«بينيت» .. إدارة الأزمات وليس حلها !!

30 أغسطس 2021
30 أغسطس 2021

د. عبد الحميد الموافي

ليس من المبالغة في شيء القول إن رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت، الذي قام بأول زيارة له إلى البيت الأبيض كرئيس لوزراء اسرائيل قبل أيام كان من بين الخاسرين الذين أصابتهم بعض شظايا التفجير الانتحاري الذي وقع يوم الخميس الماضي في مطار حامد كرزاي بالعاصمة الأفغانية كابول والذي راح ضحيته عشرات القتلي من المدنيين الأفغان إلى جانب 13 جنديا أمريكيا مما أثار صدمة وألما كبيرا في البيت الأبيض وألقى بظلاله بالتأكيد على عملية الانسحاب الأمريكي والغربي -قوات حلف الأطلنطي- من أفغانستان .

ومع أنه قد تم تأجيل اللقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي «بينيت» وبين الرئيس الأمريكي «بايدن» من يوم الخميس - كما كان مقررا - إلى يوم الجمعة ، إلا انه يمكن افتراض أن حادث مطار كابول قد غير مناخ البيت الأبيض وربما القدرة على الاستماع وإتاحة الوقت الكافي من جانب بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي، على غير ما استعد له وكان يتمناه «بينيت» بالطبع ، ولعل ما يخفف من الأثر السلبي لذلك، ولو نسبيا أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية هي علاقات عميقة وممتدة ومفهومة جيدا، خاصة من جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ أن كان عضوا في الكونجرس في سبعينيات القرن الماضي، فضلا عن أن اللقاءات التي تمت بين «بينيت» وكل من وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن ووزير الخارجية الأمريكية انتوني بلينكن، وكذلك المحادثات بين الطواقم الأمنية الإسرائيلية والأمريكية قبيل الزيارة، قد وضعت كل الأوراق الإسرائيلية على مائدة بايدن وإدارته، كما أن عقد اللقاء بين بايدن وبينيت، بعد تأجيل 24 ساعة فقط عن الموعد المقرر، كان بمثابة رسالة إيجابية حيال رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى حقيقة أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت هي بحكم تكوينها والطيف السياسي الواسع الذي تضمه، هي أقرب في أدائها إلى حكومة تصريف أعمال، أو حكومة انتقالية، صحيح أنها تحظى بثقة الكنيست وجاءت بعد انتخابات عامة في إسرائيل، ولكن الصحيح أنها حكومة تقف على شفا الانهيار، في حالة خسارتها تأييد أي من القوى والأطراف المشاركة في تكوينها.

ولعل ما يؤكد ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي صرح بأنه مستعد لأن يشن حربا أخرى على قطاع غزة إذا تطلب الأمر من وجهة النظر الإسرائيلية، وانه لن يربط ذلك باعتبارات سياسية كخسارة الأغلبية في الكنيست، لأن الدفاع والأمن له الأولوية على الاعتبارات السياسية على حد قوله، وكان هذا التصريح، في جانب منه، ردا على تلويح القائمة العربية الموحدة - الحركة الإسلامية الشق الجنوبي - برئاسة منصور عباس بالانسحاب من الائتلاف الحاكم إذا قرر «بينيت» شن حرب على قطاع غزة، ومعنى ذلك خسارة الحكومة لأغلبيتها في الكنيست، لأن القائمة الموحدة لها أربعة مقاعد، وهو ما لا تستطيع حكومة بينيت تحمل خسارته.

ومن هنا فإن تصريحات بينيت ووزير دفاعه بيني جانتس تظل أقرب إلى الرسائل الإعلامية منها إلى مواقف سياسية قابلة للتحقق على الأرض، وهذا ما يزداد وضوحا، بكل ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج، تجعل من حكومة بينيت حكومة لإدارة الأزمات، وكسب الوقت، دون القدرة على اتخاذ قرارات أو مواقف فاعلة، أو حاسمة يمكن أن يكون لها نتائج مؤثرة أو بعيدة المدى على الأوضاع، خاصة ما يتصل بالقضية الفلسطينية، أوالنشاط النووي الإيراني الذي يزداد القلق الإسرائيلي حياله.

وفي ظل مجمل الظروف والتطورات التي أحاطت بزيارة بينيت للولايات المتحدة، وتفاعلات الأوضاع في أفغانستان وفي المنطقة أيضا، فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

أولا: أنه مع الوضع في الاعتبار أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعربت بوضوح عن اهتمامها بحل الدولتين، ودعم السلام للفلسطينيين ولإسرائيل والتطبيع في الشرق الأوسط، وهو ما وضع نهاية عملية لما سمي «صفقة القرن» التي ارتبطت بالإدارة الأمريكية السابقة وعرابها جاريد كوشنر، أو بمعنى أدق للشق المتصل بالقضية الفلسطينية فيها، بالنظر لأن إدارة بايدن تشجع التطبيع بين إسرائيل و بين أكبر عدد ممكن من الدول العربية، فإن مما له دلالة عميقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت حرص على تحديد ملامح موقفه، وبالطبع موقف حكومته، من السلام مع الفلسطينيين، وذلك قبل لقائه مع الرئيس الأمريكي، وربما في محاولة للتأثير على ما يمكن أن تعلنه إدارة بايدن بهذا الخصوص، ويبدو أن إدارة بايدن قد فضلت عدم التطرق العلني إلى هذا الجانب، باعتبار أن أولويته بالنسبة لها باتت تسبقه قضايا أخرى، في مقدمتها مستقبل أفغانستان، والمحادثات النووية مع إيران في فيينا ، والتنافس مع الصين ومستقبل العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة أيضا.

