القوة الشرائية ومظاهر الأعياد

18 يوليو 2022
18 يوليو 2022

تعرف القوة الشرائية على أنها كمية السلع والخدمات التي يكون بمقدور فرد ما أن يشتريها بواسطة دخله المُتاح خلال مدة زمنية محددة، وتُقاس القدرة أو القوة الشرائية عمومًا من خلال نصيب الفرد من إجمالي الدخل المُتاح الحقيقي بعد تصحيحه من معدل التضخم داخل البلد، إلا أن هناك دولًا تقوم بتعديل هذا المؤشر من أجل دمج الخدمات التي يستفيد منها المواطنون بدون رسوم مثل خدمات التعليم والصحة في الدخل المتاح.

فمثلا إذا كان سعر منتج قبل عام 10 ريالات واليوم أصبح سعره 5 ريالات فهذا يعني أن لدى المستهلك قوة شرائية تساعده على شراء منتج آخر أو الاستفادة من خدمة معينة بمقدار 5 ريالات، وإذا حدث العكس فيعني أن هناك انخفاضًا في القوة الشرائية، ومن بين العوامل النفسية المؤثرة في سلوك المستهلك وتسهم في تحديد القدرة الشرائية هي حماس المستهلك في شراء منتج معين أو الاستفادة من خدمة معينة والمعرفة والإدراك لدى المستهلك بشأن بعض المنتجات، فمثلا تؤدي الإعلانات الترويجية التي يقدمها الفاعلون والمؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي للسلع والخدمات دورًا مهمًا في تحديد القوة الشرائية، بالإضافة إلى أن المستهلك تتكون لديه صورة ذهنية نتيجة مواقف ومعتقدات معينة بشأن بعض المنتجات تسهم تلك الصورة في تشجيع المستهلك على شراء المنتج من عدمه.

لا يختلف اثنان على الرغبة الفطرية لأفراد المجتمع في الاحتفال بمناسبة الأعياد السعيدة، كما جاء في السنة النبوية بالإضافة إلى شعورهم بالتقصير في حال لم يستعدوا جيدًا لتلك المناسبات كما خطط لها، إلا أن هناك بعض الممارسات التي ينبغي إدراك أثرها اقتصاديًا واجتماعيًا على حياة الفرد سواء على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد.

إن شراهة التسوق واقتناء المستلزمات غير الضرورية خلال فترة العيد ربما ينعكس أثره سلبًا على مستوى الرفاه الاجتماعي لأفراد المجتمع طوال أيام السنة مما يجعل الإنسان عاجزًا أمام حصوله على حوائجه الأخرى. وهنا أشير إلى أن حاجة الإنسان لسلعة ما يعني عدم مقدرته على الاستغناء عنها لمواصلة البقاء على قيد الحياة وتعد من أولويات حياته الاجتماعية اليومية، إذ ينبغي على الفرد أن يستبدل بالكماليات غير المعمرة -المواد الغذائية التي لا تدوم طويلا ومدة صلاحيتها محدودة بوقت معين- حوائجه المعمرة التي تسانده في رفع مستوى معيشته.

فمن يتابع ذروة التسوق وارتياد الأسواق خاصة التقليدية منها، فإن الملاحظ أن نشاطها يقتصر على فترة استحقاق الرواتب الشهرية وقبل المناسبات المختلفة، وفي رأيي، هذه ممارسة غير عقلانية أو غير محبّذة، إذ إن الإنسان يشعر بالسعادة كلما امتلك قدرًا من المال في جيبه مما يسهم في إنفاق تلك الأموال دون إدراك محكم أو وعي مكتمل الصورة على السلع والخدمات التي لا تعد أولوية قصوى لتلك المناسبات، ومع وجود الوعي اللازم والكافي لدى المستهلك بأهمية توجيه موارده المالية نحو الالتزامات المالية الضرورية التي يحتاجها المستهلك، فإن ذلك سيسهم في إيجاد توازن مالي لدى الأسر طوال أيام الشهر دون الانتظار لموعد استحقاق الرواتب بالإضافة إلى الحفاظ على القوة الشرائية بعيدًا عن العوامل المؤثرة لإضعافها.

كما هو معلوم فإن الأزمات الاقتصادية التي عانى منها العالم خلال السنوات الماضية لا سيما الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها الدول المصدرة للنفط منذ عام 2014 جراء انخفاض أسعار النفط العالمية لمستويات لم تكن في الحسبان وعمّقتها أزمة كوفيد-19 التي ساهمت في إحداث شلل لبعض القطاعات الاقتصادية وانعكاس تأثيراتها السلبية على حياة الأفراد الاجتماعية اليومية، وعليه ينبغي على المستهلك التفكير بجدية في الترشيد والتأني في الإنفاق على المستلزمات غير الملحة وغير الضرورية، وأرى أنه من الحكمة البحث عن أفكار ابتكارية جديدة تسهم في تعزيز الاستدامة المالية للموارد المالية للمستهلكين وعدم الاستمرار سنويا في التسوّق غير المدروس أو غير المخطط له عند كل مناسبة خاصة تلك السلع التي لا تضيف أي قيمة مضافة لدى المستهلك. ومن بين تلك الأفكار التي ربما تكون أحد الحلول لاستدامة الوضع المالي للمستهلك هي تعزيز مبدأ التوازن المالي بين مدخوله ونفقاته عبر توجيه بعض المبالغ نحو الادخار للاستفادة منها وقت الأزمات أو الظروف الطارئة، وذلك لتحقيق منافع أكبر من تلك المبالغ بدلا من إنفاقها بناء على رغبات آنية بالإضافة إلى قناعة راسخة لدى المستهلك بأهمية إحكام السيطرة على رغباته الفطرية في تكرار شراء مستلزمات المناسبات عمومًا والأعياد خصوصًا.

إن مظاهر الأعياد السعيدة ينبغي ممارستها وفق خطة مالية متسقة مع الظروف الاقتصادية التي تمر على أفراد المجتمع ولذلك على المستهلك جهد أكبر في مواءمة قدرته المالية مع متطلبات المناسبات بكافة أنواعها بعيدًا عن التأثيرات الجانبية التي ربما تعترض تلك الخطة شريطة عدم الإخلال بالمتطلبات الأساسية والمتعارف عليها للاستمتاع بمظاهر الأعياد.

راشد بن عبدالله الشيذاني - باحث اقتصادي عُماني