الصراع في السودان إلى أين؟ وإلى متى؟

26 يوليو 2023
26 يوليو 2023

بدأت الأوضاع في السودان تأخذ طريقا متأزما، منذ ما قبل الرابع عشر من أبريل من هذا العام بأسابيع، بعدما بدأ الخلاف يظهر بين القائدين الممسكين بسلطة البلاد العسكرية والسياسية.. وهو قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، وغريمه في قيادة قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ(حميدتي)، ولم يتوقع أحد من المتابعين والمراقبين للشأن السوداني المحتدم منذ سقوط النظام السابق بعد الاحتجاجات لتغييره في عام 2019، أن الخلاف سيصل إلى هذه المرحلة العنيفة من الصراع المسلح، الذي بدأ يتوسع ويأخذ مسارا عسكريا يمتد إلى العديد من الولايات السودانية. وقد بدأ الخلاف في بادئ الأمر خافتا بينهما، بصورة محدودة بين القيادات العسكرية الكبيرة بين الطرفين، والسبب كما قيل هو المطالبة من القوى المدنية التي أسقطت الرئيس السابق عمر البشير، بتوحيد الجيش في قيادة واحدة، وتحديد الصلاحيات لهما كما هو متبع في القيادات العسكرية في العالم، ويتم تقليص الكثير من القرارات التي كانت مسؤولياتها تمتد إلى الجوانب المدنية، ويتم اتخاذها من قبل القيادات العسكرية القابضة على مفاصل الدولة، وهذه بقيت سائدة منذ الانقلابات التي تمت في السودان منذ ستينات القرن الماضي، لذلك كلا القائدين يريدان أن يكون لهما من الصلاحيات والحضور ما ليس للآخر ، ومن المهام السياسية والعسكرية المقبلة، دون أن تتم الإزاحة أو الإقصاء، خاصة قائد قوات الدعم السريع الذي يشعر أن قواته ربما تكون هي المستهدفة في المرحلة المدنية المقبلة ، وحتى من المسؤولية في قيادة البلاد التي ستكون مسؤولية الجانب المدني بعيدا عن التدخلات العسكرية وفق الاتفاقات التي تمت بينهما، وتكون للقوى المدنية الصلاحيات في قيادة البلاد، وهذا ما سعت إليه المعارضة عبر الشارع وحركة الاحتجاجات، وتم الاتفاق مع رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان على تسليم السلطة للمدنيين، والتي حصلت بعد مفاوضات استمرت عدة سنوات، مع بعض الوساطات الخارجية العربية والدولية، وتتحول البلاد إلى حكم مدني دون تدخلات من سلطة الجيش في المسؤوليات المدنية، فلم تعد هناك ثقة بالقيادات العسكرية التي حكمت السودان منذ استقلاله في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وتوالت عليه الانقلابات العسكرية، مع ما صاحب ذلك من حروب وتوترات ومطالبات باستقلال جنوب السودان وبعض المناطق في شماله أيضا، وكلها تطالب بالانفصال من وحدة البلاد المركزية، وتم الانفصال في جنوب السودان الذي تسكنه أغلبية مسيحية وعرقية.

وقوات الدعم السريع تعتبر نفسها لعبت دورا مهما مع الجيش السوداني في إخماد الصراع بدارفور وبعض هذه المناطق الأخرى، الذي بدأ في أوائل التسعينات واستمر لعدة سنوات، وإقليم (دارفور) من الناحية التاريخية، مر بأزمات داخلية لازمت تاريخ هذا الإقليم الواسع منذ أمد طويل، خاصة من الناحية الجغرافية، حيث تعادل مساحته مساحة فرنسا وحدها، وبالتالي فإن السيطرة على الإقليم بصورة كاملة تبدو صعبة من قبل سلطة مركزية وحدها، ولذلك تم تأسيس قوات الدعم السريع، لكنها لم تكن بالصورة التي طرحها الإعلام بعد ظهور هذه المشكلة في دارفور، وهو ما تم الحديث عنه من المجازر الجماعية في هذا الإقليم، وهذا الأمر في مسألة لعب الأدوار، وحقوق ما قدمته للوطن كأشخاص، فهذه من المشكلات التي تحصل في الكثير من الدول ، لاسيما في الدول الآخذة بالنمو، وهذا ما وقع في السودان ، والذي يجري الآن أن قوات الدعم السريع أصبحت قوة كبيرة موازية للجيش السوداني، وهذه من الأخطاء الكبيرة، التي عقدت الأمور كما يحصل الآن، وهي نتيجة وليست سببا بأن نضع قوات ضخمة عددا وعدة بقيادتين، وكلاهما له الصلاحيات في قيادة منفصلة .

