القمة العمانية القطرية.. تؤسس الاستدامة العسكرية بين البلدين

24 نوفمبر 2021
24 نوفمبر 2021

بدأت لي نتائج القمة العمانية القطرية "كمراقب" أنها تستدرك الخطوات اللازمة التي كانت ينبغي أن تتخذ بعد اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو 2017، والتي استمرت أربع سنوات، ومعها برزت مسقط كبوابة بحرية للدوحة، وكشقيق يعتمد عليه في الأزمات الكبرى، وسنرى نتائجها بعد التوقيع على ست اتفاقيات خلال زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه ورعاه، للدوحة، وأهم ما يميزها – أي هذه الاتفاقيات – أنها تعزز استدامة التعاون العسكري والاقتصادي بين أكبر قوتين ناعمتين إقليميتين، من هنا نرى أن نتائج القمة العمانية القطرية هي استدراك، أو لنقل إنضاج للمصالح المستدامة بين مسقط والدوحة في مرحلة ما بعد المصلحة الخليجية، والاتفاق على تحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية عام 2025.

**

واذا كانت المقدمة تضع التطورات الجديدة في العلاقات العمانية القطرية في إطار السياقات السياسية والتحليلية الموضوعية، وتسلسلها الزمني، وإن غلب عليه بعض البطء، الا أنه لا يمكن إغفال أبعاد حديثة منتجة لنتائج قمة الدوحة لكلا البلدين الشقيقين، وأبرزها الآتي:

أولا: اعتبار استدامة العلاقات وبالذات الاقتصادية بين أكبر قوتين الناعمتين إقليميتين، يحقق لمسقط التوازن في معادلة شراكاتها الجديدة والمستقبلية مع شقيقاتها الأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي، فلا يمكن بهذه السهولة إسقاط كل الهواجس التاريخية، لذلك فالمرحلة تحتم إثبات البراجماتية الجماعية والتجرد من تاريخية التوترات والاطماع الإقليمية، والحساسة السياسية للجغرافيات الخليجية.

صحيح هناك اتفاق خليجي جماعي على تدشين مرحلة سياسية جديدة متحررة من قيود وكوابح الماضي، والانطلاق نحو تحقيق الاجندات الخليجية العالقة، وقد تمخض ذلك في قمة العلا بالسعودية التي حلت أزمة يونيو الخليجية، وشددت على تحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية في عام 2025، لكن الواقعية السياسية تحتاط لكل الحسابات الممكنة وغير الممكنة، الراهنة والمستقبلية، من هنا تظهر الدوحة كعامل توازن في موجة المصالح الحديثة المتدفقة لبلادنا، فالتعدد والتنوع، كما أشرنا اليه في مقال سابق، ينبغي أن يؤسس مرحلتنا الوطنية المتجددة.

ثانيا: بروز مسقط كإحدى البوابات البحرية الاستراتيجية للدوحة منذ عام 2017، ويتعزز هذا الانكشاف بعد توجه واشنطن ومعها حلفاؤها الجدد وبعض القدامى، نحو منطقتي المحيطين الهندي والهادي، ومعها تظهر موانئ سلطنة عمان كأهمية استراتيجية متعددة الاستخدامات للدوحة، كونها - أي جيواستراتيجية الموانئ العمانية- ترتبط بتلكم المنطقتين، وتقع على بحار مفتوحة وبعيدة عن هرمز المتوتر بطبعه حتى في حالة هدوئه لا يمكن الاطمئنان اليه، لذلك فالخيار الاستراتيجي الثابت للدوحة ربط موانئ سلطنة عمان وخاصة الدقم وصحار وصلالة بموانئ قطر كحمد والدوحة والرويس.

وهذا ما نستشفه من أزمة يونيو 2017، عندما سارعت الدوحة الى تدشين خط بحري مباشر يربط ميناء حمد وميناءي صحار وصلالة، وقد ساهم في تسهيل تدفق السلع الغذائية بين البلدين، لذلك تدفع هذه التجربة الى التوقع باستدامتها، وتطويرها، بحيث تفتح للأشقاء الآفاق نحو تصدير صادراتها النفطية والغازية والصناعة للأسواق العالمية من خلال الموانئ العمانية الآمنة والتي تختزل المسافات بصورة لافتة، ويعزز هذا الاستخلاص، التوقيع خلال القمة العمانية القطرية، على اتفاقية من بين الست اتفاقيات، مخصصة للنقل البحري والموانئ، مما قد تطرح قضية حماية المسارات البحرية بين البلدين.

وهذه الحماية الثنائية، قد نجدها مستوعبة في اتفاقية التعاون العسكري التي تصدرت الاتفاقيات الست، كما أن لها بعدا آخر خارج سياق الآنية وآفاقها المستقبلية، وننظر له من سياق التأصيل لتطور العلاقات العسكرية بين مسقط والدوحة، مما اعتبرهما متكاملين، من هنا بالذات، تعد اتفاقية التعاون العسكري بين مسقط والدوحة، توجه لاستدامة العلاقات العسكرية بين البلدين، لدواع متعددة، من بينها حماية المسارات البحرية، وهذا التوجه نحو الاستدامة العسكرية، قد جاءت بعد أن شهدت مسقط والدوحة زيارات واجتماعات عسكرية مكثفة ورفيعة على مختلف المستويات خلال الفترة الماضية، مهدت لاتفاقية التعاون العسكري بين البلدين.

