النظريات المفسرة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي

08 مايو 2023
08 مايو 2023

تعددت التعريفات حول المقصود بوسائل التواصل الاجتماعي إلا أن المفهوم الأكثر دقة وفقا لبعض المصادر التي اطلعت عليها حديثا هو الذي يعرّف وسائل التواصل الاجتماعي بأنها «مواقع أو تطبيقات مخصصة لإتاحة المقدرة للمستخدمين على التواصل فيما بينهم عبر وضع معلومات، وتعليقات، ورسائل وصور وغيرها»، وربما أصبحت هذه الوسائل إحدى أهم أدوات التبادل الحر للمعلومات في مختلف أنحاء العالم؛ فأصبح الفرد ليس متلقيا للخبر فقط بل مشاركا ومنتجا له أيضا حتى أنشأ عالما افتراضيا يسمى المجتمع الرقمي ضمن شبكة عالمية مفتوحة للجميع.

ومع التطور التكنولوجي في شبكات التواصل الاجتماعي وتزايد عدد مستخدميه؛ إذ إن الأرقام تشير إلى أنه بلغ عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي 4.39 مليون مستخدم في يناير 2022 أي 83.2 في المائة من إجمالي عدد السكان في سلطنة عُمان، فقد زاد عدد المستخدمين بمقدار 250 ألف مستخدم بين عامي 2021، و2022م وفقا لما أكده تقرير جديد نشرته مؤسسة داتا رببورتال للأبحاث على موقعها الإلكتروني. وفي دراسة قامت بإعدادها قمة رواد مواقع التواصل الاجتماعي العرب (٢٠١٥) بهدف قياس انطباعات مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي وسلوكياتهم في العالم العربي شملت عينة (7) آلاف شخص يتوزعون على (18) دولة عربية و(6) منصات للتواصل الاجتماعي وهي: لينكد إن، فيسبوك، وتويتر، وجوجل بلس، ويوتيوب، وواتساب. أشارت النتائج إلى أن كلا من وسيلتي فيسبوك وواتس الأكثر استخداما مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، ومع كثرة النظريات المفسرة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي سوف نستعرض بعضها التي شرحت التأثير الاجتماعي لوسائل التواصل الاجتماعي نظرية الحتمية التقنية لمارشال ماكلوهان في القرن الماضي التي تفترض أن المختارات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر على تكوين المجتمعات وتحديد العلاقات بين الأفراد والجماعات. ونظرية الحتمية القيمية التي طرحها أستاذ الإعلام الجزائري عبدالرحمن عزي التي تعزي تأثيرات وسائل الإعلام إلى المنظومة القيمية والفلسفية السائدة في المجتمع التي تحاول مناقضة ماكلوهان عن الحتمية التكنولوجية أملا في الوصول إلى تحديد مدى التأثيرات الفعلية لوسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية والاجتماعية، أما النظرية التفاعلية الرمزية فأكدت على الدور الذي يلعبه التفاعل الاجتماعي في الحياة الاجتماعية لدى الأفراد والجماعات، فقد لاحظوا بأن الناس يدخلون في عملية التفاعل طوال حياتهم التي تعد حلقة اتصال دائمة بين شخصين أو أكثر ، الذي يمكن أن يكون طبيعيا أو رمزيا وذلك حين يتم عن طريق الرموز التي تضم العلامات والإشارات واللغة والكلمات المكتوبة وفقا لما أشار إليه غني ناصر القريشي في كتابه بعنوان «المداخل النظرية لعلم الاجتماع»، أما مصطفى خلف عبدالجواد فيرى في كتابه بعنوان «نظرية علم الاجتماع المعاصر» أن الاهتمام الرئيسي ينصب لمنظري التفاعلية الرمزية على الاتصال الدال على المعنى حيث يولون اللغة جل اهتمامهم ويؤكدون على أن الأفراد يتفاوضون على الأدوار الاجتماعية المتعددة المتوقع منهم القيام به، ومن خلال أفكار العالمين الاثنين جورج هيربرت ميد وجارلس كولي حول التفاعل والاتصال في النظرية التفاعلية الرمزية يتضح بصورة غير مباشرة الوجود الاجتماعي في المجتمع الافتراضي، فالأفراد يتفاعلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال النص والصوت والصورة والمقاطع المرئية أو الشخصيات الرقمية، وهذه الوسائل تمثل معاني ورموزا لهم، فالمستخدمون يتصرفون في المجتمع الافتراضي من خلال ما تعنيه الأشياء لهم ويتشكل لديهم ذوات إلكترونية من خلال التفاعل مع الآخرين من أجل مصالح وأهداف معينة وإشباع رغباتهم بأقصى درجة ممكنة.

