الهجوم الإيراني على إسرائيل والردع الاستراتيجي

16 أبريل 2024
16 أبريل 2024

منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الخميني عام ١٩٧٩، والعداء الإيراني الإسرائيلي متواصل في ظل قواعد الاشتباك خارج أراضي إيران وأيضا الكيان الصهيوني، ورغم ذلك قامت إسرائيل من خلال جواسيسها وأذرعها بعمليات اغتيال لعدد من علماء الذرة الإيرانيين داخل إيران وخارجها، علاوة على تحريض واشنطن لدخول حرب مفتوحة خاصة على صعيد موضوع الملف النووي الإيراني. كما أن الهجمات على المصالح الإيرانية في سوريا تواصلت. ومن هنا كان التعامل الإيراني إلى حد كبير موضوعي ومن خلال القنوات الديبلوماسية وعلى مستوى الأمم المتحدة، ورغم ذلك تمادى الكيان الصهيوني وارتكب حماقة كبيرة من خلال قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو الأمر الذي يعد تعديا سافرا وخرقا لاتفاقية جنيف فيما يخص حرمة المواقع الديبلوماسية للدول.

ذلك الفعل الأحمق من نتانياهو وحكومته المتطرفة كسر قواعد الاشتباك وجعل القيادة الإيرانية في موقف يحتاج إلى رد العدوان الصهيوني. كما أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة لم يصدر عنها إدانة صريحة للسلوك الإسرائيلي المشين. ومن هنا فإن إيران توصلت إلى قناعة راسخة بأن كسر قواعد الاشتباك وإيجاد ضرورة إستراتيجية للردع أصبح جزءا من الكرامة الوطنية لإيران والحفاظ على مصالحها. ومن هنا جاءت الضربة الصاروخية الإيرانية الأولى من الأراضي الإيرانية مباشرة إلى الكيان الصهيوني من خلال إطلاق عشرات المسيرات وصواريخ كروز وكان الهدف الاستراتيجي الإيراني ليس القتل والتدمير ولكن إيصال رسالة واضحة إلى الكيان الصهيوني وأيضا للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بأن إيران تستطيع الهجوم على الكيان الإسرائيلي، وأن ذلك قد يقود إلى حرب إقليمية كما أن استهداف عدد من القواعد العسكرية الإسرائيلية كان من الأهداف الاستراتيجية، خاصة وأن تلك القواعد انطلقت منها الصواريخ التي دمرت القنصلية الإيرانية في دمشق. ومن هنا فان الهجوم الإيراني بصرف النظر عن النتائج قد حقق الأهداف الاستراتيجية لإيران وأصبحت مسألة الردع حقيقة واقعة حيث لم يعد مقبولا من الآلة الصهيونية أن تضرب المصالح الإيرانية حتى خارج إيران دون رد عسكري، وهذا بلا شك خطوة هامة وحيوية لصناع القرار في إيران، وإذا نفذت إسرائيل ضربة عسكرية ضد إيران فإن طهران لن تتردد في توجيه ضربة عسكرية مؤلمة للكيان الصهيوني، كما صرح بذلك عدد من المسؤولين في إيران.

إذن الهجوم العسكري الإيراني على الكيان الصهيوني أفرز جملة من المعطيات أولها أن الكيان الإسرائيلي أضعف من أن يدافع عن نفسه منفردا بل كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا هي التي دافعت عن الكيان الصهيوني، والتصدي لكثير من المسيرات خارج سيطرة الكيان الإسرائيلي، وهذا يعطي مؤشرا على هشاشة الكيان الصهيوني بعد الهجوم الكاسح للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي والتي تلقى من خلالها الكيان الصهيوني أكبر هزيمة عسكرية مذلة في تاريخ قيامه عام ١٩٤٨.