ورغم عدم توفر التفاصيل حول هذه الاتفاقية، لكنه لا ينبغي استبعاد احتمالية سد مسقط النقص العددي في القوة البشرية العسكرية القطرية، وتأمين بعده الحيادي، والتفكير والعمل المشترك على تطوير قدرات وإمكانيات البلدين العسكرية، وهنا تبرز مسقط من جهتها، وفي الجانب المقابل، كعامل يحقق الضمانة للدوحة، كما لن نستبعد أية تطورات عميقة يمكن أن تنتجها هذه الاتفاقية في حاضرها أو مستقبلها، لكن، هل ستكون في الإطار الثنائي الخالص أم تمهد لجعلها نموذجية يبنى عليها لتأسيس مستقبل المنظومة الدفاعية الخليجية، كإقامة جيش خليجي واحد بعقيدة دفاعية، فالقوتان الناعمتان لمسقط والدوحة في حاجة الى الاستدامة العسكرية بينهما، وتطوير قدراتهما كما ونوعا، كما أن المنطقة الخليجية تحتاج لتعمق وتكاملية تعاونها العسكري لتجنب دخول دول ذات أطماع تاريخية في الخليج، ومؤشراتها قائمة الآن.

وسيقود التعاون العسكري بين البلدين بقية القطاعات الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقيات الست، وبالذات الاقتصادية، وقد كان هذا واضحا من خلال التلازمية بين التعاونين العسكري والاقتصادي، لذلك فالآمال الطموحة تتجه نحو التركيز على مشاريع استراتيجية مشتركة، سواء في مجال الست الاتفاقيات التي وقعت اثناء القمة، أو في مجال الأمن الغذائي، خاصة وأن اللجنة العمانية القطرية في اجتماعها عام 2019 بمسقط، أكدت على تشجيع الاستثمارات المشتركة في عدة مجالات على رأسها الامن الغذائي، فكلما يكون حجم المشاريع الاستراتيجية كبيرة، وذات حمولات اجتماعية، يتعاظم مبدأ المصير المشترك، وتبرز مسألة الدفاع المشترك عنه تلقائية وحتمية.

وينبغي هنا نلفت انتباه المسير الجديد في علاقات البلدين، الى قضية التأخير في تنفيذ المشاريع الاستثمارية المشتركة قبل اندلاع أزمة يونيو 2017، وعدم الالتزام بتنفيذ بعضها حتى الآن، ونستدل على ذلك، بقضية مصنع الحافلات المشترك، فقد كان هذا المشروع ضمن ثلاثة مشاريع تنوي الدوحة أقامتها في بلادنا على شاطئ بحر العرب، وهي للتصدير، وأسواقها الخارجية مضمونة مسبقة، لكن لم ينفذ الا مشروع الحافلات بعد أن دخل في إشكاليات مكانية حتى أقيم في الدقم الآن، والأسباب واضحة، وقد كتبت عنها مقالات سابقة منشورة صحفيا، ومصنع الحافلات رأسماله حوالي 100 مليون دولار، ومشترك بين الدولتين، حيث يمتلك جهاز الاستثمار العماني حوالي 30% من إجمالي أصوله.

وهذا المصنع من بين المشاريع المشتركة النموذجية للشراكة التكاملية بين البلدين، ليس من المنظور المالي فقط، وإنما الموقع الجيوستراتيجي، فبقدر ما تكون الدوحة جغرافيا عالمية – كما يطلق عليها - وسيولتها المالية تخترق الشرق والغرب، تبدو مسقط أقرب لاستدامة الطموحات القطرية العالمية، كما تبدو بلادنا كجغرافيا سياسية وجيوستراتيجية حاضنة لكل المصالح الخليجية وديمومتها، وهذا التعدد والتنوع للمصالح في بلادنا لدول الجوار وغير المتجاورة يحقق الكثير من الضمانات لبلادنا، أبرزها:

- ضمانة استمرار الحياد السياسي الإيجابي.

- ضمانة تخفيف الضرر الناجم عن أية تطورات مستقبلية سلبية.

- ضمانة تعزز قوة الوساطة العمانية على المستوى الخليجي.

- ضمانة استثمارية متعددة لتحقيق رؤية عمان 2040.

ومن خلالها ستصبح سلطنة عمان كجغرافيا سياسية تلتقي فيها مجموع المصالح الاستراتيجية الخليجية دون استثناء، وستصبح قوة جيوستراتيجتها، قوة الدول الست الناعمة والامنة مهما كانت التحديات في المنطقة، لأنها سيكون وراءها المنفعة الاقتصادية المشتركة والجماعية، وهذا يفتح الآفاق السياسية بعهد خليجي جديد، بل وفي شبه الجزيرة العربية، قائم على تحقيق الاستقرار والسلام الإقليمي من خلال المصالح الاقتصادية والتنمية وليس الحروب.