أما بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي فإنه عمد إلى إيضاح الخطوط الأساسية لموقفه المنحاز إلى اليمين الإسرائيلي المتطرف مع التماهي بشكل أو بآخر مع مواقف حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو مع بعض الفروق الطفيفة.

ففي مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أثناء زيارته للعاصمة الأمريكية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي: «إن حكومته لن تحل الصراع المستمر منذ 130 عاما .. ولن تتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين قريبا»، و بينما استبعد أن تجري حكومته محادثات سلام مع الفلسطينيين، على ضوء وضع القيادة الفلسطينية، فإنه قال أيضا: إن حكومته لن تمضي قدما في خطة ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة، ولكنها ستواصل توسيع المستوطنات في إطار النمو الطبيعي لها.

ومن الواضح أن «بينيت» يريد الاستمرار في توسيع المستوطنات، بما في ذلك المضي قدما في تغيير معالم القدس الشرقية، حي سلوان ومركز المدينة وزيادة حركة الاستيطان ونزع ملكية وهدم عدد متزايد من المنازل وتهجير المقدسيين ومواصلة المخطط الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى المبارك، ولكنه يريد أن يتم ذلك دون الدخول في محادثات سلام مع حكومة رام الله، وما يمكن أن يترتب على ذلك من طرح لما ترتكبه إسرائيل من جرائم على الأرض في القدس الشرقية والضفة الغربية، وإحياء الحديث عن حل الدولتين الذي لا يتحمس له بينيت، وهو محاكاة لما كان نتانياهو يقوم به في الواقع. والأكثر من ذلك أن حكومة بينيت، من خلال أسلوب إدارة الأزمة، تواصل تحقيق أهدافها هي على الأرض في القدس الشرقية والضفة الغربية، مع تجميد محادثات السلام مع الفلسطينيين، وليس مصادفة أن يؤكد بينيت على أن « القدس هي عاصمة اسرائيل ولن تكون عاصمة لأي شعب آخر»، وهي إعادة صياغة لموقف نتانياهو في هذا الخصوص وإن كان بكلمات أقل حدة لا تغير من جوهر الموقف الإسرائيلي في هذا الخصوص.

وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أغلق باب المحادثات مع القيادة الفلسطينية في رام الله ، بزعم أنها «هشة وعديمة الاتجاه» على حد وصفه، فإن من المفارقة ذات الدلالة أن هذا الوصف ينطبق بالتأكيد على حكومة بينيت، التي تفتقد إلى الصلابة والتماسك والقدرة على الاستمرارية، إذ أنها يمكن أن تفقد أغلبيتها الحدية في الكنيست بسبب أي خلاف داخل الحكومة أو إذا غيّر أي مكون أو عضو في الحكومة موقفه وتخلى عن تأييد بينيت، لأي سبب.

ومن هنا فإن الأكثر ملاءمة وسلامة بالنسبة له أن يدير الأزمة وأن يحافظ على الوضع الراهن، وأن يواصل الاستيطان وتهويد القدس الشرقية وعدم الدخول في مواجهة أخرى مع حماس والفصائل الفلسطينية في غزة إلا إذا اضطر إلى ذلك، وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يجد في المواقف الإقليمية والدولية ما يشجعه على خيار إدارة الأزمة ، فإنه يقدم - لاعتبارات مختلفة - بعض الخطوات التي تسهم في الحد من التوتر مع قطاع غزة، ومنها السماح بدخول أموال المساعدة القطرية إلى المتضررين في حرب غزة، وتخفيف إجراءات الإغلاق على المعابر بين إسرائيل والقطاع، والسماح بدخول أعداد أكبر من الفلسطينيين للعمل في إسرائيل، والنظر في خطوات يمكن أن تساعد في عملية إعادة إعمار غزة، وهي خطوات تم ويتم بحثها مع الجانب المصري الذي يسعى إلى الحد من التصعيد بين إسرائيل وفصائل قطاع غزة في الأيام الأخيرة، بعد أن لجأت الفصائل الفلسطينية إلى تشجيع الحراك الشعبي على الخط الفاصل، واستئناف إطلاق البالونات الحارقة والفعاليات المناوئة لإسرائيل وهو ما ردت عليه القوات الإسرائيلية بمزيد من العنف الذي كاد أن يخرج عن السيطرة لولا تدخل الجانب المصري، ولذا كان تلويح «بينيت» بإمكانية القيام بشن حرب على قطاع غزة مرة أخرى محاولة للتحذير برغم أن الجميع يدرك أن حكومته لا تتمنى ولا ترحب بذلك، إلا إذا اضطرت إليه، فهل ستعمد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة إلى دفع الموقف إلى الانفجار مع إسرائيل مرة أخرى، المؤكد أن هذا غير مستبعد، بل ومرجح إلى حد غير قليل، خاصة وأن حدوثه يمكن أن يطيح بحكومة «بينيت»، ومن ثم يضع إسرائيل في مأزق سياسي داخلي مرة أخرى، وهى لم تفق من مأزق الانتخابات الأخيرة بعد.

