العلاقات الأمريكية الصينية.. مؤشرات أمل في فيينا

17 مايو 2023
ترجمة - قاسم مكي
17 مايو 2023

مع تحوّل الولايات المتحدة والصين إلى المواجهة في السنوات الأخيرة اكتفى كلا الطرفين بالحديث عن سعيهما وراء التعاون حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لم يتحقق شيء من ذلك «السعي» حتى الأسبوع الماضي عندما بدأ أن كبار المسؤولين الصينيين والأمريكيين يوجدون بالفعل إطارا للارتباط البنَّاء بين البلدين.

بعد يومين من اللقاءات المكثفة (الأربعاء والخميس) في العاصمة النمساوية فِييَنَّا بين مستشار الأمن القومي جيك سوليفان وكبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي استخدم البلدان لغة متطابقة لوصف تلك الاجتماعات. فهي كانت «صريحة وموضوعية وبناءة» وبالنسبة للدبلوماسيين ذلك تقييم إيجابي جدا.

الحديث عن إعادة توجيه السياسة الخارجية ينطوي دائما على مخاطر. يصحُّ ذلك خصوصا مع واشنطن وبكين. فهاتان القوتان العُظمَيان ربما «مصيرهما الحرب» كما حذر جراهام أليسون أستاذ جامعة هارفارد في كتاب يحمل هذا العنوان. لكن يبدو أن ثمة مساحة مشتركة بدأت في الظهور خلال المحادثات المطوّلة والمستفيضة بين سوليفان ووانغ. قيل إن المسؤولين الأمريكيين والصينيين تباحثوا لساعات حول كيفية حل مشكلة الحرب في أوكرانيا قبل أن تتحول إلى كارثة مؤذية لكلا البلدين. لقد ناقشوا الكيفية التي يتصور بها كل طرف «ويسيئ فهم» الطموحاتِ الدولية للطرف الآخر. وتحدثوا بالتفصيل عن تايوان وهي القضية الخلافية الكبرى بين البلدين.

الحوار الصريح في فِييَنَّا كان مهمَّا لأن كلا الجانبين كانا يركضان بشدة في الاتجاه المعاكس في السنوات الأخيرة.

ركزت إدارة بايدن على إعادة بناء التحالفات العسكرية والشراكات الأمريكية ولم يكن لديها تواصل بنَّاء يذكر مع بكين. من جانبها أعلنت الصين عن شراكة «بلا حدود» مع روسيا وتولت رعاية تحالف «مغبونين». لكنها في الأثناء ابتعدت عن القوة العظمى الأكثر أهمية لمستقبلها. ما هو الشيء المختلف في فيينا؟ من التقارير التي وردت كان هنالك «جزئيا» انسجامٌ وتفاهم إيجابي. فسوليفان ووانغ كانا واثقين بما يكفي لكي يتحدثا بعفوية ومرونة. وطوال ما يزيد على 10 ساعات من المحادثات أزاحا الجداول الزمنية جانبا. فهما يتمتعان بما يكفي من ثقة رئيسيهما بايدن وشي جنبينج للانخراط في مباحثات دقيقة حول قضايا حساسة. ويبدو أنهما وجدا «لغةَ» مباحثاتِ القوى العظمى مثل تلك التي سادت في وقت ما بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين لكنها فُقِدت.

ذُكِرَ إن سوليفان ووانغ تباحثا حول حرب أوكرانيا باستفاضة. الصين تصر على أنها لن تتخلى عن روسيا شريكتها منذ فترة طويلة. ويبدو أنها تدرك أن الحرب لن تُحسم في ميدان القتال ولكن عبر الدبلوماسية. وفيما تُعِدُّ أوكرانيا العدة لشن هجوم مضاد قد يدفع القوات الروسية إلى الخلف تخشى الصين من أن تُفضي سلسلة متوالية من الخسائر الروسية إلى تقويض نفوذ الرئيس فلاديمير بوتين.

اقترحت الصين خطة سلام لأوكرانيا وهي ترسل مبعوثا خاصا هذا الأسبوع إلى كييف وموسكو وعواصم رئيسية أخرى. ويتوقع المسؤولون الأمريكيون ألا تلعب الصين دور الوسيط ولكن الكابح لتصرفات روسيا. فإذا قرر شي أن الوقت حان لإنهاء هذه الحرب قد تكون لدى بوتين بدائل قليلة. ذلك هو السبب في أن الكرملين حسبما قيل جَزِع من المحادثات الصينية الأمريكية التي جرت في الأسبوع الماضي.

