بالشباب ومعهم نبني المستقبل

25 يونيو 2022
25 يونيو 2022

يكشف تقرير (مستقبل الشباب العالمي ما بعد الوباء)، الصادر عن الشبكة الإعلامية الأوروبية (Euractiv)، عن تأثيرات الوباء على فئة الشباب، وإمكانات الدول في استيعاب أفكار الشباب وطموحاتهم المستقبلية، وقدرتهم على البناء وإحداث التغييرات التنموية التي تنشدها الرؤى الوطنية، وبالتالي إمكاناتهم في فهم التحديات المعاصرة وتحويلها إلى فرص.

يخبرنا التقرير أن «76% من الشباب المستجيبين (للاستبيانات) يشعرون بالإيجابية تجاه مستقبلهم، وأن 91% يريدون تحقيق أقصى استفادة مما سيأتي بعد عام 2020 وبعد الجائحة»، وهو مؤشر مهم على إيجابية الشباب وقدرتهم على التفاعل مع المعطيات الحالية، فبعد أن نبهت تقارير دولية عن المخاطر التي تُهدد الدول، والتي جعلت من بينها (خيبة أمل الشباب)، والتي كانت من أهم تلك المخاطر، فإن (Euractiv) تعتقد أن هناك فرصا متاحة لجيل الشباب لم تكن متوفرة للأجيال التي سبقتها، والأمر هنا يتعلق بتلك الفرص التي أتاحتها الجائحة، وذلك الانفتاح التقني والتطور التكنولوجي المتسارع على نحو غير مسبوق.

فعلى الرغم من تلك التأثيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي مرَّت بها فئة الشباب بشكل خاص أثناء الجائحة وتداعياتها، إلاَّ أن الجائحة نفسها فتحت أمامهم فرصا للوظائف الإبداعية والتقنية، والتدريبية ؛ ففي استطلاع (Euractiv) أن «60% من الشباب الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أنهم سيكافحون ماليا في المستقبل، بينما يعتقد 76% أن جيلهم سيكون أفضل تعليما من الأجيال السابقة»، مما يشير إلى نظرة الشباب المستقبلية وقدرتهم على تخطي التحديات إذا وجدوا البيئة المجتمعية المناسبة، وإذا تمكنت الدول من مساعدتهم على تخطي المرحلة.

والحق أن سلطنة عمان من الدول التي تهتم بالشباب وتعوِّل عليهم في تأسيس آفاق المستقبل ورؤاه من ناحية، وتنفيذ الخطط الوطنية من ناحية أخرى، ولهذا فقد كانت من أوائل الدول التي اعتمدت على أفراد المجتمع ومؤسساته في إعداد الرؤية الوطنية (عمان 2040)، وقد خصَّت فئة الشباب بأهمية كبرى باعتبارها الفئة المستهدفة للرؤية، ومنها كانت الدعوة إلى الاهتمام بآراء الشباب ومبادراتهم. ولعل ما نتابعه من اجتماعات وورش في المحافظات العمانية بين أصحاب القرار في الدولة والشباب، وما يقدمونه من مقترحات ومبادرات تُسهم في تطوير العمل في المحافظات، وتدعم طموحاتهم، لهو دليل على ذلك الاهتمام الذي توليه الدولة لهذه الفئة المهمة من المجتمع.

ولأن الدولة استثمرت في شبابها جيلا بعد آخر منذ بداية النهضة الحديثة، فإن رأس المال البشري في عُمان يتميز بالانفتاح والتطوير والتنوع، وهذا ما وجدناه واضحا في كل مبادرة يتقدم إليها الشباب أو يتنافسون فيها، فما أبرزته (جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري) من تصاميم معمارية مثلا، أحد الأدلة على تلك الطاقات الشبابية التي يمكن أن تُسهم مساهمة كبيرة وفاعلة إذا أُتيحت لهم الفرصة، وإذا كانت المؤسسات على ثقة بالقدرات الوطنية، والإمكانات التي يمكنها أن تُقدمها، سواء في مجال المعمار أو المجالات الإبداعية الأخرى.

إن الشباب باعتبارهم قوة إيجابية فاعلة في بناء مستقبل الدولة، يحتاجون إلى توفير الفرص المواتية للعمل الإبداعي، فمن نتائج لقاءات المحافظات والمختبرات الشبابية سنجد الكثير من المبادرات التطويرية المنبثقة من الرؤية الوطنية، والتي يمكن أن تُشكِّل حافزا مهما لقدرات الشباب وتمكينهم من ناحية، وإسهاما في تطوير الخدمات والمرافق في المحافظات، وتأكيد الثقة بين المؤسسات والشباب من ناحية أخرى، ولن يتحقق ذلك سوى باتخاذ الوسائل والسُبل لتنفيذ تلك المقترحات والمبادرات التي تحقق أهداف الرؤية الوطنية، وفقا لاحتياجات كل محافظة ومتطلبات الشباب فيها.

