العلاقات السعودية الإيرانية.. وأمن المنطقة

19 أكتوبر 2021
19 أكتوبر 2021

تطرقنا في هذه الصفحة وعلى مدى سنوات إلى أهمية السلام والأمن في المنطقة خاصة بين دول ضفتي الخليج العربي في ظل تحديات حقيقية تمر بها هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم حيث أحد أهم الممرات البحرية في العالم وهو مضيق هرمز إذ تمر عبره الطاقة إلى العالم.

ومن هنا فإن المؤشرات التي تتحدث عن مفاوضات إيجابية بين الشقيقة المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الصديقة يدخل في إطار عودة العلاقات الطبيعية بين الدولتين الجارتين اللتين تتمتعان بثقل سياسي واقتصادي مهم على صعيد المنطقة والشرق الأوسط.

وعلى ضوء ذلك فإن الحديث عن عودة الصادرات التجارية الإيرانية إلى السعودية هو تطور مهم وإيجابي يدخل في إطار الجهود التي تسعى إلى إيجاد الاستقرار والسلام في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

إن الحوار يثبت دومًا أنه الآلية الصحيحة كما تؤكد دومًا الدبلوماسية العمانية، ومن هنا فإن هذا التطور اللافت والإيجابي في العلاقات السعودية-الإيرانية هو لصالح المنطقة وشعوبها وفتح آفاق جديدة نحو التعاون وحل أي خلاف بين الدول الإسلامية وهو أيضا مكسب مهم لإنهاء التوتر في المنطقة وتفويت الفرصة على الكيان الإسرائيلي الذي دومًا يسعى إلى التوتر وقرع طبول الحرب في المنطقة منذ عقود.

إن المملكة العربية السعودية الشقيقة تلعب دورا محوريا على الصعيد العربي والإسلامي والدولي وهي تسعى دوما من خلال قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى تعزيز التفاهم والتعاون لما فيه مصلحة دول وشعوب المنطقة، ولا شك أن تصريحات وزير الخارجية السعودي الأخيرة تعطي ذلك المؤشر الإيجابي نحو إيران من خلال التقدم الذي تحرزه جولات الحوار بين البلدين كما أن الجمهورية الإسلامية الصديقة هي دولة إسلامية ودولة جارة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهناك مصالح مشتركة وتعاون بين دول ضفتي الخليج منذ قرون وهذا يعطي أحد الملامح الأساسية نحو استمرار هذا النهج التعاوني، والذي سوف يفتح آفاقًا واعدة للتعاون الاقتصادي والاجتماعي في مجال الاستثمار والتجارة وتبادل الخبرات علاوة على أن الدول الإسلامية بحاجة إلى التعاون في ظل جملة من التحديات التي تواجه العالم الإسلامي.

الرياض وطهران انطلاقة مهمة

هناك مشتركات عديدة تربط البلدين الصديقين السعودية وإيران كونهما أعضاء بمنظمة التعاون الإسلامية التي تضم ٥٠ دولة ومقرها مدينة جدة السعودية، كما أن هناك جوارا جغرافيا وإمكانات اقتصادية مهمة، وفي تاريخ العلاقات الدولية فإن وجود خلافات في الرؤى هو أمر يحدث حتى بين الدول الحليفة كما يحدث الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية كفرنسا بسبب صفقة الغواصات، ولكن الحوار يستمر للوصول إلى قناعات مشتركة، والمملكة العربية السعودية لديها تحفظات تجاه عدد من المواقف الإيرانية.

ومن هنا فإن طرح مثل تلك التحفظات على طاولة الحوار هو أمر صحي، ورأينا أن ذلك الحوار غير العلني في بغداد وعبر عدة جولات قد أدى إلى حلحلة بعض الأمور من خلال التصريحات الإيجابية بين مسؤولي البلدين علاوة على عودة الصادرات الإيرانية إلى السوق السعودي، وهذا مؤشر مهم ويبدو لي أن هناك إرادة سياسية وقناعة راسخة لدى قيادتي البلدين الجارين في إنهاء الخلافات وعودة العلاقات الدبلوماسية إلى ما كانت عليه وتبادل المصالح بين شعبي البلدين.

دور السلطنة الفاعل

ترتبط السلطنة بعلاقات تاريخية ووشائج اجتماعية مع الشقيقة المملكة العربية السعودية وهي علاقات استراتيجية تعززت بشكل أكبر بعد الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - إلى المملكة العربية السعودية للقاء أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كما ترتبط السلطنة بعلاقات تاريخية وحضارية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهناك جوار بحري مهم حيث وجود مضيق هرمز الاستراتيجي.