أما مدخل نظرية الاستخدامات والإشباعات فيهتم بدراسة الاتصال الجماهيري دراسة وظيفية منظمة؛ إذ ترى النظرية بأن الجمهور فعال في انتقاء رسائل ومضمون وسائل التواصل الاجتماعي فالجمهور في نظر المدخل نشط يتعرض لوسائل التواصل الاجتماعي لتلبية حاجات إنسانية متعددة فلا يراهم كمستهلكين سلبيين ولكن هم مسؤولون عن اختياراتهم للوسيلة الإعلامية وكيفية استخدامها، وبذلك فخيارات المستخدم مبنية على فروقات فردية في المصالح والاحتياجات والدوافع التي تشكلت من التعليم والتنشئة والعلاقات العامة بالإضافة إلى اختلاف الثقافات، وقد حدد العالم كاتز الحاجات النفسية والاجتماعية ووزعها على خمس تصنيفات رئيسية هي:

-حاجات معرفية مرتبطة بالمعلومات والمعارف.

-حاجات عاطفية مرتبطة بتعميق وتقوية الجوانب العاطفية عند الفرد.

-حاجات مرتبطة باتساق الشخصية ومكانتها وهي مزيج من الحاجات المعرفية والعاطفية.

-حاجات مرتبطة بالتكامل الاجتماعي وتشكل العلاقات والروابط العائلية.

-الحاجة للهروب من الواقع وتخفيف حدة التوتر النفسي.

أما نظرية الشبكة الفاعلة فهي نظرية اجتماعية تطورت على يد العلماء برونو لاتور ومايكل كالون وجون لو خلال القرن الماضي وتحمل فكرة الشبكة غير المتجانسة التي تحتوى على العديد من العناصر المتضمنة أجزاء اجتماعية وأخرى تكنولوجية في الوقت نفسه وهما كل متكامل، تهدف النظرية إلى وصف مجتمع مكوناته بشرية وغير بشرية كعناصر فاعلة متساوية ومرتبطة ببعضها البعض في شبكات تم بناؤها من أجل تحقيق هدف محدد، ومحاولة فهم وتخليل العلاقات البينية بين أعضاء المجتمع العلمي.

وتنطلق من مقولتين أساسيتين أولهما مقولة البناء الشبكي مغزاها أن البناء الشبكي يمثل مجموعة الحزم الاجتماعية التي تتمثل في الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات بشكل غير متفاعل كله، فالتفاعلات المتبادلة داخل البنية الشبكية لا يشترط أن تسري في الكيان الشبكي كله ففي مستواه الافتراضي قد يهمل بعض الأفراد أو الجماعات داخل الشبكة وله دعامتان أساسيتان هما قوة الترابط وخواص الروابط التي تتنوع بتنوع مجالات الاهتمام المختلفة داخل البناء الشبكي. أما المقولة الثانية فهي الاعتماد المتبادل التي تلعب دورا في تبادل المعلومات في شبكات التواصل الاجتماعي مما يؤثر على المعتقدات والقرارات الشخصية والجماعية والمصالح وحتى الاحتجاجات، ويتشكل حسب قوة الروابط بين الأفراد والجماعات وتتفاوت حسب الدوافع المختلفة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي مع ملاحظة دينامية العلاقات عبر هذه الشبكات وفقا للباحثة نورة إبراهيم الصيوان التي نشرت مقالا بعنوان «تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الثقافة الاجتماعية للشباب السعودي» في مجلة بحوث الشرق الأوسط.