ولأن الشباب يمثلون قيمة تنموية خاصة في المرحلة الحالية التي تشهد تحولات جوهرية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، بسبب تداعيات الجائحة وآثارها على هذه الفئة بشكل خاص، إضافة إلى التغيرات الاقتصادية التي شكَّلت تحديا كبيرة أمام الشباب، فإننا سنجد أن تجمعا شبابيا ضخما يتشكل فيما أُطلق عليه بـ (التجمع العالمي للشباب GYM)؛ وهي مؤسسة تضم تحالف كبريات المنظمات الشبابية في العالم، والتي تضم (250) مليون عضوا، بدعم سخي من قِبل الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، وهي مؤسسة تقود مبادرة تهدف إلى «دعم الشباب لتشكيل الجهود الرامية إلى التحكم في مسار جائحة كوفيد 19، والمشاركة الإيجابية في الحد من تأثيراتها»- حسب ما جاء في الموقع الإلكتروني للمؤسسة.

لقد تضمنت هذه المبادرة (عقد مؤتمر عالمي للشباب في أبريل 2021)، كما تقدمت المنظمات الداعمة بـ «دعم قيمته (5 ملايين دولار) لدعم المنظمات الشبابية، وتقديم منح للحلول التي يقودها الشباب»، كما دعت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة الاستثمار في مستقبل الشباب، وإشراكهم في إيجاد الحلول المستدامة التي تُسهم في ازدهار الدول بعد الجائحة، وهو ما أشار إليه (الدكتور تيدروس أدحانوم جيبريسوس) مدير عام المنظمة الذي اعتبر أن هذه المبادرة «فرصة فريدة للتعلم من مئات الملايين من الشباب والاسترشاد بحلولهم المستدامة لمساعدة المجتمعات المحلية على إعادة البناء بشكل أفضل بعد الجائحة»- كما ورد في موقع المؤسسة.

وفي التقرير (المرحلي) للمؤسسة الصادر في فبراير 2022، بعنوان (الشباب يقودون الحد من تداعيات كوفيد19 والتعافي منه)، تمت مناقشة تلك التحديات التي تواجه الشباب بعد الجائحة وكيفية تخطيها، بل وتحويلها إلى فرص يُستفاد منها على المستوى التنموى للدول، ولهذا فإن التقرير يوصي بأهمية (دعم الصحة النفسية للشباب)، و(المشاركة الفاعلة في صنع القرار)، و(الحصول على التعليم المناسب)؛ وهي توصيات أساسية في تمكين الشباب، ودعم تطلعاتهم المستقبلية، وضمان مشاركتهم الإيجابية في بناء أوطانهم.

ولعل هذا النموذج الذي نقدمه هنا ليس سوى واحد من المبادرات العالمية التي تدعمها الدول والمنظمات التي تعتقد بأهمية الشباب ودورهم الفاعل في المجتمع، وليس دور منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلم (اليونيسكو) والمنتديات الشبابية التي تعقدها ببعيد عن ذلك. ولأن عُمان واحدة من تلك الدول التي تجعل من الشباب عماد التنمية الأساسي، فإن وجود مبادرات وطنية تتبناها منظومة الشراكة الوطنية في الدولة، المتمثلة في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني؛ حيث تقود تطلعات الشباب وآفاق مستقبلهم خاصة بعد الجائحة، يُعد من الأولويات الداعمة لتحقيق الرؤى الوطنية، وتأسيس جيل واعد، قادر على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص تنموية مستدامة؛ فالمبادرات التنموية الشبابية كفيلة بتقديم دعم للصحة النفسية للشباب وما يواجهونه من صعوبات أثناء الجائحة في الأعوام الماضية؛ حيث تُوجِد لهم متنفسا للعمل والمشاركة الفاعلة، وكفيلة كذلك بإيجاد البيئة المناسبة للشباب للمشاركة في صنع القرار، إضافة إلى تلك الجهود التي تقدمها الدولة في مجال التعليم وإتاحة فرصه.

إن الشباب بوصفهم عماد الوطن وبُناة مستقبله المشرق، يتطلعون دوما إلى مزيد من الفرص التي تدعم توجهاتهم وتهيئ البيئة المناسبة لهم من أجل المشاركة الفاعلة في تحقيق الأهداف التنموية الوطنية. ولعل المطلِّع على تقرير الأمم المتحدة (شباب 2030.تقرير التقدم العالمي)، والذي يكشف التقدم العالمي في تنفيذ (استراتيجية الأمم المتحدة للشباب 2030. العمل مع الشباب ومن أجلهم)، سيجد أن الشباب لا يشكلون مستقبل الأمم وحسب بل الحاضر الذي يمثل الحصن الحصين الذي يقف في مواجهة الأزمات ويتصدى للخطر من أجل الدفاع عن وطنه وحفظ مكتسباته، والعمل على تنميته وتنفيذ خططه الحالية، لتكون نافذة للآفاق المستقبلية وجسرا لا ينقطع لتنميته المستدامة.

إنهم الشباب الذين يجعلون من الأحلام حقيقة، والذين يدعو سلطان هذا الوطن وقائده- حفظه الله ورعاه- في خطبه وكلماته إلى الاستفادة القصوى من قدراتهم وطاقاتهم. فلنثق بهم، ولنمكِّنهم من آفاق الإبداع والابتكار ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.