ولا شك أن السودان الشقيق منذ عقود، قد عانى ويعاني منذ استقلاله حتى الآن كما أشرنا ـ فهمومه كثيرة وكبيرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ونقص المرافق العامة، ومشكلات الخدمات المعيشية والصحية، وكونه بلدا كبيرا مترامي الأطراف، ولا تنقصه مثل هذه الصراعات التي تجري بين الفترة والأخرى، فما يعانيه يكفيه للبحث عن حلول وليس عن حروب واقتتال يطاله في حياة شعبه ومعيشته واستقراره، بل وحقه في الحياة الآمنة المستقرة. ويشير الدكتور حمدي عبد الرحمن حسن، أن السودان أصابه الكثير من المعاناة منذ الاستقلال حتى الآن، وهذه أحد أهم المتاعب التي يعانيها، وعلى «الرغم من التكلفة الإنسانية العالية للصراع العنيف في السودان وإمكانية تهديد المركب الأمني الهش في كل من الساحل والقرن الإفريقي، فإن الاتحاد الأفريقي فشل في معالجة أزمة السودان بشكل فعال. لقد كان واضحا منذ البداية كما حدث في أزمات سابقة مثل سد النهضة وحرب التيغراي، افتقار الاتحاد الإفريقي للقيادة والتأثير في حل الصراع، حيث أخذت الولايات المتحدة ودول أخرى زمام المبادرة في التوسط لوقف إطلاق النار وتسهيل المحادثات. ولعل ذلك يشكك في قدرة الاتحاد الإفريقي على قيادة القارة والحفاظ على الوحدة الإفريقية في أوقات الأزمات». وإذا استمر الصراع في السودان، دون أن يتم الحل السياسي بين الفرقاء ، فإن البلاد مقبلة على أزمات كبيرة تطال الشعب السوداني، ووحدة البلاد السياسية القائمة، وقد يؤدي إلى تدفق اللاجئين بمئات الألوف إلى الدول القريبة من السودان، بحكم الترابط الكبير، حتى أن بعض السكان في السودان لهم صلات عائلية في تلك الدول القريبة ما يسهم بزيادة التوترات الإقليمية ويزيد في إدامة هذا الصراع.

والإشكالية أن بعض المحللين والمتابعين، يرى أن ما يجري الآن في السودان سببه المؤامرات والتدخلات الخارجية، لكن هذا التضخيم للمؤامرات الخارجية، أراه هروبا من سلبيات الداخل وليس الخارج، وتقديم المصالح الخاصة على مصلحة الوطن، وعندما تستفحل الأزمات، ويستصعب الحل السياسي، فكل دولة لها مصالح أو منافع، وهذا حصل في العديد من دول العالم، لذلك القضية داخلية بحتة في رأيي، وما يستجد، هو من أخطاء ذاتية، وهو أن بعض القيادات لم تفكر تفكيرا سليما لحلها بالطرق العقلانية، فلا أتفق مع الكثير من التعليقات التي لا تكف عن القول بالمؤامرة الخارجية، وهذا هروب من النقد الذاتي في الداخل، والدليل على أن قضية المؤامرة ليست دقيقة، إذ لو وافقت أطراف الصراع على الجلوس للتفاوض بجدية وقناعة للحل، لانتهت (أسطوانة) المؤامرة الخارجية التي أراها ثقافة في بلادنا العربية، وكل ما يجري يتم وصمه بالمؤامرة الخارجية، أيضا يتحدث البعض عن التدخل الأمريكي فيما يجري واهتمامها بذلك، لكن مصلحة الولايات المتحدة تكمن في استقرار السودان وليس العكس، لأن الصراع لو تفاقم سوف ينعكس على كل دول المحيط، وللولايات المتحدة مصالح جيوسياسية واقتصادية وعسكرية، ليس في السودان فقط، بل في بعض دول القارة، ويهمها استقرار السودان، وتوقف الحرب فيه، ولذلك سعت مع المملكة العربية السعودية، لعقد لقاءات في المملكة، وهذه اللقاءات لم تحقق نتائج تذكر، بسبب تصلب مواقف الطرفين .

والحقيقة أن استمرار هذا الصراع سوف تتفاقم معه المشكلات الكبيرة، خاصة المشكلة الاقتصادية ، ويرى الكاتب يوسف البشير، أن الاقتصاد السوداني يعاني حتى قبل وقوع هذا الصراع، «من الركود وتباطؤ النمو. وبعد الحرب سيدخل السودان في انكماش على مدى طويل لتعطل عمل الصناعة التي تُسهم بـ 2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، لكن التأثير الأكبر سيقع على الزراعة التي يعتمد قطاع كبير من السودانيين عليها في ظل شح الوقود وفقدان السماد، إذ يسهم هذا القطاع الزراعي بـ 32.7 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، كما فاقم من هذه التأثيرات اختفاء مظاهر الدولة تمامًا منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب التي يُرجح أن تكون استنزافية طويلة الأمد، لامتلاك الطرفين كما هائلا من العتاد العسكري، ولعدم استعدادهما لإيقافها قبل أن تلحق بأحدهما خسائر لا يمكن تحملها». والحقيقة أن هذا الصراع، لا بد له من الحل السياسي الكامل، لكن يبدو أن قيادة مجلس السيادة، تريد وتراهن على الحل العسكري لما يجري الآن من الهجمات التي تستهدف قوات الدعم السريع، وإنهاء هذا التمرد، كما تسميه قيادة الجيش، وقد تستطيع القوات المسلحة السودانية، النجاح في هزيمة القوات المناوئة لها على المدى القصير، لكن هل سينتهي الصراع تماما من قبل هذه القوات؟ فالخوف أن تنتقل هذه القوات بعد هروبها من المواجهة العسكرية، إلى حرب عصابات، تتنقل هنا وهناك، وهي أصلا متدربة على هذه الطرق، وهي من مهامها عندما أنشئت، لذلك أرى أن الحل السياسي بالتفاوض، هو أنجع الوسائل وأفضلها لانتهاء هذه التوترات وما بعدها لمصلحة السودان واستقراره.