الصومال وخيار الحوار

20 سبتمبر 2022
20 سبتمبر 2022

الصومال البلد العربي الشقيق وعضو جامعة الدول العربية يعاني الأمرين منذ عقود خاصة مع انتهاء نظام محمد زياد بري ودخول الصومال مرحلة جديدة من الانتخابات التشريعية، وحتى على صعيد منصب الرئيس، وكان المأمول أن يدخل هذا البلد العربي الذي يحوي موارد كبيرة وموقعا استراتيجيا مميزا على بحر العرب والبحر الأحمر مرحلة تنمية شاملة، لكن للأسف دخلت المشكلات والصراعات بين القوى السياسية لتعقد المشهد في الصومال، بل وحدث انقسام لبعض مناطقه مثل أرض الصومال علاوة على إقليم أوجادين المحتل من قبل أثيوبيا، كما أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا بعد التدخل العسكري الأمريكي بحجة محاربة الإرهاب ومع هروب القوات الأمريكية من الصومال بعد عمليات عسكرية ضد القوات الأمريكية دخلت الصومال في حرب أهلية بين حكومة مقديشو والجماعات المسلحة ذات التوجه الإسلامي ودخلت تلك المواجهة لتجعل من الصومال مرتعًا للتفجيرات وعدم الاستقرار بل ووصل الأمر إلى وجود ملامح للمجاعة على ضوء تقديرات الخبراء في الأمم المتحدة.

كان يمكن لبلد كالصومال أن يكون أنموذجًا للأمن الغذائي والازدهار الاقتصادي خاصة وأن لديه مقدرات طبيعية وثروات حيوانية كبيرة وأراضي زراعية وموقع استراتيجي مثالي على البحار المفتوحة ومع ذلك فإن تلك الفرص السانحة أهدرت بسبب الصراعات والحروب والخلافات الداخلية وهناك التدخلات الخارجية ومن هنا فإن المشهد السياسي في الصومال أصبح معقدًا، وأصبحت الحرب الأهلية، وكأنها حرب منسية، كما هو الحال الآن في سوريا واليمن وحتى أفغانستان؛ لأن استمرار تلك الصراعات والحروب ومرور سنوات على اندلاعها يجعل العالم أقل اهتماما بها وعلى ضوء ذلك فإن النموذج الصومالي ليس بعيدًا عن نماذج عربية تتواصل فيها الصراعات والمعاناة لشعوبها منذ سنوات وليس المشهد اليمني ببعيد عن ذلك.

لا شك أن التعقيدات القبلية لها دور مرحلي علاوة على أنانية السياسيين، علاوة على الصراع الفكري والأيديولوجي مما جعل الصومال يدخل مرحلة حرجة وتحول الصراع بين الجماعات الإسلامية والحكومة إلى مواجهة استنزاف مكلف لمقدرات الدولة الصومالية، كما أن شبح المجاعة بدأ يُطل مما جعل الأمم المتحدة تحذر من حدوث تلك المجاعة مما يستدعي إيجاد برنامج مساعدات عاجل لهذا البلد العربي.

ودوما نتحدث عن أهمية الاستقرار للدول والشعوب، فدول جنوب شرق آسيا هي أفضل نموذج مقارنة بعدد من الدول العربية والأفريقية التي لا تزال الحروب والصراعات تتصدر نشرات أخبار الصحافة العالمية وشبكات الأخبار، ومن هنا فإن الصومال يحتاج إلى وقفة سياسية سواء من الجامعة العربية أو من الاتحاد الأفريقي رغم أن جامعة الدول العربية هي أقرب لإيجاد حل سياسي للأزمة والحرب في الصومال ولكن للأسف الجامعة العربية أصبحت كما نشير دومًا أقل فاعلية، وكان الاجتماع الوزاري الأخير في مقرها بالقاهرة يعطي صورة عما وصل إليه حال هذه المنظمة العربية الأقدم في العالم، وفي تصوري أن الاتحاد الأفريقي قد يكون عنصرًا مفيدًا في بذل الجهود السياسية لإخراج الصومال من أزمته الداخلية التي أضرت بالشعب الصومالي ومقدراته وأمنه ووحدته الوطنية.

***

الصومال ومنذ عقود كانت له سمة التسامح والعيش المشترك لكل أطياف المجتمع الصومالي ومن هنا فإن فرض أي فكر متشدد لن يكون مفيدًا للصومال، ولابدّ من القبول بالعملية السياسية من خلال صناديق الاقتراع والانتخابات؛ لأن هذا هو الخيار الوحيد الذي يضمن الأمن والاستقرار في هذا البلد العربي الشقيق، ومن هنا فإن المشهد السياسي في الصومال يحتاج إلى حراك وحوار بين الفرقاء بمن فيهم الجماعات المسلحة لأن استمراء الصراع هو خسارة للشعب الصومالي وضياع مقدراته وهجرة عشرات الآلاف من أبناء الصومال إلى الخارج كما أن البنية الأساسية للعاصمة مقديشو وعدد من المدن الصومالية تأثرت من جراء الحروب والصراعات والتفجيرات على مدى عقود، ومن هنا فإن المنطق السياسي والموضوعي يفرض على الفرقاء الجلوس إلى طاولة الحوار والخروج بمقاربة سياسية تؤدي إلى انتهاء المواجهات المسلحة بين أبناء البلد الواحد وبدون الحل السياسي والحوار سوف تدخل الصومال إلى مزيد من الانقسام والتشرذم وتدهور الحالة المعيشية للشعب الصومالي كما تحذر من ذلك تقارير الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية.

إن المسؤولية الأساسية تقع على الفرقاء والمكونات السياسية في الصومال، وفي نهاية المطاف الجميع خاسر في تلك المواجهة المسلحة وفي مقدمتهم الصومال أرضًا وشعبًا ومقدرات، ومن الصعب فرض فكر أو طريقة حكم محددة إلا من خلال الدستور والتوافق السياسي من خلال إطلاق عملية حوار واسعة النطاق لا تستثني أحدًا، وهذا هو المنطق السياسي الصحيح، وهذا المنطق يمكن تطبيقه في كل الدول العربية التي عانت ولا تزال من الصراعات والحروب على مدى عقود؛ لأن العالم لن يأتي لحل إشكالات تلك الدول إذا لم تساعد تلك القوى السياسية نفسها وبلدها. هذا هو الواقع المرير الذي تعيشه الصومال منذ انتهاء الحكم العسكري في عقد الثمانينات من القرن الماضي. إن الصومال هو نموذج حي لمأساة حقيقية كان فيها للأنانية السياسية والتدخل الخارجي دور مؤثر لما وصل إليه الحال من تشرذم ومشكلات داخلية وحتى انقسام لبعض مناطق الصومال أما فيما يخص دور جامعة الدول العربية فإن هذا الدور لا يمكن التعويل عليه لأن هذه الجامعة تعيش مأزقا في نظامها منذ عقود وتصميم بعض أعضائها على فرض نمطية محددة للعمل التقليدي فيها مما جعلها تعيش وضعًا صعبًا يكاد يصل إلى أنها أصبحت في نظر الشعوب العربية مجرد مقر واسم وقرارات تضاف إلى أرشيفها.. هذا للأسف هو واقع الحال لجامعة الدول العربية.

إن الوضع في الصومال معقد وخطير إذا استمر الصراع بين الفرقاء ومن هنا فإن الخيار الوحيد هو إطلاق ذلك الحوار لإنقاذ هذا البلد العربي من وضعه الصعب، ويُدخله في مرحلة أكثر خطورة على أمنه الوطني واستقراره والمحافظة على مقدرات شعبه.