ثانيا: أن الملف الأساسي الذي حمله بينيت معه إلى واشنطن هو ملف النشاط النووي الإيراني، وبينما جرت مناقشات معمقة على المستوى الأمني بين إسرائيل والولايات المتحدة حول مختلف الجوانب المتصلة بقدرات إيران النووية والنمو الملحوظ لها فيما يتصل بالقدرة على زيادة نسب تخصيب اليورانيوم من أقل من 4 % حسب الاتفاق النووي إلى 20 % ثم إلى 60 % حسبما أعلنت طهران مؤخرا، فإن حكومة بينيت سارت على مسار حكومة نتانياهو نفسه في الترويج لمقولة: إن إيران باتت على مشارف امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي، وانه على المجتمع الدولي التدخل لمنعها من ذلك ، مع التلويح بأن إسرائيل ستعمل كل ما يمكنها من أجل منع إيران من امتلاك سلاح نووي.

وفي هذا الإطار نقلت صحيفة « جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن بيني جانتس وزير الدفاع الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي قوله أمام عدد كبير من السفراء: إن إيران على بعد شهرين فقط من الحصول على المواد اللازمة لصنع سلاح نووي. وحذر من أن البرنامج النووي الإيراني قد يتسبب في «سباق تسلح في المنطقة»، كما ألمح إلى إمكانية القيام بعمل عسكري لمنع ذلك «إذا لزم الأمر».

وبغض النظر عن تحريض إسرائيل ضد إيران ومعارضتها لمحادثات فيينا للعودة إلى الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 بمساعدة السلطنة، وانسحب منه ترامب عام 2018 ، فإنه يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي الذي أكد من قبل أن إيران لن تمتلك أبدا سلاحا نوويا، قد كرر ذلك مرة أخرى، أمام بينيت ، والأكثر أهمية انه سار خطوة أخرى خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض، وذلك بإشارته إلى انه إذا فشلت الدبلوماسية فسوف يلجأ الى طرق أخرى ، وفي حين أكد بينيت على أهمية «وقف عمليات الطرد المركزي الإيرانية « ، فإنه أكد أنه «يتفق مع بايدن على وجود خيارات أخرى بالنسبة لإيران إذا لم تنجح الدبلوماسية .. وأن إسرائيل ستقف دائما مع الولايات المتحدة دون تردد، وهو ما يؤكد أن حكومة بينيت ستظل في موقع إدارة الأزمات طيلة وجودها في السلطة.

ومع الوضع في الاعتبار أن الرئيس الأمريكي الذي يسعى إلى إنجاح مفاوضات فيينا للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، لم يوضح طبيعة الخيارات الأخرى التي يقصدها في حالة فشل الدبلوماسية، فإنه من المرجح أن هذا التلويح رسالة في اتجاهين، في اتجاه إسرائيل لطمأنتها ومنعها من ارتكاب حماقة ما ضد إيران من ناحية، وفي اتجاه إيران أيضا لتحذيرها من السير في تطوير قدرات نووية لصنع سلاح نووي من ناحية ثانية. وإذا كانت إيران قد انتقدت هذه التصريحات واستخدام بايدن مصطلح «خيارات أخرى»، كما حذرت إسرائيل من «أية مغامرة أو خطأ في الحسابات» فإنه من المؤكد أن أي عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية لن يحقق ما تريده إسرائيل، ليس فقط لتعدد وانتشار المواقع النووية الإيرانية في مناطق عديدة ومواقع على أعماق كبيرة تحت الأرض ومحصنة جيدا، والفعالية المحدودة للغارات الجوية، ولكن أيضا لأن إيران قطعت شوطا كبيرا في امتلاك دورة التخصيب والقدرة على تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة، وإذا كان قد تم استخدام فيروس استاكسنت، وتخريب موقع ناتانز النووي من قبل، إلا أن تكرار ذلك ليس مضمون النتائج، ولذا فإن محادثات فيينا وإنجاحها تظل البوابة الأساسية لبناء الثقة مع إيران واحتواء برنامجها النووي والحيلولة دون صنعها سلاح نووي، خاصة وأن إيران ذاتها قد أكدت على أنها تركز على الاستخدام السلمي للطاقة النووية ولا تسعى لامتلاك أو صنع سلاح نووي.