بريطانيا وتصنيف حركة حماس

28 نوفمبر 2021
28 نوفمبر 2021

لا خلاف على أنّ أكبر الإنجازات التي حققتها المقاومة الفلسطينية عامة وحركة حماس خاصة هو نيل وتزايد الدعم الشعبي الغربي للقضية الفلسطينية خاصةً في بريطانيا؛ فلم يسبق أن عرفت القضية الفلسطينية دعمًا مشابهًا في بريطانيا منذ عقود مثل الدعم الحالي، الذي بدا جليًا خلال المظاهرات التي خرجت مؤيدة لفلسطين خلال معركة "سيف القدس" في شهر مايو الماضي.

لم يقتصر التأييد البريطاني على المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين فقط؛ فقد ظهرت مقالات كثيرة تؤيد الحق الفلسطيني، منها مقالٌ لديفيد هيرست، الإعلامي البريطاني البارز ورئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، الذي انتقد بشدة صمت الاتحاد الأوروبي إزاء هدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة، وعملها الدؤوب على وأد مشروع الدولة الفلسطينية، وذلك في مقال نشره منتصف يوليو الماضي قال فيه: "إنّ الاتحاد الأوروبي يواصل سياسة غض الطرف عن جرائم إسرائيل، وإنّ أولئك الذين يغضّون الطرف عن جرائم الاحتلال الفظيعة تلك يتحملون المسؤولية عنها تمامًا كما يتحملها أولئك الذين يرتكبونها"، واعتبر أنّ ما يحدث في فلسطين من جرائم هو نتاج لصمت الاتحاد الأوروبي وغيره من القوى الدولية عن تلك الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال.

وفي الوقت الذي ارتفع فيه التأييد الشعبي الأوروبي للفلسطينيين، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "يوجوف" البريطاني - الذي يُعدّ واحدًا من أكبر شبكات البحث في العالم - تراجع شعبية إسرائيل في عدد من الدول الأوروبية بعد التصعيد في قطاع غزة، حيث انخفض معدل التفضيل الصافي للدولة 14 نقطة في جميع البلدان التي شملها الاستطلاع؛ وهي: بريطانيا وفرنسا والدانمارك وألمانيا والسويد، ويعد هذا التصنيف - حسب المركز - الأدنى لحجم التأييد لإسرائيل داخل بريطانيا منذ عام 2016، وهو أدنى تصنيف للقبول بين الفرنسيين منذ مايو 2019.

إزاء وضع كهذا، لم يكن أمام الحكومة البريطانية إلا أن تتخذ قرارًا يحظر حركة حماس، ويصنّفها حركةً إرهابية، بعدما أعلنت بريتي باتيل وزيرة الداخلية البريطانية يوم الجمعة التاسع عشر من نوفمبر أنها قدّمت مشروعًا في البرلمان البريطاني لتعديل الفصل الثاني من قانون الإرهاب لعام 2000، لحظر حركة حماس بالكامل، بما في ذلك جناحها السياسي، مدعيةً أنّ حماس تملك "قدرات إرهابية كبيرة، بما في ذلك وصولها إلى أسلحة خطيرة ومتطورة، بالإضافة إلى مرافق لتدريب الإرهابيين... لكن التصنيف الحالي لحماس يميّز بشكل مصطنع بين أجنحة الحركة" في إشارة منها إلى الحظر المفروض أصلا على كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة. ورأت أنه "من الصواب تحديث تلك القائمة لتعكس هذا التعديل".

