بين الحربِ والسلام.. مصطلحاتٌ ومصالح

27 فبراير 2022
27 فبراير 2022

يتابع العالم أجمع -شاء أم أبى- تطورات الوضع بين أوكرانيا وروسيا، ويسلمنا ذلك بالضرورة - شئنا أم أبينا - إلى التسليم بأننا نعيش في قرية صغيرة، يحرك أحداثها قلةٌ من الساسة في هذا العالم، ولا يملك سكان القرية أينما كانوا ومهما اختلفت أفكارهم وانتماءاتهم إلا التسليم والخضوع لهذه القوى السياسية، التي تتقاسم المصالح وتحدد المصائر وتراجع المصطلحات.

نتابع مع غيرنا من سكان القرية العالمية يوميات الوضع، تارة بترقب قلق، وأخرى بدهشة مستفهمة، ونجد أن لا أحد يتردد في أن يدلو بدلوه في تحليل الوضع سياسيا واقتصاديا، كأن السياسة في مثل هذه التوترات أصبحت وليمة الجميع التي لا تحتاج دعوة ولا اختصاص تمثلا لبيت طرفة بن العبد:

نحنُ في المَشتاةِ ندعو الجَفَلى.. لا ترى الآدِبَ فينا ينتقِرْ

ومن العام للخاص يمضي الإعلام باتجاهيه التقليدي والجديد لخوض معركة الأقوياء ومعركة الحلفاء، خفية أو علانية. وضمن هذا الدور الإعلامي الفاعل معللا أو مضللا تأتي مشتركات لا يمكن إلا أن تصل، من ضمنها إعلان روسيا ضبط إيقاع اللغة الإعلامية خلال الساعات الماضية من أجل منع أي تعبيرٍ لا يخدم معركتها؛ حيث وجهت الهيئة المنظمة للاتصالات في روسيا وسائل الإعلام المحلية بحذف أي إشارة إلى مصطلحات "الغزو" أو "الهجوم" أو "إعلان الحرب" من مضمون ما تنشره، أو مما قد يصدر عن الشخصيات السياسية وعائلاتهم.

ولا نستغرب ذلك ونحن نعيش هذا العالم المفتوح على تناقضات، والمشرع على تقلبات لا يمكن معها إلا الإقرار بأثر الإعلام بكل تجلياته في تشكيلها إرهاصا أولا، وصياغة تجلياتها وتداعياتها آخرا.

فأي أثر للكلمة الإعلامية التي يمكن أن تذكي نار الحرب؟! وأي صدى للصوت حتى يتم ترويضه وتسكينه لضمان ثبات الأنفس وهدوء الموقف رغم احتدام النزاع إلى آخره ليصل لعمليات عسكرية وسجالات إعلامية لا تهدأ؟!

ويمكن حتى للقارئ البسيط تشكيل صورة عامة عن طاولة مصالح القوى، وعنايتها بالآتي من توجيه صولجان النفوذ الاقتصادي السياسي العسكري، يمكن للجميع تلمّس استغلال عاطفة العالم لتأييد قوة هنا أو لتثبيط قوة هناك، حسب ميزان القوى والتحالفات.

يمكن استقراء ذلك حينما نتابع قلق أمريكا – مثلا – لا على سلامة الإنسان في أوكرانيا أو روسيا، بل على النظام الاقتصادي العالمي وتحوله من أمريكا إلى روسيا والصين، وفي هذا السياق نستقرئ كذلك محاولات استفزاز الصوت الرسمي للصين لإثبات هذه الفرضية أو نفيها خشية قيام نظام مالي "غير ليبرالي بالمرة" كما تصفه الصحف الأمريكية!.

يمكننا استقراء ذلك ونحن نتابع انسحابات أوروبية عن موقفها من نصرة أوكرانيا، أو من مبادرات لنصرتها من قبل كل من بريطانيا وألمانيا.

وبين منسحب ومؤيد ومراقب يتوزع عالمنا العربي في هذا المشهد غير منكرين – بالتأكيد – تأثرنا منذ بوادر هذا النزاع الأولى بهذه المناوشات، وإن لم نتحدث عن المعلن منها فحسبنا ما يصل من تأثر سوق النفط والغاز بكل ذلك، فضلا عن القمح الذي لمّا نتدبر أمره بعد ونحن عصبة عربيّة!.

صرنا نسمع ونرى عن أسلحة جديدة ما كانت حاضرة في حروب سابقة، من بينها الإعلام غير التقليدي، إضافة إلى دعم العملات المشفّرة؛ حيث أوضح محللو العملات المشفرة إن ما لا يقل عن 13.7 مليون دولار قد تم التبرع بها حتى الآن للجهود الحربية الأوكرانية من خلال تبرعات مجهولة بعملة بيتكوين، وتم تقديم أكثر من 4000 تبرع حتى الآن إلى محفظة العملات المشفرة التابعة لمؤسسة "كم باك ألايف"، حيث قدم متبرع غير معروف عملات بيتكوين بقيمة 3 ملايين دولار لمنظمة غير حكومية. وهنالك مخاوف من استخدام روسيا ذات السلاح بالعملات الرقمية للرد على هذا الدعم لأوكرانيا ليصبح هذا هو أول صراع كبير في عصر التشفير وهو ما يعني أيضاً، ولأول مرة على الإطلاق، أنه يوجد أداة يمكنها نقل مليارات الدولارات بسهولة عبر الحدود وهي متاحة ليتم استخدامها من قبل الجانبين.

وبعيدا عن كل ذلك، قريبا من إنسان هذا الصراع، من أبناء هذا المرحلة نتلمّس قصصا بطولية من قبيل شجاعة فولوديميروفيتش، الذي قيل إنه فجّر نفسه لمنع الدبابات الروسية من عبور جسر في مدينة هينيشيسك في منطقة خيرسون جنوب البلاد.

وهنا نتساءل بمرارة: ترى: هل تُضمِدُ البطولات ألم الفقد؟ وهل تُعيدُ انتصارات الحرب أو مناوشات الساسة غُيّاب وقرابين المرحلة؟ لا نملك ونحن سكّان القرية العالمية إلا الدعاء لإنسان يسكننا ويسكنها، ونخشى عليه أن يكون رماد هذه المرحلة تقصر أم تطول.

• حِصّة البادي كاتبة وشاعرة عمانية