ومن هنا فإن دور السلطنة مهم من خلال تلك العلاقات الوثيقة مع الرياض وطهران، خاصة أن الدبلوماسية العمانية مشهود لها بالحكمة والدعوة إلى كلمة سواء بين الدول الشقيقة والصديقة ومن خلال تلك العلاقات المميزة التي تربط السلطنة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة والجمهورية الإسلامية الإيرانية الصديقة والتطور الإيجابي في الحوار بين الرياض وطهران، فإن تلك العلاقات سوف يكون لها دور إيجابي ويعزز من فرص النجاح والتعاون وينسج خطوط اتصال ويؤدي إلى عودة العلاقات السعودية-الإيرانية في أسرع وقت ممكن.

إن ثوابت السياسة الخارجية للسلطنة تعطي لها مجالا ومرونة للتحرك، وهو الأمر الذي شهدناه خلال نصف قرن ومن خلال ملفات معقدة ومن خلال الواقعية السياسية نجحت الدبلوماسية العمانية في إيجاد آليات للحوار بين الفرقاء في أكثر من منطقة جغرافية في هذا العالم.

كما أن التواصل السياسي بين السلطنة والسعودية مستمر ولعل الرسالة الخطية من جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - إلى أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي قام بتسليمها معالي السيد وزير الخارجية خلال لقائه بنظيره السعودي هي دليل على التواصل والتنسيق بين مسقط والرياض في مختلف القضايا التي تهم دول المنطقة وشعوبها، كما أن الاتصالات العمانية-الإيرانية متواصلة وكل تلك المؤشرات الإيجابية في العلاقات السعودية-الإيرانية هي موضع ترحيب السلطنة وكل الدول الإسلامية لأن ذلك يعزز فرص استقرار المنطقة ويبعد عنها شبح التوتر والصراعات بما يضمن أمن ومصالح تلك الدول وشعوبها.

الدرس الغربي

بعد حروب طاحنة بين الدول الأوروبية خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، والتي راح ضحيتها أكثر من خمسين مليون إنسان قررت الدول المتحالفة وحتى دول المحور التي هزمت في الحرب بقيادة ألمانيا وإيطاليا واليابان أن تتخذ القرار الصحيح، وهو الابتعاد عن الحروب والتركيز على تنمية الشعوب واتخاذ آلية الحوار لإنهاء الخلافات.

ومنذ عام ١٩٤٥ لم تشهد تلك الدول حروبا كبيرة باستثناء حرب البلقان التي كانت حربا عرقية ضد المسلمين في البوسنة والهرسك وانتهت بتقسيم يوغسلافيا، ومن هنا فإن العرب والمسلمين بشكل عام أمام فرصة تاريخية لإنهاء الحروب والصراعات والتفرغ للتنمية وتحقيق الازدهار الاقتصادي وهناك مؤشرات إيجابية على ذلك فالمملكة العربية السعودية لها «رؤية ٢٠٣٠» والسلطنة لديها «رؤية ٢٠٤٠» وهناك دول عربية وإسلاميه لها رؤية مستقبلية واعدة وهذا يبشر بالخير الواعد، خاصة أن هناك نماذج لدول إسلامية حققت طفرة صناعية وتنموية مهمة ودوما يقفز للذهن النموذج الماليزي حيث التقدم الصناعي الذي حققته هذه الدولة الإسلامية بقيادة الدكتور مهاتير محمد خلال نصف القرن الماضي، وهناك دول جنوب شرق آسيا وهي نماذج ناجحة بعد أن تخلت عن الحروب إثر صراعات دامية وعلى ضوء ذلك فإن أمام الدول العربية والإسلامية فرصة كبيرة للتفرغ للتنمية، خاصة أن دول الخليج العربية وإيران لديها إمكانات كبيرة للتعاون في المجالات المختلفة، وفي المحصلة الأخيرة فإن السعودية وإيران تعدان من الدول الإسلامية المهمة ذات الثقل الاقتصادي والاستراتيجي والحضاري ويجمعهما الإسلام الحنيف والجوار، ويتطلع الجميع في المنطقة إلى تتويج ذلك الحوار بعودة العلاقات الدبلوماسية بين الجارين السعودية وإيران إلى وضعها الطبيعي، لأن في ذلك مصلحة للبلدين الصديقين وللشعوب الإسلامية بشكل عام ويخدم الاستقرار في المنطقة وازدهارها.

_________

* صحفي ومحلل سياسي