بعد ضربة إسرائيل.. هل تواصل قطر وساطتها في غزة؟

17 سبتمبر 2025
17 سبتمبر 2025

سانسوم ميلتون 

ترجمة - بدر بن خميس الظفري 

الهجوم الإسرائيلي هذا الشهر على فريق التفاوض التابع لحركة حماس في الدوحة، الذي كان مجتمعًا لمناقشة مقترح وقف إطلاق النار الأخير الذي قدّمته إدارة ترامب، فشل في تحقيق هدفه بالقضاء على قيادة الحركة. 

لكن الهجوم أودى بحياة ستة أشخاص، بينهم رجل أمن قطري، وغيّر بصورة لا رجعة فيها هيكل الوساطة الدولية بشأن غزة ـ ولا سيما الدور القطري- مع تزايد التقارير عن احتمال تعليق الدوحة لجهودها في الوساطة. 

مثل هذه الخطوة لن تكون مفاجئة ولا غير مبرّرة. فقد هدّدت قطر سابقًا بالانسحاب من جهود الوساطة متعددة الأطراف وسط الجمود العام الماضي، لكن المفاوضات استمرت رغم استمرار القصف الإسرائيلي اليومي على غزة. 

وبعد الضربة الإيرانية على قاعدة العديد الجوية في يونيو الماضي، ردًا على هجمات أمريكية استهدفت منشآت نووية في إيران، عززت قطر التزامها بالدبلوماسية، وتوسّطت في اتفاق بين إيران وإسرائيل ما زال صامدًا حتى الآن. غير أن الضربة الإسرائيلية للدوحة تختلف تمامًا. 

فالضربة الإيرانية في يونيو جرت ضمن سيناريو مدروس وبعلم مسبق من الدوحة، حتى أن المحلل كريستيان كوتس أولريشسن علّق بأن «قطر ضحّت بنفسها من أجل المجموعة» وساعدت على خفض التوتر. لكن رغم الادعاءات بأن قطر كانت على علم مسبق بهجوم 9 سبتمبر الإسرائيلي، يؤكد المسؤولون القطريون أنهم أُبلغوا فقط أثناء إلقاء المقاتلات قنابلها. 

وخلال السنوات الأخيرة، صقلت الدوحة دورها كعاصمة دبلوماسية إقليمية، فوافقت على استضافة مكاتب لحركة حماس وطالبان بطلب من الولايات المتحدة. وهذا ما يجعل تقاعس واشنطن عن منع الضربة الإسرائيلية مقلقًا للغاية. 

الاختلاف الجوهري هذه المرة هو انهيار الثقة داخل فريق الوساطة متعدد الأطراف في محادثات وقف إطلاق النار. فقد عملت قطر ومصر والولايات المتحدة لسنوات على الانخراط البنّاء في محادثات ضمت إسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية حول قضايا خفض التصعيد والوصول الإنساني، رغم تباين مصالحهم الجيوسياسية. وأي دعم ضمني لهجوم على طرف مشارك في الوساطة يعد تجاوزًا للخطوط الحمراء، ويهدم الأساس الذي يقوم عليه هذا المسار. 

على المدى القصير، حتى إذا انسحبت قطر رسميًا من موقع الوسيط، ستظل مشاركتها في التسهيل ضرورية طالما بقي وفد حماس في الدوحة، وطالما هناك مساعٍ دبلوماسية ـ ولو محدودة ـ للتوصل إلى وقف إطلاق النار. 

وعلى المدى الأبعد، من المرجح أن يُطلب من قطر العودة إلى طاولة الوساطة بعد فترة من التهدئة، ما لم ينتقل قادة حماس إلى طهران أو غيرها، وهو ما سيعقّد مهمة التواصل معهم بالنسبة للعالم، لذلك هناك ثلاث أولويات عاجلة: 

أولًا: لا يجب أن تنجح إسرائيل في إفشال مفاوضات وقف إطلاق النار. ورغم أن المقترحات الحالية باتت في حكم الميتة، إلا أن الدفع باتجاه استئناف المفاوضات ينبغي أن يكون أولوية. فوقف إطلاق النار لشهرين مطلع العام منح بعض الهدوء لمليوني فلسطيني عالقين في إبادة بطيئة. ولم يكن هذا التوقف ممكنًا، إلا بضغط أمريكي مباشر على إسرائيل. ومع إعلان المجاعة مؤخرًا في غزة، واستمرار حملة التدمير في مدينة غزة، فإن الأوضاع الإنسانية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. 

ثانيًا: الهجوم يثير أسئلة جوهرية حول مستقبل الدبلوماسية الإقليمية. فإذا لم يكن وفد حماس آمنًا في الدوحة ـ التي تُعد واحدة من أكثر المدن أمانًا في العالم ـ فأين يمكنه أن يجد ملاذًا إقليميًا؟ الهجوم لم يقع بمعزل، بل جاء ضمن سلسلة من الضربات الإسرائيلية المتصاعدة في المنطقة، من فلسطين ولبنان إلى سوريا واليمن. 

كما يضع هذا سابقة خطيرة للوساطة الدولية عامة: إذا أصبحت أماكن التفاوض المحايدة أهدافًا مشروعة، فإن هذا يغيّر قواعد اللعبة بالكامل لمساعي حلّ النزاعات في المستقبل. 

ثالثًا: الهجوم حطم الافتراض السائد منذ زمن بأن وجود قاعدة عسكرية أمريكية يكفي لحماية قطر من أي اعتداء على أراضيها. دول الخليج مضطرة الآن لإعادة النظر في اعتمادها على القوة الأمريكية كدرع ضد أي تهديد، سواء أتى من إيران أو من إسرائيل. 

إن عدوان إسرائيل الأخير غيّر بشكل تام قواعد اللعبة مع أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فيما تواصل وسائل الإعلام الإسرائيلية التحريض ضد تركيا ـ وهي حليف أمريكي وعضو في الناتو ـ ويطلق رئيس الكنيست تهديدات غير مسؤولة ضد المنطقة بأسرها. 

 سانسوم ميلتون زميل أبحاث أول في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة، وعضو هيئة تدريس مساعد في معهد الدوحة للدراسات العليا، وزميل بحثي سابق في جامعة يورك البريطانية.