القول الفصل في التطبيع
«لن نكون ثالث دولة في المنطقة تطبّع مع إسرائيل»
بهذه العبارة وضع معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، النقاط على الحروف، بعد أن ظللنا فترة طويلة من الوقت ننتظر عبارة مثل هذه، تصدر عن المسؤولين العمانيين، توضّح الموقف الرسمي من التطبيع، مع كثرة اللغط والقيل والقال عن قرب تطبيع عُمان علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، أسوةً بما فعلته بعض الدول العربية.
جاء تصريح وزير الخارجية لصحيفة «الشرق الأوسط» يوم السبت العاشر من يوليو 2021، بعد الإشارة إلى الاتصال الهاتفي الذي تم بين معاليه ووزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، سأل الصحفي: هل ستخطو عُمان نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل كثالث دولة خليجية؟ فكان الجواب: «عُمان تؤمن بمبدأ تحقيق السلام العادل والشامل والدائم على أساس حلّ الدولتين، وهذا الخيار الوحيد الذي تؤكد عليه مبادرة السلام العربية والشرعية الدولية، ولن نكون ثالث دولة خليجية كما ذكرت، ولكننا مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ونحترم القرارات السيادية للدول، مثلما نتوقع احترام الغير لقراراتنا السيادية».
صحيح أنّ تصريحات الدبلوماسيين تكون غالبًا وقتية، وتتغيّر حسب الظروف، بمعنى أنها ليست ثابتة إلا أننا كنا فعلا بحاجة ماسة إلى تصريح كهذا، لأنّ حملةً إعلاميةً شرسة وشديدة ظلت تؤكد أنّ عُمان ستطبِّع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، لدرجة أن يتم تحديد وقت الإعلان عن هذا التطبيع أكثر من مرة من قبل وسائل الإعلام المختلفة خاصةً الإسرائيلية، إذ نقلت صحيفة «معاريف» عن مصادر في إسرائيل يوم الجمعة الخامس والعشرين من سبتمبر 2020، أنّ دولا عربية أخرى في طريقها للتطبيع مع الدولة العبرية، بعضها سيُعلَن عنها خلال أيام، ملوحةً بشكل خاص إلى السودان وسلطنة عُمان، ولم تكتف الصحيفة العبرية بذلك فقط، بل زعمت أنّ «مباحثات متقدمة تجرى مع إسرائيل في الأيام الأخيرة بوساطة أمريكية بهدف التوصل إلى إعلانات التطبيع، خاصة مع سلطنة عُمان التي تربطها وإسرائيل علاقاتٌ سريةٌ متينةٌ منذ عقدين ونيف».
لم تقتصر الحملة على وسائل الإعلام وحدها، بل تعدتها إلى مسؤولين رسميين، فقد أعلن إيلي كوهين، وزير الاستخبارات الإسرائيلي السابق، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أنّ «السعودية وسلطنة عُمان والسودان وتشاد سينضمون إلى ركب المطبِّعين مع إسرائيل».
كانت الضغوط على عُمان شديدة إبان رئاسة ترامب لأمريكا، وكأنه أرادنا مجرّد ورقة يلعب بها لكي يفوز بفترة رئاسية ثانية، وكذلك أراد نتنياهو أن ننقذه من مشاكله الداخلية الكثيرة، والاثنان ذهبا ولم يستفيدا من تطبيع بعض الدول مع الكيان، فيما علقت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنشطة «صندوق أبراهام» الذي تم إنشاؤه في عهد سلفه، دونالد ترامب، وكان من المفترض أن يخصص استثمارات بقيمة ثلاثة مليارات دولار إلى مشروعات تنموية تشمل إسرائيل والدول العربية التي قررت تطبيع العلاقات معها.
كلُّ تلك التأكيدات الصهيونية -مع صمت عُماني رسمي ينفي الواقعة أو يثبتها- أدّت إلى نشوء حالة من الشك وزعزعة لثقة المواطنين في خطوة الحكومة القادمة تجاه مسألة التطبيع هذه؛ لأنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني -على ما يبدو- أصبح مثل مرض كورونا، يُصيب الكلّ إلا من كانت عنده مناعة شعبية وحصانة وطنية.
وإذا كان معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي قد أكد سابقًا في كلمة السلطنة أمام الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم التاسع والعشرين من سبتمبر 2020 أنّ «السلطنة تساند المطالب المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني الشقيق، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على أساس القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومبادرة السلام العربية التي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين»، إلا أنّه لم يتناول مسألة التطبيع التي ظلت معلقة، وما قاله: «المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني» هو ما يردده أيضًا المطبِّعون مع الكيان الصهيوني، الذين بالغوا في ترويجهم للتطبيع.
المثير والغريب في الأمر أنه مع تجاهل الحكومة العمانية لكلِّ تلك الأخبار والشائعات والتسريبات، صرّح يوسف العتيبة سفير الإمارات العربية المتحدة في أمريكا لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية يوم الخميس الأول من أكتوبر 2020، بأنّ سلطنة عُمان والسودان لا تتعجلان التطبيع مع إسرائيل، و»أنّ سلطنة عُمان والسودان سيتخذان القرار في الموضوع بالوقت الذي تريانه مناسبًا لهما، خاصة أنّ لدى عُمان سلطانًا جديدًا، كما أنّ السودان في مرحلة انتقالية سياسية قبل الانتخابات»، وقد تلقف الناس ذلك التصريح وتناقلوه عبر وسائل التواصل والهواتف النقالة؛ لأنهم أحسوا بنوع من الاطمئنان، وهي في الواقع مفارقة غريبة وعجيبة أن يأتيهم الاطمئنان من شخص ليس له علاقة بعُمان وليس مخولا للحديث عنها، وهو الذي لعب دورًا مهمًا في إقامة العلاقات بين بلاده وإسرائيل، وكأنّه يريد أن يقوم بدور «العراب» لكلّ تطبيع تقوم به الدول الخليجية أو العربية.
جاء تصريح السيد بدر بن حمد -وإن كان متأخرًا - ليقطع قول كلِّ خطيب، وإذا كان مضمون التصريح قد أراحنا وأفرحنا، فإننا ما زلنا نتأمل أن تبتعد عُمان عن التطبيع مع ذلك الكيان حاليًا ومستقبلا، وألا نكون الدولة الثالثة -كما أشار معاليه- بل ألا نكون الدولة الرابعة أو الخامسة أو العشرين في التطبيع، وأن يكون التصريح صادقًا وليس للاستهلاك الإعلامي، لتبقى سمعة عُمان ناصعة.
والموقف الشعبي العماني تجلى بوضوح رفضًا لأيِّ تقارب وتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومثلُ هذا الموقف الشعبي هو خيرُ داعمٍ للحكومة -دائمًا - إذا أرادت تجنّب قرار التطبيع الذي لم يجلب إلا الويلات لكلِّ من طبّع، فهناك أولوياتٌ داخليةٌ كثيرة تحتاج إلى البت فيها، وهناك ملفات مهمة في المنطقة تستدعي النظر، وهي أهمّ بكثيرٍ من التطبيع مع الكيان الصهيوني.
