انتقاد سياسة دولة ما حقٌ أساسي ولا يمكن اعتباره إشادة بالإرهاب

07 مايو 2024
07 مايو 2024

باتريك بودوان، روني برومان، جون بول شانيولو، إفلين سير ماران، أنطوان كونت

ترجمة: حافظ إدوخراز

اشترك رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون بصحبة العاهل الأردني عبدالله الثاني ورئيس الجمهورية المصرية عبدالفتاح السيسي في كتابة مقال نُشر في صحيفة لوموند في الثامن من أبريل الماضي. لقد رحّب البعض بالمقال متنهّدًا كأنه يقول «وأخيرًا»، بينما شعر آخرون ربما بالأسف. غير أن جميع النساء والرجال ذوي النّوايا الحسنة لن تدور أفكارهم سوى حول شيءٍ واحد: ربما تتوقّف المذابح، وربما تنتصر الإنسانية أخيرًا في خضمّ كل هذا الرعب الذي لا نهاية له.

وذلك لأن المقال قد أعاد وضع القانون الدولي في صلب القضية الإسرائيلية الفلسطينية من خلال التأكيد على احترام حياة الجميع وإدانة كافّة انتهاكات القانون الدولي الإنساني والمجازر التي عاينها الجميع منذ السابع من أكتوبر 2023. ويذكّرون أن مطلبهم بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة يستند إلى قراري مجلس الأمن رقم 2720 و2728، واللذين يطالبان جميع الأطراف بالتزام ذلك.

وإلى جانب إعلان رؤساء الدول الثلاث بخصوص الاحترام الضروري للقانون الإنساني الدولي، يتناول المقال كل ما ظلّ غائبا عن الأنظار طيلة عقود في هذه المنطقة الممزّقة: «إننا نحثّ على وضع حدٍّ لجميع التدابير أحادية الجانب، وخاصة الأنشطة الاستيطانية ومصادرة الأراضي. كما نحثّ إسرائيل على لجم المستوطنين والتصدّي لعنفهم. ونؤكد على ضرورة احترام الوضع التاريخي والقانوني الرّاهن للأماكن المقدّسة عند المسلمين والمسيحيّين في القدس».

وأخيرا، ومن خلال الدعوة إلى حلّ الدولتين وفقًا لما ينصّ عليه القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن رؤساء الدول الثلاث يؤكّدون بشكل قاطع على أن القانون الدولي هو العلاج الوحيد للكراهية والحل الوحيد من أجل بناء السلام.

ماذا نقول إذن بعد ذلك على كل هذه المقالات والبيانات والمنشورات التي تستند إليها جميع الإجراءات القضائية التي تقوم بها النيابة العامة لمتابعة أصحابها بتهمة «الإشادة بالإرهاب»؟ والتي لم تعدُ بدورها أن أشارت، ولو بطريقة طائشة وحادّة أحيانا لكن في حدود العاطفة المشروعة، إلى انتهاكات القانون الدولي. ذلك القانون الذي أكّدت عليه فرنسا ودعمته منذ عقود عدّة داخل منظمة الأمم المتحدة.

هل كان ينبغي تقويض حريّة التعبير، حتى لو كانت مفرطة أو مستفزّة للبعض، من خلال هذه الإجراءات، على الرّغم من أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تمثّل بوصلتنا القانونية والقضائية في أوروبا، قد صنّفت دائمًا هذه الحرية ضمن الرّكائز الأساسية للمجتمع الديمقراطي، مذكّرةً في قرارها الصادر في 11 يونيو 2020، بأن «حرية التعبير تشكّل إحدى الركائز الجوهرية للمجتمع الديمقراطي وأحد الشروط الأساسية لتقدّمه. وهي لا تنطبق فقط على المعلومات أو الأفكار التي يتم تلقّيها بشكل إيجابي أو تلك التي تعدّ غير مؤذية أو لا يبالي بها أحد، ولكن أيضًا على تلك التي تؤذي أو تصدم أو تقلق. وهذا ما يستدعي التعدّدية والتسامح وروح الانفتاح، التي لا وجود لمجتمعٍ ديمقراطي بدونها».

أين تمضي الديمقراطية الفرنسية إذن؟ بعد الاعتداءات المتعدّدة على حرية التجمّع والتظاهر، وبعد التصويت لصالح القوانين التي تحمّس لها التجمّع الوطني [حزب يميني متطرف في فرنسا/ المترجم] وكان ملهمًا لفلسفتها، هل كان من الضروري أيضًا الاعتداء على الحريات الأساسية التي هي ركيزة المجتمع الديمقراطي، والتي لا يجب أن يحدّها سوى الحاجة إلى إقصاء الدعوات البغيضة للعنف والكراهية؟

كيف ستكون قيمة صوت فرنسا على الساحة الدولية حينما تضع هي نفسها شرطة على الأفكار لتجرّم معانيها وتلاحق أصحابها؟

إن قانون عام 2014، عبر إزالته لتهمة الإشادة بالإرهاب المرتكبة علنا من قانون حرية الصحافة لعام 1881 ودمجه في إطار المسطرة القضائية العامة، يكشف اليوم عن وظيفته الحقيقية: القفز على الحواجز التي وُضعت من أجل حماية الفكر منذ ما يزيد عن قرنٍ من المناقشات الجمهورية، واستبعاد تعليمات الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتي كثيرا ما تذكّر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان -لفرنسا على وجه الخصوص- بأن المادة العاشرة من الاتفاقية «لم تعد تترك مجالا للقيود على حرية التعبير في مجال الخطاب السياسي».

تتم هذه المساطر الخاصة بتهمة الإشادة بالإرهاب في إطار تحقيقات أولية مع جلسة استماع حرة تتعلق فقط بالجرم المعني. ويكتشف الشخص الذي يتم الاستماع إليه، مع إمكانية حضور محاميه، التصريحات المنسوبة من خلال أسئلة ضابط الشرطة الذي يكشف عن موضوع المتابعات بالاستناد إلى كلمات مكرّسة في القانون الدولي: الاستعمار، والاستيلاء على الأرض في الأراضي المحتلة، ومقاومة الاحتلال، وإدانة الجرائم المرتكبة. إن التعليمات التي تصدر عن وزارة العدل للنيابة العامة من أجل متابعة مثل هذه التعليقات إنما هي امتهانٌ للنصوص الدولية التي تمّ إدماجها في القوانين الفرنسية.

يعدّ انتقاد سياسة دولة ما، بما في ذلك سياسة فرنسا التي يبدو أنها قد نسيت المبادئ التي طالما دافعت عنها، حقًّا أساسيا معترفا به للمواطنين في أي نظام ديمقراطي. ولا يمكن أن يعدّ إشادةً بالإرهاب لسبب واضح وهو أن رئيس الدولة الفرنسية وأولئك الذين وقّعوا معه على المقال إنما استندوا إلى أسس القانون الدولي، والتي لم يعدُ كثير من المتابَعين في إطار هذه المساطر عن أن ذكّروا بها.

من الجيّد أن نتذكّر العبارة التي قالها الكاتب فيكتور هوجو أثناء المناقشات حول قانون الصحافة -«سيادة الشعب، والاقتراع العام، وحرية الصحافة هي ثلاثة أشياء متطابقة»- لكي نتساءل بوضوح حول ما تفتقده الديمقراطية الفرنسية اليوم.