العنصرية في سلة المستعمر
21 سبتمبر 2025
21 سبتمبر 2025
ما زالت الدول العظمى تدعي أنها منصات عالمية لترسيخ مبادئ الإنسانية وتجاوز العنصرية والتمييز بكافة أشكالهما، ادعاء يتهاوى واقعيا مع كل حركة استنهاض عنصرية تصدر لتحريك الغضب الشعبي ضد مواطني تلك الدول من أصول مختلفة، أو محاولات إدانة المهاجرين بأي مشكلة تعانيها تلك الدول بدءا من الظواهر السلوكية والأزمات المجتمعية وانتهاء بالتحديات الاقتصادية الكبرى، ومع تعاظم النعرات العنصرية يتشكل الواقع مُسقِطا مثالية تلك الدول المزعومة وإنسانيتها المتخيلة، وضمن هذا السياق تأتي الاحتجاجات التي نُظمت في 13 سبتمبر الحالي في بريطانيا، تحت شعار «توحيد المملكة»، كأضخم احتجاجات يمينية متطرفة شهدتها المملكة المتحدة على الإطلاق، وفقاً لمنظمة «هوب نوت هيت» المناهضة للعنصرية. الفعالية اعتمدت ترديد هتافات مثل «أرسلوهم إلى بلادهم»، ورفع الأعلام الوطنية في كل مكان، بينما حمل بعض المحتجين صورًا للناشط الأمريكي المحافظ، تشارلي كيرك، الذي اغتيل مطلع الشهر الجاري، وقد أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا بعد دعوته المملكة المتحدة إلى استخدام الجيش لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر القنال الإنجليزي، في تصريحاته، قال ترامب إن الهجرة غير الشرعية «تدمّر الدول من الداخل»، مضيفًا: «أخبرت رئيس الوزراء أنني سأوقف ذلك، ولا يهم إن استدعيت الجيش أو استخدمت أي وسيلة أخرى».
وجاءت ردود الأفعال البريطانية تجاه هذه التصريحات وهذه الاحتجاجات الشعبية متباينة ليندد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأعمال العنف والخطابات التي تحض على الكراهية، مؤكدًا: «لن نسمح أبداً باختطاف عَلَمنا واستعماله كرمز للفُرقة والانقسام»، وقالت جوليا إبنر، المتخصصة في شؤون التطرف بمعهد الحوار الإستراتيجي وجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، لبي بي سي إن أفكار اليمين المتطرف باتت -على ما يبدو- متداخلة في الخطاب السائد داخل بريطانيا، مضيفة: «كان تومي روبنسون، قبل عشرة أعوام، شخصية هامشية، غير أنه تحوّل اليوم إلى شخصية ذات نفوذ وقوة، وتجاوزت شعبيته إلى ما هو أبعد من أوساط اليمين المتطرف التقليدية» ولفتت إلى أن إظهار روبنسون قدرته على تعبئة نحو 150 ألف مشارك وجذب شخصيات مؤثرة مثل ماسك، حوّل المسيرة الأخيرة إلى استعراض للقوة بالنسبة للتيار اليميني المتطرف، عارض القائد السابق للبحرية الملكية الأميرال آلان ويست كذلك اقتراح ترامب، واصفًا استدعاء الجيش للتصدي لقوارب الهجرة بأنه «منتهى الحماقة».
ولم يصمت الرئيس الأمريكي عند هذا الحد من التحريض ضد مهاجري المملكة المتحدة، بل انسحب خطابه العنصري على أمريكا عبر هجومه على النائبة الديمقراطية إلهان عمر مطالبا بعزلها من الكونجرس وترحيلها للصومال، واصفا إياها بأنها «سيئة للغاية ويجب عزلها على الفور» وفي رده على سؤال أحد الصحفيين قال: «إلهان عمر جاءت من الصومال حيث لا يوجد بها أي شيء لتعلم الأمريكيين كيف يديرون أمور بلادهم» وعزز ترامب تصريحاته بتغريدة على منصة «تروث سوشيال» شتم من خلالها إلهان عمر مكررا الحديث عن الفساد والفقر الذي تعاني منه الصومال بلدها الأم، كل ذلك على خلفية تصويت إلهان عمر في الكونجرس ضد مشروع قرار لتكريم تشارلي كيرك (صديق ومؤيد للرئيس)، الذي قُتل بالرصاص الأسبوع الماضي خلال فعالية في جامعة وادي يوتا؛ حيث كانت ضمن 58 نائبًا صوّتوا ضد القرار، ما جعلها في مواجهة انتقادات اليمين، رغم إيضاحها لقناة CNN أنها لا توافق على اغتيال كيرك وتشعر بالحزن لأجل أسرته، وخاصة زوجته وأطفاله، لكنها ترى أن إرثه «لا يستحق التكريم؛ لأنه كان يحضّ على الكراهية بشكل مستمر»، وفقاً لمجلة نيوزويك.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها ترامب النائبة الصومالية الأصل؛ ففي عام 2024 شنّ هجومًا مماثلًا خلال تجمع انتخابي شعبي، متهمًا إياها بأنها «ترغب في تحويل الغرب الأوسط - في إشارة إلى ولاية مينيسوتا - إلى الشرق الأوسط»، كما كرر ترامب اتهام إلهان بالزواج من شقيقها أحمد علمي لتسهيل حصوله على الجنسية الأمريكية ومساعدته في تجاوز إجراءات الهجرة، اتهام يستند فيه إلى مزاعم أنطونيز لازارو، عضو الحزب الجمهوري في مينيابوليس، الذي روّج عام 2021 لوثيقة DNA مثيرة للجدل تؤكد -حسب زعمه- بنسبة 99% زواج إلهان من شقيقها، رغم إثبات خطأ هذه المزاعم وإلا لاتهمت بالتزوير، إضافة إلى إتاحة القانون الأمريكي التقدّم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة ثم الجنسية إذا كان للمتقدم أخ أو أخت مواطن أمريكي، مما يعني أن شقيق إلهان عمر يمكنه التقدّم لهذه الإجراءات دون الحاجة إلى زواج صوري، ما يجعل هذه الرواية مجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة.
ختاما: يعتقد بعض المحللين أن ثقافة المستعمر وشعوره بالفوقية راسخ مهما تبدلت العصور أو تداخلت الحضارات، كما يجد البعض أن ما تعانيه الدول العظمى اليوم من عدم توافق التركيبة السكانية وتحديات الهجرة والتجنيس ما هو إلا ضريبة مستحقة لعصور من الاستعمار واستعباد مواطني الدول الأصلية، ومع الفرضيتين ( قبولا أو رفضا) لا يمكن إلا التركيز على تعميق الوعي الإنساني عبر القنوات الثقافية والإعلامية المتاحة والممكنة وصولا لعالم معترف بالتعدد محترم للإنسان عملا وكفاءة ورأيا بغض النظر عن أي اعتبارات خارجية تعكس سطحية المتحدث بها وعنها.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
