المنطقة الاقتصادية الخاصة في الروضة

21 مارس 2022
21 مارس 2022

قبل أيام أمر صاحب الجلالة السلطان المعظم، حفظه الله، بإنشاء منطقة اقتصادية خاصة في منطقة الروضة التابعة لولاية محضة بمحافظة البريمي. ولا شك أن للمناطق الاقتصادية الخاصة دور مهم في جذب الاستثمارات لما تقدمه للمستثمرين فيها من حوافز كثيرة تتعلق بنسب الملكية ومدة حق الانتفاع بالأرض والإعفاء من الضرائب وبعض الرسوم، بالإضافة إلى ما يتوفر فيها من بُنى أساسية مناسبة ومرونة في الإجراءات بما يسهل على المستثمرين ويخفض من تكاليف الاستثمار فيها. ونود في هذا المقال أن ندلي برأي حول هذه المنطقة الاقتصادية الجديدة، ليس من حيث أهميتها وجدواها، فذلك بالتأكيد قد تم وحُسم أمره، ولكن حول ما نعتقد أنه الأنسب أن يقام فيها من مشاريع، لعل في ذلك ما يفيد الجهات المعنية بتنفيذ المشروع.

يوجد في عمان حالياً منطقة اقتصادية واحدة، هي المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، بالإضافة إلى مناطق حرة في كل من صلالة وصحار والمزيونة، والمناطق الحرة الأخرى التي أعلن عنها مؤخرا في مطار مسقط الدولي ومطار صلالة ومطار صحار. ولما كانت هذه المناطق جميعها تقدم تسهيلات لمشاريع يتركز معظمها، إن لم تكن كلها، في قطاع التصنيع وقطاع التدبير (القطاع اللوجستي)، فإنه من المفيد للاقتصاد الوطني وللمنطقة الاقتصادية الخاصة بالروضة أن تتخصص في أنواع جديدة من الاستثمارات والمشاريع، ولذلك لأسباب سنبينها في سياق هذا المقال.

تبعد منطقة الروضة عن ميناء صحار والمنطقة الحرة التابعة لها حوالي مئة كيلومتر أو يزيد قليلا. ومع أنه يوجد مدخلين لمنطقة الروضة، أحدهما من جهة البريمي والآخر من جهة شناص، إلا إن وجود أكثر من مركز حدودي يقع بين الروضة وولاية شناص، ومن ثم ميناء صحار، يعني عدم انسيابية نقل البضائع بين المنطقتين بالشكل الأمثل بسبب وجود نقاط تفتيش جمركي وغير جمركي. وحيث أن الروضة تقع في منتصف المسافة بين ميناء صحار من جهة، وبين دبي وميناء جبل علي من جهة أجرى، ونظرا لما تتمتع به موانئ دبي وجبل علي من ميزات معروفة في مجال التصدير والاستيراد فإن تكرار المشاريع الصناعية أو مشاريع التدبير (المشاريع اللوجستية) في المنطقة الاقتصادية بالروضة ربما سيكون على حساب ميناء صحار، لأن الصناعات أو مرافق التدبير التي ستقام في منطقة الروضة ستفضل الاستيراد والتصدير عن طريق موانئ دبي وجبل علي بدلا عن ميناء صحار، وذلك للميزات المشار إليها أعلاه. وبالإضافة إلى ذلك فإن التجار والمستوردين في دبي وغيرها سيعملون على جعل الروضة "ميناء جافا" لهم يستخدمونه لإعادة التصدير إلى عمان أو مخزناً كبيراً لبيع بضائعهم ومنتجاتهم للتصدير إلى بقية المدن والمحافظات العمانية. أي أنهم سيتمكنون من تقريب بضائعهم إلى السوق العماني بتكاليف منخفضة، مستفيدين من التسهيلات التي تقدمها المنطقة الاقتصادية الخاصة للمستثمرين فيها. كما أن كثيرا من المتسوقين في عمان أو المستوردين إليها من الخارج سيَرون في وجود مخازن ومصانع في المنطقة الاقتصادية الخاصة في الروضة تسهيلا عليهم بما يريحهم من قطع مسافة أطول بالذهاب إلى دبي أو الشارقة لشراء ما يحتاجون من بضائع وسلع، سواء كانت استهلاكية أو إنتاجية. ولا بأس في هذا كله لو كانت دول مجلس التعاون في مرحلة سوق مشتركة حقيقية، أو أن اقتصاداتها أصبحت متكاملة كما ينبغي أن يكون عليه التكامل الاقتصادي، لكن الأمر غير ذلك للأسف.

