكتها الاستراتيجية فجأة كما سلّحت التجارة؟ ربما بدأت نيودلهي بالفعل بالتحوط لهذه المخاطر. فمودي زار الصين هذا الأسبوع لأول مرة منذ سبع سنوات لحضور قمة إقليمية، حيث استقبله الرئيس شي جين بينغ شخصيا إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ورغم أن الجيشين الهندي والصيني تصادما على الحدود المتنازع عليها عام 2020، إلا أن هذه الزيارة تمثل فرصة محورية لإعادة ضبط العلاقات، وحل النزاعات الحدودية والتجارية والأمنية الإقليمية، وبالنسبة للصين، لبدء إبعاد الهند عن فلك واشنطن. 

في نهاية المطاف، قد تكون الولايات المتحدة الطرف الأكثر خسارة. فمن غير الواضح إن كان أحد في واشنطن توقع فعلا أن تصبح الهند المستقلة بشدة حليفا أماميا في صراع محتمل مع الصين. لكن ما جعل الهند مهمة هو أن الولايات المتحدة، بعد عقود من الريبة الهندية، بدأت تحظى بنوايا طيبة حقيقية في أكبر ديمقراطية في العالم، ودولة تجاور الصين مباشرة. هذا الإنجاز الاستثنائي اليوم أصبح ركاما. ومهما علا شأن مودي وترامب اليوم، فإنهما حتما سيختفيان يوما ما، لتبقى على عاتق الهند والولايات المتحدة مهمة التحرر من إرث هذين الزعيمين. 

 كابيل كوميريدي صحفي هندي ومؤلف كتاب (الجمهورية الخبيثة: تاريخ قصير للهند الجديدة). يعمل حاليا على تأليف تاريخ عالمي عن مارتن لوثر كينغ الابن. 

 خدمة نيويورك تايمز