تحديات التعليم بعد الجائحة

05 ديسمبر 2021
حضوريا بعد طول غياب..
05 ديسمبر 2021

خلال عامين من تعايش المجتمع الدولي مع كورونا، بسلبياتها الكثيرة اقتصاديا واجتماعيا، لا يمكن لإيجابياتها القليلة أن تخفى أو تنكر.

لكن التعليم بمراحله المختلفة في كل الدول كان أحد أهم مجالات التأثر الرئيسة بهذه الجائحة، ومع ما عايشنا جميعا من تفعيلِ إمكاناتٍ تقنيةٍ عديدة ومختلفة ها نحن نتلمس العودة إلى ما قبل كورونا تعليميا.

فهل سيكون ما بعد كورونا كما كان قبلها؟ أم أن لها آثارا لن يسهل محوها؟ ومنها ما لا ينبغي لها أن تزول أو تفنى.

لكن ضمن متغيرات العودة التي يترقبها كثير من المدرسين وأولياء الأمور والطلبة، هنالك حالة التعود التي خلقتها الجائحة في استنزاف طاقة أولياء الأمور الذين انبروا "دون وعي" لتيسير الأمر على أبنائهم فأخذوا عنهم أغلب – إن لم يكن كامل- مسؤولياتهم الدراسية سعيا منهم للوصول بهم إلى مستوى تعليمي جيد؛ يطمئنون معه لعدم تأثر أبنائهم بتداعيات الجائحة.

لم يدرك هؤلاء مغبة ما كانوا يصنعون، لكنهم سيدركون اليوم والأمور تعود تدريجيا إلى نصابها نتيجة ما كانوا يصنعون.

حالة الدعة والتكاسل لدى الطلاب معتمدين على أن الأهل يدرسون نيابة عنهم، ويعدون أعمال الفصل نيابة عنهم، بل – وفي الأغلب – يؤدون الاختبارات نيابة عنهم؛ حرصا على مستقبلهم التعليمي.

حالة الإرهاق لدى أولياء الأمور وهم يضعون عن كواهلهم أخيرا مسؤولية متابعة التعليم عن بعد، ليتفرغوا ربما للجانب التربوي الذي لم يركزوا عليه خلال كورونا وتداعياتها.

حالة العزلة وآثارها على طلاب المرحلة الأولى خصوصا، وكأنهم يدخلون العالم الواقعي لأول مرة بعد معاناة العزلة والبعد عن النشاط التفاعلي الواقعي لفترة طويلة نسبيا.

حالة الشتات لدى المعلمين والمعلمات وهم يتأرجحون بين تعليم حضوري وتعليم عن بعد، مع تحمل حالات التحول والتأقلم وإعادة التأهيل، على زيادة الأعباء وقلة المحفزات ماديا ومعنويا.

نشعر بكل مخاوف من حولنا وهم يهمسون، يتحاورون، ويناقشون توقعاتهم للمرحلة القادمة ومخاوفهم من تحول النظام التعليمي إلى التعليم حضوريا بعد أن كان افتراضيا عن بعد بعد طول أمد.

لمرحلة التعليم عن بعد إيجابياتها التي يأتي في مقدمتها تفعيل منصات التعليم الإلكتروني، إضافة إلى وضع التعليم الافتراضي كخيار من الخيارات المطروحة مستقبلا مواجهةً لأزمة العدد أو المكان أو الإمكانات، كما أن لها الفضل في تعرف الجميع على إمكانات تطوير الأداء وتعلم المهارات عبر الدورات الرقمية المختلفة في مختلف المراكز العلمية ومراكز البحث والتأهيل محليا، إقليما، ودوليا.

كما أن لها سوءات ستنكشف لا محالة، وسيكون في مقدمتها اكتشاف المستوى الفعلي للتحصيل العلمي خلال عامين ماضيين، كما أن لها تحدياتها في السعي لابتكار وسائل إعادة التأهيل للعودة للعالم الواقعي والتعليم التفاعلي الحي بعيدا عن الأجهزة وأقنعتها.

سيضعف سوق كتّاب الأعمال الطلابية الدورية، والبحوث العلمية، وحتى الاختبارات الفترية والنهائية، وسيكون من الخير توثيق كل ذلك بالأرقام والإحصائيات مما يمكننا جميعا من نقد هذه المرحلة، وتعزيز إيجابياتها للإفادة منها وتفعيلها، وتمحيص سلبياتها وأسباب نشوئها لنتعلم منها ما يجعلنا نتحرى التعلم الحقيقي مستقبلا بعيدا عن مجرد حصد الدرجات عشوائيا.

أن ندرك أن ما نريد لأبنائنا هو تعليم حقيقي ينهض بهم ومعهم إلى غد أفضل، وليس مجرد تجميل رقمي "بالدرجات والتقادير الوهمية" التي نعرف في أعماقنا أنها لن تصل بنا إلى أي فخر، ولن تصل بهم إلى أي إبداع أو إنجاز حقيقي.

ندرك جمالية أحلامنا في أبنائنا حين نعترف فقط بأن العلم رسالة وأمانة، والتعليم وسيلة سامية لبلوغ أهدافنا وأحلامنا وواجبنا تجاه ذواتنا وأسرنا ومجتمعنا وأوطاننا، وليس مجرد تجميل خارجي لأوراق مفرّغة من مضامينها هي ما يطلق عليها "شهادات"، نبلغ رؤانا حينما نلمس أثر التعليم في الإبداع والابتكار والقدرة على التفكير الحر، وتحفيز محركات البحث والمعرفة، لا حين نستلم تقارير وهمية لتحصيل غير حقيقي وأحلام مستعارة.