في خلفية محادثات فيينا كان هناك سؤالان يتَّسمان بواقعية لا هوادة فيها من جانب الصين. إنهما يشكلان سياق مرحلة جديدة في العلاقة بين البلدين. وهي مرحلة وفقا لناطق باسم وزارة الخارجية الصينية «يجب ألا تكون العلاقات الصينية الأمريكية فيها لعبة مجموع صفري يتفوق فيها أحد الطرفين أو يزدهر على حساب الطرف الآخر».

يمكن القول إن قضية «الحتمية» هي مدار السؤال الأول. هل الولايات المتحدة في تدهور حتمي فيما تتجه الصين نحو صعود حتمي؟ سياسات شي ارتكزت وترتكز على كلا هاتين المحصَّلتين. لكن السنوات العديدة الماضية أثارت أسئلة في بكين. فاقتصاد الولايات المتحدة وإطارُها الاجتماعي كشفا عن مرونة مدهشة. وتقنيتها تظل التقنية الأرقى. فعلى سبيل المثال ربما تخيلت الصين أنها مهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي حتى الظهور المثير لتقنية جي بي تي -5.

في الأثناء ظلت الصين تواجه رياحا عكسية اقتصادية وسياسية. فهيمنتها العالمية ليست مؤكدة إلى حد بعيد.

ويبدو أن القيادة الصينية تناقش خلف الكواليس سؤال استمرار نفوذ أمريكا. لقد أشار المسؤولون الأمريكيون إلى مقال على الإنترنت هذا الشهر للدبلوماسية الصينية السابقة والمرموقة فو ينغ تساءلت فيه بعبارات مستترة عن مشروعية تشكيك بلد في نفوذ بلد آخر. حُذِف المقال من موقع الجامعة. ويقول هؤلاء المسؤولون أنها وُبِّخَت على ذلك. ما هو واضح أن نقاشا يدور حول هذه القضية.

السؤال الثاني الجوهري للصين هو هل إطالة أمد حرب أوكرانيا في مصلحة بكين؟ حسبما ذُكِر، جادل بعض المسؤولين الصينيين بأن الحرب الطويلة جيدة للصين. فالولايات المتحدة متورطة في الحرب وروابط روسيا مع الصين تتعزز. لكن كما يظهر هنالك حجة معاكسة تزداد قوة ومتانة وهي أن الحرب تعزز تحالفات أمريكا في أوروبا وآسيا وتوجد متاعب للصين في الأجل الطويل. ويقول المسؤولون الأمريكيون أن حظوظ هذه الحجة الأخيرة تتزايد في بكين.

بالنسبة لإدارة بايدن السؤال الجوهري هو هل من مصلحة أمريكا قبول الدور الدولي المتعاظم للصين والعمل مع القادة الصينيين لإنجاز أهداف مشتركة؟ ركزت الاتصالات الصينية الأمريكية على القضايا «الناعمة» كالصحة والغذاء والتغير المناخي. لكن بايدن شجَّع سوليفان على مناقشة القضايا الأمنية الجوهرية كقضية أوكرانيا. ويقال إن رسالة الولايات المتحدة في فيينا كانت تأكيدا جازما على الارتباط بين البلدين. مثلا، امتدح سوليفان وساطة وانغ بين السعودية وإيران وأوضح أن الولايات المتحدة ما كان في مقدورها لعب دور مماثل.

انفتاح بايدن تجاه الصين حفزت عليه فكرة بسيطة هي أن الولايات المتحدة لا تريد أن تبدأ حربا باردة جديدة. أنفق بايدن وقتا طويلا لتطبيق هذه النظرة. ففي البداية أذعن للاعتقاد السائد في واشنطن بأن المواجهة كلما كانت أكثر خشونة مع الصين كان ذلك أفضل. لكن يبدو أنه أخيرا وجد صوته.

البراعم القليلة لا تضمن تفتح الأزهار في الربيع دع عنك الإثمار في الصيف. لكن بناء على التقارير الصينية والأمريكية ما حدث في الأسبوع الماضي في فيينا كان بداية لعملية تواصل منتظم ومباشر سيفيد كلا الطرفين.

ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست.

ترجمة خاصة لـ «$»