وبالإضافة إلى المحاذير من التركيز على قطاع التصنيع وقطاع التدبير (القطاع اللوجستي) في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالروضة، فإن كونها تقع في منطقة حدودية له كذلك محاذير أخرى تتعلق بمساحات الأراضي التي ستخصص للمستثمرين بموجب عقود حق الانتفاع، وكذلك بمدة حق الانتفاع وشروطه. وبسبب تلك المحاذير التي أشرنا إليها، نرى أن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالروضة ينبغي أن يكون لها نموذج مختلف، بحيث تخصص لإقامة مشاريع جديدة، ولكن في غير قطاعي التصنيع والتدبير.

ومن الأفكار التي نقترح النظر فيها ودراستها، أن تخصص تلك المنطقة لإقامة مشاريع في قطاع الزراعة بسبب ما يتوفر فيها من موارد مياه، ولقربها من مراكز الاستهلاك والتصدير. على أن تستخدم المشاريع الزراعية المقامة هناك التقانة العالية، سواء في الري والتحكم في الأسمدة ودرجات الحرارة اللازمة للمزروعات، أو في الحصاد والتعبئة والتغليف. ويجب كذلك أن تكون المزروعات من أصناف وأنواع عالية الجودة، بحيث يتم تسويقها لفئات من المستهلكين high end consumers القادرين على دفع أثمان عالية لها، مثل الفنادق والمطاعم الراقية، أو التصدير منها إلى دول تحتاج إلى منتجات بمواصفات معينة أو منتجات موسمية، كالمنتجات التي لا يمكن إنتاجها في بعض البلدان خلال فصل الشتاء مثلا. وبالإضافة إلى المشاريع الزراعية الحديثة، فإن المنطقة يمكن أن يقام فيها مشاريع سياحية وترفيهية، مثل الفنادق والمطاعم والاستراحات ذات التصنيف العالي، وكذلك المرافق الرياضية وملاعب الأطفال. ويستحسن أن يطبق في المنطقة نموذج "المدن الخضراء"، وهي فكرة تم طرحها لمنطقة الروضة ولمناطق أخرى في عمان منذ عدة سنوات. أي أن تكون المنطقة الاقتصادية الخاصة بالروضة صديقة للبيئة وتنسجم مع طبيعة المشاريع الزراعية والسياحية التي ستقام فيها، بحيث يتم توفير الكهرباء فيها من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وأن يقتصر التنقل داخلها على السيارات الكهربائية أو من خلال نظام نقل جماعي (مترو، أو ترام، أو مونوريل) يعمل بالكهرباء.

وإضافة إلى قطاعي الزراعة والسياحة، فإن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالروضة يمكن أن تستضيف مشاريع في قطاعات أخرى، مثل التعليم العالي والبحوث العلمية، وكذلك مشاريع خدمات الرعاية وإعادة التأهيل الصحي، وغيرها من مشاريع مشابهة، على أن يراعى في ذلك الجودة العالية والتخصصات الدقيقة.

خلاصة القول هي إن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالروضة ستؤدي دون شك إلى انتعاش اقتصادي محلي على صعيد ولاية محضة، لكنه يستحسن أن تبتعد عن تكرار الاستثمار في قطاعي التصنيع والتدبير، لأن ذلك قد ينعكس سلباً، على ميناء صحار وعلى المنطقة الحرة التابعة له، وسيجعل من المنطقة الخاصة بالروضة ساحة متقدمة للموانئ والتجار والمستثمرين الآخرين في المنطقة. وبدلا عن ذلك نرى أن تركز منطقة الروضة على تشيجيع وجذب الاستثمارات إليها في قطاعات الزراعة والسياحة والبحوث والتطوير والأنشطة المرتبطة بها.

• عبدالملك الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي و قضايا التنمية