العلاقات العمانية المصرية نموذج يحتذى

28 يونيو 2022
28 يونيو 2022

تاريخ العلاقات العمانية المصرية تاريخ راسخ ومتواصل وثابت منذ أكثر من ٣٥٠٠ عام، حيث التواصل الحضاري بين العمانيين والأسر الفرعونية ودور اللبان كسلعة استراتيجية لعب دورًا محوريًا في ذلك التواصل الحضاري الفريد، واستمر ذلك التواصل في العصر الحديث بين مسقط والقاهرة وهناك عدة محطات مهمة أثبتت صلابة تلك العلاقات ورسوخها.

ولعل وقوف سلطنة عمان مع الشقيقة مصر خلال عملية السلام عام ١٩٧٩ بين مصر وإسرائيل واستعادة مصر أرضها في سيناء هو من أكثر المواقف السياسية المشهودة بين سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية. ولا يزال الشعب المصري يتذكر بكل التقدير والاحترام الموقف المشهود للقيادة العمانية آنذاك، حيث القرار التاريخي للسلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- ويتواصل هذا النهج السياسي في عهد النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- ولعل زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لسلطنة عمان ولقاءه المثمر مع جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والنتائج المهمة على صعيد الملفات السياسية والاقتصادية، حيث توافق الرؤى العمانية والمصرية في كل القضايا التي تهم المنطقة والعالم العربي، كما أن التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية يعطي مؤشرًا على انطلاق رؤيتين وهما رؤية سلطنة عمان ٢٠٤٠ ورؤية مصر الشقيقة ٢٠٣٠.

الانسجام السياسي

منذ أكثر من نصف قرن والعلاقات العمانية المصرية راسخة وهناك رؤى مشتركة بين الجانبين المصري والعماني. وكانت الزيارات المتبادلة بين القيادات العمانية والمصرية متواصلة على صعيد التأكيد على الموقف العربي، والحرص على المصالح العربية ومقدرات شعوبها. وكان الانسجام السياسي العماني المصري متواصل طوال عقود. ومن هنا فإن العلاقات العمانية المصرية هي علاقات نموذجية تحتذى على صعيد العالم العربي، وعلى ضوء ذلك ترسخت تلك العلاقات رغم تعقيد العلاقات العربية ـ العربية في عدة محطات اتسمت بها العلاقات العربية خاصة خلال عملية السلام بين إسرائيل ومصر عام ١٩٧٩.

إنَّ مصر وسلطنة عمان يلتقيان في رؤية سياسية واحدة يغلب عليها طابع السلام والحوار مع الآخر وحل القضايا والمشكلات بين الدول بالطرق السلمية، وهذه النظرة الموضوعية ساعدت على ديمومة العلاقات السياسية النموذجية بين القاهرة ومسقط، بل وانعكست على الود والاحترام المتبادل بين الشعبين المصري والعماني، كما أن مصر لعبت دورًا كبيرًا في عقد السبعينيات والثمانينيات في قضايا التعليم والصحة وفي مجال الإعلام في سلطنة عمان من خلال دور الكوادر المصرية. وتواصل ذلك الانسجام السياسي من خلال تواصل اللقاءات بين قيادتي البلدين الشقيقين ومن خلال تنامي التبادل التجاري، وفي مجال الاستثمار ومن خلال التنسيق المتواصل في مختلف القضايا، كما أن زيارة الرئيس المصري لسلطنة عمان ولقاءه المهم مع جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أعطى المزيد من الزخم للعلاقات العمانية المصرية خاصة في الجانب الاقتصادي.

التعاون الاقتصادي

من خلال التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون وعدد من البرامج التنفيذية وتنشيط التعاون في مجالات حيوية خاصة في مجال ربط الملاحة البحرية، وفي المجال اللوجستي والاستثمار والتعليم العالي وغيرها من المجالات الاقتصادية والتجارية سوف يعطي دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية بين البلدين الشقيقين. كما أن اللقاء الذي تم بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعدد من رجال الأعمال وبحضور مسؤولي البلدين يشكل محطة حيوية على صعيد التعاون المشترك في مجال الاستثمار من خلال دور القطاع الخاص ورجال الأعمال في البلدين الشقيقين كما أن هناك فرصًا واعدة يمكن استثمارها خاصة في المجال الصناعي والسياحي والملاحة البحرية وربط الموانئ. ويلعب الموقع الاستراتيجي للبلدين دورًا محوريًا، حيث الإطلالة المصرية على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ووجود واحدة من أهم القنوات البحرية في العالم وهي قناة السويس الاستراتيجية، حيث تعبر آلاف السفن التجارية من الشرق إلى الغرب وبالعكس في إطار تنشيط التجارة العالمية. وعلى الجانب الآخر تتمتع سلطنة عمان بإطلالة بحرية مميزة، حيث وجود المحيط الهندي وبحر العرب في جنوب وشرق سلطنة عمان وهناك بحر عمان والخليج العربي في شمال سلطنة عمان، كما أن هناك الشريان البحري الاستراتيجي وهو مضيق هرمز، حيث يمر شريان العالم، وهي الطاقة من منطقة الخليج العربي إلى الغرب وآسيا، كما أن وجود المناطق الاقتصادية والصناعية والمناطق الحرة في البلدين يساعد على إقامة شراكة اقتصادية مميزة خاصة وأن الإرادة السياسية موجودة على ضوء العلاقات المميزة والانسجام السياسي الذي تم الحديث عنه في السطور السابقة لهذا المقال.

مستقبل العلاقات

على ضوء تلك العلاقات الراسخة والتاريخية بين سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية فإن مسار ومستقبل العلاقات بين البلدين الشقيقين خاصة على صعيد العلاقات الاقتصادية، وفي مجال التكنولوجيا والثورة الصناعية الرابعة والابتكار وفي مجال التعليم العالي وفي مجال السياحة والقطاع اللوجستي وغيرها من القطاعات هي من الأمور الواعدة. كما أن تواصل التنسيق والمشاورات المستمرة بين قيادتي البلدين والمسؤولين التنفيذيين مما يعطي مؤشر تلك العلاقات زخمًا في تلك المجالات التي تم الإشارة إلى بعضها، كما أن التواصل والتشاور السياسي بين مسقط والقاهرة يعطي تلك العلاقات المزيد من الحيوية والتطور في كل المجالات التي تنعكس إيجابًا على مصالح البلدين والشعبين الشقيقين كما أن عناصر نجاح التعاون العماني المصري موجودة وهناك خطوات إيجابية في مجال زيادة التبادل التجاري وفي مجال الشراكة الاقتصادية وفي المجالات التي كانت مدار بحث ونقاش وأيضا من خلال أهمية التوقيع على عدد من مذكرات التعاون وعدد من الاتفاقيات والبرامج التنفيذية مما يعطي أواصر التعاون العماني المصري آفاقا واعدة ونقلة نوعية في مجال التعاون الاقتصادي يتماشى مع مستوى العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين على مدى قرون ساد من خلالها التفاهم والانسجام بين بلدين جمع بينهما قيم الحضارة والسلام والحوار.