بوسع الولايات المتحدة أن توقف أهوال رفح اليوم.. فلماذا لم تفعل؟

14 فبراير 2024
ترجمة: أحمد شافعي
14 فبراير 2024

برغم ضغط إدارة بايدن، ما من بوادر تذكر على تغيير حكومة نتانياهو من خطتها لتدمير حماس، مهما بلغت تكلفة الموت والدمار في غزة.

والخطر القريب ينصب على مدينة رفح التي تشن إسرائيل فيها غارات جوية كثيفة، وتخطط لهجوم بري كامل. ورفح ومحيطها المباشر يؤويان قرابة مليون ونصف المليون من البشر، وكثير منهم مقيمون في خيام واهية، والطعام والمياه النظيفة نادران والدعم الطبي في حده الأدنى. وتحذيرًا من هجوم بري وصفه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بـ«المريع، في ضوء احتمال بأن عددًا كبيرًا للغاية من المدنيين، وأغلبهم مرة أخرى من النساء والأطفال، سوف يتعرضون على الأرجح للقتل والإصابة». وفي يوم الاثنين لقي ما لا يقل عن سبعة وستين فلسطينيا مصرعهم في ضربات جوية استهدفت رفح وتزامنت مع مهمة تحرير الرهائن الإسرائيلية.

من الممكن اجتناب مزيد من الأهوال في رفح في حال تدخل الولايات المتحدة. فإسرائيل تعتمد اعتمادا هائلا على الدعم العسكري الأمريكي ولا تستطيع مواصلة الحرب طويلا بغيره. وهذا يثير سؤالين جوهريين: لماذا تصر إسرائيل على مواصلة العملية العسكرية الكفيلة بإلحاق خسائر مروعة بين المدنيين؟ ولماذا لن ينزع جو بايدن القابس الأمريكي؟

السؤال الأول أيسر نسبيا. فهجمة حماس في السابع من أكتوبر هزت المجتمع الإسرائيلي هزة عميقة وهو ما قصدت إليه. وكانت إسرائيل في ما بعد الانتفاضة الثانية ـ بين عامي 2000 و2005 - قد حسبت أنها نالت السيطرة الكاملة على أمنها. لكن في السابع من أكتوبر، وقع الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات الإسرائيلية جميعا في خطأ فادح.

فقد خططت قوات حماس شبه العسكرية للهجوم على مدار شهور كثيرة وتوقعت رد فعل إسرائيلي هائل. وحدث ما توقعته، مسفرا عن أضرار لحقت بمساعي إسرائيل للعمل مع أنظمة الحكم الخليجية وعن دعم هائل للقضية الفلسطينية في سائر الشرق الأوسط وخارجه.

في الوقت نفسه، تقوم في إسرائيل أشد الحكومات صقورية منذ خمسة وسبعين عاما وقوامها تحالف مضطرب يعتمد على ثلاثة أحزاب أصولية. لكن في حال بقاء حماس على نشاطها، من المرجح أن أحزاب اليمين المتطرف سوف تسحب دعمها، وأن بنيامين نتانياهو لن ينجو من ذلك. ورغبة رئيس الوزراء في مواصلة دوره كافية لضمان الاستمرار في الهجوم الإسرائيلي.

وللجيش الإسرائيلي أيضا مصلحة في مواصلة هذه الحرب. ذلك أن إخفاقاته العسكرية نالت من مكانته في الشرق الأوسط كله، وتعلم قيادته أن أفضل سبيل إلى استرداد هذه المكانة هو تحقيق نصر ما. ومشكلة قادة الجيش ونتانياهو هي أن الحرب لا تزال غير مطابقة للخطة. فحصيلة موتى الجيش الإسرائيلي لا تزال بالمئات القليلة، لكن ثمة أكثر من ألف مصاب بإصابة بالغة بين القوات، وأغلب الإصابات تبلغ درجة تغيير الحياة.

وحتى في الوقت الراهن، تعيد حماس بناء وحداتها شبه العسكرية في منطقة شمال غزة التي يزعم الجيش الإسرائيلي منذ شهور أنه مسيطر عليها. في يوم الأحد تردد أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قصفت مواقع عسكرية إسرائيلية في شرق مدينة غزة، في حين أطلقت (حركة المجاهدين الفلسطينية) صواريخ على مواقع إسرائيلية في جنوب شرق المدينة. قد تكون هذه الهجمات أصغر كثيرًا مما كانت عليه في بداية الحرب، لكنها تظهر أن حماس لم تزل أشد مرونة بكثير مما هو متوقع. فحتى في الوقت الراهن، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من التعرف على أغلب شبكة أنفاق حماس، ولم يستطع تحرير أكثر من ثلاثة رهائن من جملة ما يزيد على مائة رهينة متبقين.

في الوقت نفسه، ماذا عن السؤال الآخر: موقف إدارة بايدن؟ قد تكون هناك رسائل متزايدة القوة موجهة إلى نتانياهو للحد من الخسائر الفلسطينية، لكنها لم تجد نفعا. فكأنما الإسرائيليون يعلمون أن بوسعهم تجاهل بايدن دونما عواقب تترتب على ذلك.

من المؤكد أن اللوبي الإسرائيلي شديد القوة في واشنطن، وصلات البنتاجون بإسرائيل عميقة. وقد قويت بشدة عند طلب نصيحة إسرائيل حينما ساءت حرب العراق بشدة في عام 2003، وحتى في الوقت الراهن ثمة قوات أمريكية مقيمة إقامة دائمة في إسرائيل لإدارة منشأة رئيسية للإنذار المبكر بالرادار. وقد ساعدت الولايات المتحدة في إقامة (بلدلة) وهي «بلدة» عربية دائمة للتدريب العسكري. وتدفُّق المعدات إلى إسرائيل في الوقت الراهن هائل الحجم، وعظيم الربح لآلة الصناعة العسكرية الأمريكية.

وجماعة الضغط الإسرائيلية الأساسية أي (لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية آيباك) شديدة الفعالية لكن هنا أيضا منظمات يهودية أمريكية من قبيل جماعة (جيه ستريت) في واشنطن، وهي شديدة السخط على الوجهة التي تمضي إليها الحرب. والغائب حقا من الفهم لموقف بايدن هو المنفعة التي تجنيها إسرائيل من دعم الصهاينة المسيحيين في الولايات المتحدة.

من بين قرابة مائة مليون مسيحي إنجيلي في الولايات المتحدة، ثمة أقلية قوية تتشبث بإيمان بأن إسرائيل جزء جوهري من خطة الرب المسيحي لنهاية الزمان. إذ يعتقد كثيرون أن أرض إسرائيل سوف تشهد المعركة النهائية بين الخير والشر، وأن جزءا من خطة الرب لإسرائيل هو أن تكون دولة يهودية. ومن المرجح أن يصوت المسيحيون الإنجيليون أكثر من غيرهم، والصهاينة المسيحيون أرجح تصويتا للجمهوريين. وهذا وحده لا يبشر بخير لإنهاء الحرب مبكرا، وهو ما يزيد من أهمية أن ينطق حلفاء الولايات المتحدة ببعض الحقيقة في وجه القوة.

وها نحن بدأنا نرى أول الغيث في هذا السبيل. فديفيد كاميرون يقول إن إسرائيل «يجب أن تتوقف لتفكر بجدية» قبل اتخاذ أي إجراء في رفح، وألمح منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تعيد التفكير في المساعدة العسكرية لإسرائيل. لكن لا يزال يلزمنا الكثير، وبسرعة، حتى يتسنى تفادي كارثة أشد.