وأيضا من النتائج المهمة للهجوم العسكري الإيراني أنه كان معلنا وتم إبلاغ الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل ٧٢ ساعة من بداية الهجوم ورغم ذلك وصل عدد من الصواريخ الإيرانية إلى عدد من القواعد الإسرائيلية وأحدثت بها تدميرا كبيرا ولكن الدعاية الصهيونية المضللة تخفي الحقيقة لأسباب تتعلق بالتأثير السلبي على معنويات الداخل. كما حدث في حرب غزة حيث تعلن أعداد قليلة من القتلى والجرحى رغم أن أعدادهم بالآلاف حسب مصادر إسرائيلية مستقلة. ومن النتائج الأساسية للهجوم العسكري الإيراني على الكيان الصهيوني هو الرعب والهروب لآلاف من سكان الكيان الصهيوني وتم شل الحياة الاقتصادية والتجارية وبلغ عدد الإنذارات في مدن الكيان الإسرائيلي أكثر من ٧٢٠ إنذارا، وخلق حالة من الهلع والخوف ووصول قناعات بأن العيش في هذا الكيان الإسرائيلي أصبح صعبا. ومن هنا تسجل الهجرة المعاكسة من الكيان الإسرائيلي إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أعدادا تقدر بعشرات الآلاف خاصة بعد هجوم السابع من أكتوبر.

إن الهجوم العسكري على الكيان الصهيوني أفرز مجموعة من المعطيات النفسية وفرض قواعد اشتباك جديدة وجعل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في قلق من اشتعال حرب إقليمية سوف يتضرر منها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية خصوصا، حيث يسعى الرئيس الأمريكي بايدن والحزب الديموقراطي إلى الفوز بفترة ثانية في البيت الأبيض، ومن هنا فإن واشنطن لا تحبذ المزيد من الهجمات المتبادلة بين إيران والكيان الصهيوني من خلال المكالمة الهاتفية بين بايدن ونتانياهو رغم أن المتطرفين في حكومة نتانياهو قد يدفعون به إلى شن ضربة عسكرية متهورة ضد العمق الإيراني، وهنا تكون إسرائيل قد كسرت قواعد الاشتباك للمرة الثانية وتدخل المنطقة والشرق الأوسط في حرب مفتوحة سوف تكون نتائجها كارثية على دول المنطقة وشعوبها وعلى التنمية في ظل وجود قواعد عسكرية أمريكية في عدد من تلك الدول، وهي في مرمى الصواريخ الإيرانية.

ومن هنا فإن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تلجم حكومة نتانياهو المتطرفة وأن يكون هناك خفض للتصعيد وأن يكون هناك وقف لحرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني لأكثر من ستة أشهر مخلفة آلاف الشهداء من الأطفال والنساء وهدم البنية الأساسية لقطاع غزة.

لقد تمادى الكيان الصهيوني كثيرا في عدم احترام القانون الدولي وأصبح منبوذا دوليا حتى في الغرب، وهناك محاكمات دولية للكيان الصهيوني المجرم، الذي أثبت بأنه يتصرف وفق عقلية العصابات التي جاءت إلى فلسطين خلال الانتداب البريطاني وقامت بارتكاب جرائم كبيرة ضد الشعب الفلسطيني، وهي جرائم تم توثيقها خلال عام النكبة عام ١٩٤٨. وعلى ضوء ذلك فإن ساحات المقاومة الفلسطينية وأيضا في لبنان والعراق واليمن لابد أن تواصل العمل النضالي ضد المحتل الإسرائيلي.

إن قوة الردع الاستراتيجي بين إيران والكيان الصهيوني أصبحت حقيقة واقعة وهي إحدى أهم نتائج الهجوم العسكري الإيراني على إسرائيل ومن هنا فإن المشهد السياسي في المنطقة سوف يحمل مؤشرات تعتمد على سلوك واشنطن تحديدا تجاه الغطرسة الإسرائيلية وضرورة وقف تمادي الكيان الصهيوني في ضرب القانون الدولي والشرعية الدولية، وأن تكون هناك محاسبة لتصرف الكيان الصهيوني.

ونتطلع أن تقوم الجامعة العربية بتقديم مشروع للجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة طرد هذا الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حتى لمجرد التلويح بوجود مشروع القرار في أروقة الأمم المتحدة حتي ينصاع هذا الكيان الصهيوني المتغطرس لقواعد القانون الدولي وحماية المدنيين وحقوق الإنسان وهي مفردات يتغنى بها الغرب للأسف دون ضغط على الصهاينة.

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة