القوة الشرائية وسطحية التفاعل

05 سبتمبر 2022
05 سبتمبر 2022

تعرف القوة الشرائية عموما على أنها كمية السلع والخدمات التي بمقدور فرد ما أن يشتريها بواسطة دخله المُتاح خلال مدة زمنية محددة، وتُقاس القدرة أو القوة الشرائية عموما من خلال نصيب الفرد من إجمالي الدخل المُتاح الحقيقي بعد تصحيحه من معدل التضخم داخل البلد، إلا أن هناك بعض المفاهيم المغلوطة التي تتداول بين الفينة والأخرى بشأن القوة الشرائية، فضعف هامش الربح -مقدار العائد المادي الناتج عن بيع سلعة أو تقديم خدمة معينة- عبر المنافذ التقليدية للبيع لا يمكن الاستدلال به لقياس القوة الشرائية في بلد خاصة مع انتشار التجارة الإلكترونية وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الرقمي جراء التطور المتسارع الذي يشهده العالم حاليا، مستفيدة من الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومات نحو تعزيز التحول الرقمي في أسواقها التجارية، بالإضافة إلى ذلك فإن قياس القوة الشرائية يعتمد أساسا على بعض المؤشرات التي تتطلب تعافيا تاما من الأزمات الاقتصادية لضمان عودة النشاط الاقتصادي.

إن المتغيرات التي تطرأ على سلوك المستهلكين تجاه الطلب على بعض السلع والخدمات أصبحت تمثّل مؤشرًا حقيقيًا لقياس القوة الشرائية التي تنشدها الاقتصادات حول العالم، إذ أسهمت الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعرض لها أفراد المجتمع حديثا في تغيير نمط الاستهلاك لكثير منهم عبر الاكتفاء بشراء السلع الضرورية وتأجيل شراء السلع غير الضرورية خاصة أن الأزمة الاقتصادية التي رافقت تفشي فيروس كورونا «كوفيد-19» أحدثت نوعا من الصدمات الاجتماعية والاقتصادية لبعض الأسر بضرورة ترشيد الإنفاق وتجويده وتوجيه الموارد المالية للاحتياجات الأساسية، بالإضافة إلى ذلك فإن ما يحدث من تطورات في الأسواق ينبغي دراسته والتمعن فيه جيدا، إذ إنه من الملاحظ ارتفاع عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتنميتها خلال الفترة الماضية لاستدامة مواردها المالية ومواصلة أعمالها التجارية بالإضافة إلى تقديم حكومة سلطنة عُمان كثير من التسهيلات والحوافز والإعفاءات ومبادرات التحفيز الاقتصادي لإنعاشها من الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي تضرر منها كثيرا مختلف الأعمال عموما وتلك المؤسسات خصوصا، فأصبحت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تنافس كبرى الشركات التجارية على هوامش الربح مما ساهم في توزيع المنافع الربحية بين المنشآت التجارية المختلفة، بالإضافة إلى ذلك، هناك كثير من رواد الأعمال سارعوا في الدخول إلى السوق للاستفادة من الحوافز التي يحظى بها قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مدعومة بإطلاق البرامج التمويلية، وإجراءات تحسن بيئة الأعمال والتشريعات والقوانين المعززة لبيئة الأعمال، إذ بلغ عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى نهاية يوليو 2022م أكثر من 81 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة مما يمثّل نموا متسارعا في عددها مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2021.

