العمانيون وحدهم من حرر بلدهم من الاستعمار البرتغالي

12 نوفمبر 2025
12 نوفمبر 2025

نشر موقع وكالة تسنيم الدولية للأنباء التصريحات التي أدلى بها علي أكبر ولايتي مستشار الشؤون الدولية للمرشد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك في إطار حوار كان قد أجراه مراسل وكالة تسنيم الدولية وسؤاله للمستشار ولايتي عما وصفه بالتصريحات المعادية لإيران في حوار المنامة 2025 الذي عقد في مملكة البحرين.

وقال ولايتي حسب ما نقلته الوكالة بتاريخ 9 نوفمبر الجاري: «إيران كانت دائما تربطها علاقات ودّية بالمشيخات العربية المطلة على الخليج الفارسي، وكانت الدول الصغيرة دوما موضع دعم من قبل إيران».

وأضاف: «كلما واجهت الدول المجاورة أو دول ساحل الخليج الفارسي مشكلات كانت إيران تقف إلى جانبها وتقدّم العون». واستشهد قائلا: «على سبيل المثال في عام 1492 عندما هاجم البرتغاليون هذه المنطقة، واحتلوا جزيرة هرمز وميناء كمبرون ومسقط في عُمان تصدى لهم الإيرانيون في عهد الشاه عباس الكبير، فهزموهم واستعادوا الأراضي المحتلة، وأعادوا مسقط إلى أصحابها الأصليين دون أي طمع أو مصلحة شخصية».

(انتهى الاقتباس من وكالة تسنيم) من حق المستشار أن يدافع عن بلده من منطلق حسه الوطني وعلى طريقته، لكن الذي لفت انتباهي ما ساقه من مغالطات تاريخية واضحة لتسويق سرديته عن طبيعة علاقة إيران آنذاك بالمشيخات العربية المطلة على الخليج العربي ـ الذي يسميه الإيرانيون بالخليج الفارسي ـ معتبرا إياها دولا صغيرة كانت موضع دعم من قبل إيران، ثم يذهب في معرض سرديته إلى أبعد من ذلك في مغالطاته عندما تحدث عن حقبة الغزو البرتغالي للمنطقة عندما هاجموا في عام 1492م المنطقة واحتلوا جزيرة هرمز وميناء كمبرون ومسقط في عُمان علماً بأن الوثائق البرتغالية تشير إلى أنهم وصلوا مسقط في العام 1507م، وقد تزامن ذلك مع البدايات الأولى لتأسيس الدولة الصفوية، وذكر كيف أن فارس في عهد الشاه عباس الكبير «استعادوا الأراضي المحتلة، وأعادوا مسقط إلى أصحابها الأصليين دون أي طمع أو مصلحة شخصية».

غير أن الحقائق التاريخية حسب ما تؤكده الوثائق والمصادر والدراسات تنفي أي دور أو مساعدة كان قد قدمها الإيرانيون آنذاك لليعاربة حكّام عُمان إبان السيطرة البرتغالية، وهو ما أكده لي كذلك الدكتور إبراهيم البوسعيدي الأكاديمي المختص بالتاريخ البرتغالي في منطقة الخليج. صحيح أن الفرس في عهد الشاه عباس الكبير نجحوا في استعادة هرمز من البرتغاليين بعد تحالفهم مع الإنجليز سنة 1622م، وتعقّبوهم في السواحل العمانية من جلفار حتى بركاء، ولكن كان هدفهم توسيع نفوذهم، ولو أمكن لهم البقاء لبقوا كما كانوا يطمحون، غير أن البرتغاليين سرعان ما تمكنوا من طرد الفرس، واستعادوا الساحل العماني مرة أخرى.

عندما قامت دولة اليعاربة، واستعادت الدولة العمُانية قوتها وهيبتها جاهدت البرتغاليين جهاد الأبطال دون مساعدة من أي قوة خارجية أجنبية أو حتى إسلامية. وكانت يومئذ الإمبراطورية العثمانية قائمة، وكان يمكن أن تمد يد العون والمساعدة للعمانيين في جهادهم ضد البرتغاليين، لكنهم لم يبادروا، والعمانيون لم يطلبوا منهم ذلك؛ فراية التحرير تبدأ من وحدة الداخل والأخذ بالأسباب. وللمفارقة؛ نظر الفرس لليعاربة آنذاك كمنافسين لا كإخوة في العقيدة، وتحالفوا في أكثر من مناسبة مع القوى الاستعمارية الغربية كالإنجليز والهولنديين والفرنسيين؛ لتحقيق مصالحهم الخاصة في المنطقة، ولكن محاولاتهم تلك لم تنجح في إضعاف القوة العمانية الناشئة. وكان بإمكانهم تقديم الدعم والإسناد لطرد الغزاة من المنطقة، وإرساء دعائم السلم والأمن في المنطقة.

في المقابل؛ جاهد اليعاربة البرتغاليين في الساحل الفارسي؛ حيث هاجم العمانيون المراكز البرتغالية في لارك، وهرمز، وقشم، وهاجموا ميناء كنج البرتغالي في أكثر من مرة. وقد تكبد البرتغاليون من جراء الحملات العمانية تلك خسائر فادحة. وتعقّب العمانيون البرتغاليين في سواحل الخليج العربي، وسواحل المحيط الهندي وشرق أفريقيا. وجاء ذلك في إطار دورهم المشرّف في طرد الغزاة، وحماية خطوط الملاحة والتجارة؛ ليعم السلام والخير الجميع.

كان العمانيون عبر التاريخ دعاة سلام قولا وفعلا، وما زالوا يتبنون نفس الرسالة ونفس المسير، وقد عبر حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- عن ذلك بقوله: «نحرص على أن تظل رسالة عُمان للسلام تجوب العالم حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية تبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد».

إن استدعاء التاريخ بهذه المغالطات الواضحة، وتسويق سردية لا تستطيع الصمود أمام الحقائق فعل لا يخدم أحدا لا على السياق العلمي والتاريخي، ولا على السياق السياسي؛ ولذلك من المهم -كما هو معروف عند المؤرخين- التثبت من الحقائق التاريخية، وإسنادها إلى الوثائق والمراجع؛ حتى لا تتحول بقصد أو بغيره إلى مساحة للتضليل وقلب الحقائق، وبناء سرديات تاريخية دون مرجعية علمية.

د. علي بن سعيد الريامي

رئيس قسم التاريخ، جامعة السلطان قابوس