إنّ تصريح وزيرة الداخلية البريطانية عن إرهابية حركة حماس، هو خير دليل على أنّ الحركة في طريقها الصحيح، لأنّ بديهية الأمور تقول: إذا كانت الدول الغربية تقف ضد حركة ما أو دولة ما أو شخص ما، فغالبًا تكون هذه الحركة أو الدولة أو الشخص على حق؛ والأمثلة كثيرة عبر التاريخ، ولم تصل حركة حماس إلى هذه المرتبة إلا بصمودها في الأرض أمام جحافل القوات الصهيونية؛ وليس مستغربًا أن يكون الموقف البريطاني تجاه حماس بهذه الشاكلة؛ فالدولةُ التي أعطت وعدًا بإقامة وطن لليهود في فلسطين وسعت إلى تحقيق ذلك، لن يكون موقفُها مؤيدًا لحقوق الشعب الفلسطيني، ولن تؤيد المقاومة ضد دولة الاحتلال، ولكن المستهجن في هذا الأمر أن يلقى القرار البريطاني هوى في نفوس بعض الدول العربية المهووسة بشيء اسمه "الإخوان المسلمون". وفي الواقع فإنّ القرار البريطاني هو ضد المقاومة الفلسطينية، وليس له علاقة بتوجّه الحركة، بمعنى أنه لو كانت حماس حركة يسارية أو شيوعية أو قومية أو غير ذلك من التوجهات، ولكنها صمدت في مقاومتها لإسرائيل، ستصنّف حتمًا بأنها حركة إرهابية؛ فالمقصود هو المقاومة والصمود ضد الكيان الصهيوني؛ لذا كان من الطبيعي أن ترحب حكومة الاحتلال الإسرائيلي بهذا القرار، وتعتبره جهدًا مشكورًا من حكومة بوريس جونسون، كما كان من الطبيعي أن تدينه حركة حماس وتصفه بأنه "ينصر المعتدي على المظلوم".

ويبقى السؤال الأبرز هو ماذا عن التبعات القانونية لقرار حظر حركة حماس وتصنيفها حركة إرهابية داخل بريطانيا؟ المتوقع ألا يؤثر القرار تأثيرًا مباشرًا على حماس، إلا إذا كانت هناك متابعة أمنية في حق قادة الحركة إذا كانوا في أوروبا، لكن الدكتور صباح المختار رئيس مركز جنيف الدولي للعدالة - الذي يرأس أيضًا جمعية المحامين العرب في بريطانيا – يرى في حديثه للجزيرة نت، أنّ أخطر ما يكون في مثل هذه القرارات هو "تجريم الدعم"، بأي شكل من الأشكال، وسوف يضيّق القانون بشكل كبير على أيّ نشاط للحركة في بريطانيا - إن كان موجودًا أصلا -.

إذًا مع التعاطف الكبير مع القضية الفلسطينية، الذي بدأ يظهر بقوة في أوروبا وفي بريطانيا بالذات، فإنّ الهدف من إصدار هذا القانون هو التضييق على المتعاطفين مع حماس ومع القضية الفلسطينية، إذ يصبح المتعاطف تحت طائلة القانون، وبالتالي فإنّ القرار يهدف أيضًا إلى منع تمويل الحركة من قبل الأعضاء أو المتعاطفين، خاصة أنّ هناك مؤسسات إنسانية وخيرية بريطانية تعمل في غزة، مما يطرح سؤالا هو كيف سيتم التعامل مع هذه المؤسسات، ومع الأشخاص الذين يسافرون إلى هناك؟

في كلّ الأحوال فإنّ من الواضح الآن، أنّ الصمود والثبات على المبدأ، والالتزام بالمقاومة هو السبيل الوحيد لنيل الاعتراف الدولي، يبدأ التأييد في البداية شعبيًا ثم تتغير الأمور؛ وقانون إجرام حماس هو مجرد ردة فعل على تزايد الدعم الشعبي البريطاني للقضية الفلسطينية.

ومهما يكن من أمر، فإنّ الوقوف مع المقاومة ضد العدو المحتل واجبٌ ديني وقومي ووطني وإنساني. وحماس هي حركة مقاومة لم نشهد لها إجرامًا أو إرهابًا ضد البشرية أو نشاطًا مسلحًا خارج فلسطين المحتلة، ولا ينبغي الالتفات إلى بعض المواقف ضد الحركة، بحجة أنها مدعومة من إيران؛ فواجبُ العرب أساسًا هو دعم المقاومة ضد إسرائيل بدلا من لوم إيران التي قامت بواجبها، كما أنه لا ينبغي التركيز على الأخطاء التي تصدر من بعض الحركات المُقَاوِمة، لأنّ تلك أمور جانبية يجب ألا تؤثر في الخط العام للمقاومة. ولا يفوتني هنا أن أعيد ما سبق وأن كتبته أكثر من مرة، أنه إذا كان من خطأ استراتيجي وقعت فيه حركة حماس فهو تخليها عن سوريا، الداعم الحقيقي لها وللمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.