تابعنا خلال الفترة الماضية كثرة التفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن ضعف القوة الشرائية في سلطنة عُمان دون وجود حقائق مثبتة أو دراسات وأبحاث اقتصادية متداولة تتزامن مع ما يتداول بشأن ضعف القوة الشرائية للاستدلال بها أو مؤشرات نوعية وكمية لقياس ذلك الضعف، ومن الملاحظ أن كثيرا من المتفاعلين مع الموضوع لا يمتلكون المعلومات الكافية حول الجانب الاقتصادي وكيفية تطوره وتنميته خلال الفترة الماضية وبالتحديد فيما يخص تحفيز القوة الشرائية عبر مختلف المؤسسات الحكومية عبر سلسلة وسائل وأدوات تمثّلت برفع عدد السلع المعفاة من ضريبة القيمة المضافة وتحديد حد أعلى لتسعيرة الوقود، بالإضافة إلى تثبيت تسعيرة الكهرباء والمياه إلى نهاية العام الجاري 2022م، وبالنظر إلى محفّزات القوة الشرائية فإنه لا يمكن إطلاق الأحكام على ضعف قوتها خاصة مع استمرار عودة النشاط الاقتصادي المدعوم بعودة الحياة إلى طبيعتها بعد أزمة تفشي مرض فيروس كورونا «كوفيد-19»، ووفقًا لبيانات حديثة فإن تحويلات المقيمين المالية في سلطنة عُمان بلغت أكثر من 8 مليارات دولار مما يشير إلى استمرار القوة الشرائية للمستهلكين، إذ إنه ليس من الضروري امتناع المستهلك عن شراء سلعة معينة أو الاستفادة من خدمة معينة أن يكون دليلًا كافيًا لتقزيم الجهود الحكومية بشأن تحفيز بيئة الأعمال وتعزيز القوة الشرائية في الأسواق، فتغيّر سلوك المستهلك في ارتياد الأسواق ووضع خطط لشراء مستلزماته الضرورية مع البحث عن سلع بديلة بنفس الجودة والغرض بأسعار منخفضة لها دور كبير في انخفاض القوة الشرائية لدى المحال الأخرى ذات السلع المرتفعة أسعارها.

إن التفاعل مع الأحداث والقضايا بمختلف أنواعها خاصة الاقتصادية منها عبر حسابات في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي غير متخصصة بالشأن الاقتصادي ومناقشتها للموضوعات بسطحية دون الاستناد على معلومات دقيقة أو الاطلاع على ما يبذل من جهود كبيرة في تنمية الجانب الاقتصادي والمالي بسلطنة عمان يتطلب وجود استراتيجيات حقيقية للتعامل مع الرأي العام حتى لا يساعد ذلك التفاعل على إثارة الرأي العام وتحريك عواطفه أو منطلقاته تجاه قضايا معينة تلامس الحياة اليومية للمواطنين خصوصًا وأفراد المجتمع عُموما، ومع الجهود التي تبذلها وزارة الإعلام عبر مختلف أذرعها الإعلامية لتعزيز الرسائل الإعلامية التوعوية والاتصالية لإطلاع المجتمع بما تبذله الحكومة من جهود كبيرة ومقدّرة خاصة في تحسين بيئة الأعمال وإزالة كافة العقبات أمامها ومعالجة التحديات التي تعترضها ينبغي على الفاعلين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي أن يكونوا ساعد بناء لإبراز هذه الرسائل وإيصالها لكل من يشكك بتلك الجهود الحكومية لمنع من يحاول أن يثير الرأي العام برسائله وتفاعله السلبي عبر التقليل من أهمية تلك الجهود وتقزيمها بسبب ممارسات سابقة غير مدروسة أدت نتائجها لإحداث ربكة مالية أو صدمة اقتصادية لبعض الأعمال.

إن التحسن الذي يشهده الاقتصاد العُماني خلال الأشهر الماضية مدعومًا بالتعديلات التي تجريها الحكومة باستمرار لتطوير بيئة الأعمال عبر خطط التحفيز الاقتصادي وإطلاق البرامج التمويلية المعززة لبيئة الأعمال لا ينبغي التفاعل معها بسطحية، بل تجب الاستفادة من تلك المحفّزات وتوظيفها التوظيف الأمثل لتحقيق المنافع الربحية، فقد حبا الله عزّ وجل عُمان خيرات وفيرة وقيادة فذّة وشعبا واعيا لا يتأثر بالتفاعل الجانبي في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي الذي يقلل من الجهود الحكومية في الوقوف على الأضرار الاقتصادية والمالية التي خلفتها الأزمات الاقتصادية الأخيرة على بيئة الأعمال في مختلف القطاعات وإيجاد الحلول المناسبة لها.