الصحافة وحرية التعبير

06 مايو 2023
06 مايو 2023

احتفل العالم في الثالث من مايو الحالي بالذكرى الثلاثين لليوم العالمي لحرية الصحافة 2023، وقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أن -بناء مستقبل قوامه الحقوق. حرية التعبير محور حقوق الإنسان- الثيمة الرئيسة لهذا الاحتفال؛ معلنة بذلك تلك الصلة التي تربط حقوق الإنسان ببعضها باعتبارها دواعم أساسية يقوِّي أحدها الآخر، ويقدِّم إطاراً عاما لمفاهيم حرية الصحافة، وحقوق الإنسان وضرورة احترامها وتمكينها بما يضمن مستقبل هذه الحُرية وتفعيلها للوصول بها نحو تحقيق الأهداف الوطنية.

وبهذه المناسبة نشرت المنظمة مذكرة مفاهيمية بشأن ما يواجهه العالم من أزمات وصراعات في كافة المجالات والأصعدة، وما تعانيه الصحافة من تحديات وإشكالات خاصة ما يُنشر من معلومات مضللة عبر وسائل التقنية المختلفة، التي أصبحت تُشكِّل أحد أهم التحديات التي تواجه الصحافة والإعلام، وما تسببه من خطورة على المؤسسات والأفراد بل على المجتمعات، مما ينعكس على قدرة الإعلام المهني على التصدي لها ومواجهتها، بُغية الحفاظ على الأسس والركائز التي يقوم عليها العمل الصُحفي.

ولأن حرية الصحافة مرتبطة بالحقوق الأخرى الإنسانية والطبيعية، فإن اليونسكو جعلت منه فرصة لربطه بتلك الحقوق، والدعوة للتعاون من أجل دعم القضايا البيئية والحقوق الإنسانية والرقمية ومكافحة الفساد وغيرها من خلال دعم حرية الصحافة باعتبارها محركا أساسيا للحريات، وممكِّنا لتلك الحقوق، وفرصة لزيادة الوعي بمفهوم حرية التعبير عن الرأي وأهميته في دعم صناعة القرار، وتعزيز أهداف التنمية في المجتمعات؛ فحرية الصحافة تُعد من العوامل (التمكينية) لجميع حقوق الإنسان الأخرى، وبالتالي فإنها عامل مهم من عوامل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتمكين الأفراد.

ولقد ركَّزت المذكرة المفاهيمية التي نشرتها اليونسكو على أهمية حرية الصحافة في (تمكين حرية الرأي)، والدور الذي تقوم به الصحافة في -نقل المعلومات والأفكار والمفاهيم والمعتقدات عبر الحدود والثقافات - حسب ما ورد في المذكرة - ولكي تقوم بهذا الدور عليها أن تعتمد على المعلومات والبيانات الصادقة الصحيحة التي تكشف التحديات الحقيقية التي تواجه المجتمعات، ومدى تأثيرها في دعم حقوق الإنسان من ناحية، والإمكانات التي تمتلكها المجتمعات ومواردها البشرية القادرة على المشاركة الفاعلة في التنمية، وقدرتها على دفع القضايا الاجتماعية والثقافية والبيئية والاقتصادية التي تواجهها من ناحية ثانية.

ولعل إيراد مصطلحات من مثل (صحافة المصلحة العامة)، و(حق الحصول على المعلومات) في المذكرة يدل على تلك الأهمية التي ترتكز عليها حُرية الصحافة، ودورها في دعم المصالح التنموية العامة، وقدرتها على مناقشة القضايا التي تخص المجتمعات، مما يشير إلى أهمية الاستثمار في الصحافة ودعمها وتمكين دورها التنموي المجتمعي، الذي يهدف إلى خدمة المصلحة الوطنية العامة، والاستثمار في (المجتمعات المرنة المستنيرة) التي تقدِّم فيها الصحافة دورها الإيجابي في دعم القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في الدولة، ولهذا فإن العمل على المصلحة العامة التي تخدم المجتمع، يُعدُّ مشاركة فاعلة في تحقيق تلك الأهداف والرؤى التي يسعى إليها الوطن؛ إذ لا يمكن أن تتقدَّم المجتمعات ما لم يكن هناك دور حقيقي وفاعل للصحافة والإعلام بشكل عام. إن الاحتفال بيوم الصحافة العالمي 2023، يحيل إلى الدور الفاعل الذي تقوم به الصحافة في سلطنة عُمان، وقدرتها على مواكبة الأحداث، ومساهمتها الفاعلة في دعم القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تواجه الدولة، ومحاولتها الدؤوبة في تقصي الحقائق والمعلومات الصادقة في تناول تلك القضايا وتحليلها، ولعل دعم الدولة لحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي، قد أسهم مباشرة في ثراء الصحافة وتغيير أنماطها وتقديم ما يمكن أن يُسهم في التنمية الوطنية ويدعم حقوق المجتمع. وعلى الرغم من أن قانون (المطبوعات والنشر) العماني، يُعد من القوانين القديمة التي لابد من مراجعتها وتحديثها بما يتواكب مع المستجدات المتسارعة في مجال الصحافة والنشر والإعلام، إلاَّ أن التحديث المستمر في اللائحة التنفيذية، ومحاولة مواكبة المستجدات من خلال القرارات المختلفة، والعمل على تطوير منظومة الإعلام في عُمان، يُعد داعما لحُرية الصحافة وتمكين دورها، وانفتاحها على قضايا المجتمع، وقدرتها على مواكبة التحديات، ومساهمتها الفاعلة في تحقيق أهداف التنمية الوطنية؛ فما تقدمه الصحافة في عُمان بوسائلها المتعددة يُعد نماذج مهمة في دعم حقوق الإنسان والبيئة، بما يُعزِّز النهوض بهذه الحقوق ودعمها، وتمكين دورها في تحقيق المواطنة والمشاركة المجتمعية الفاعلة.

إن الصحافة تواجه تحديا خطيرا يتفاقم ويتعاظم؛ فكلما زاد الانفتاح التقني والتكنولوجي، زاد خطر انتشار المعلومات والبيانات الكاذبة المضللة، التي تسعى إلى محاولة النيل من استقرار المجتمعات من خلال التشكيك في قدرة الحكومات والمجتمعات على تحقيق أهدافها الوطنية، وبالتالي زعزعة الثقة في تلك المجتمعات، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على دعم حقوق الأفراد وتمكينهم، ومشاركتهم الإيجابية في تحقيق أهداف مجتمعهم، إذا لم يتم التصدي لمثل تلك البيانات والمعلومات من قبل الأفراد والمؤسسات الصُحفية، من خلال مبدأ الشفافية ودعم حق الحصول على المعلومات باعتباره أحد الحقوق التي تسهم في إيجابية المشاركة والتفاعل المجتمعي.

فحق الحصول على المعلومات من بين الحقوق التي تؤصِّل مبدأ الشفافية والإفصاح من ناحية، وتدعم حق الأفراد في الوصول إلى المعلومات الصادقة والصحيحة من ناحية أخرى، مما يضيِّق الخناق على البيانات والمعلومات المضللة والكاذبة ويحدُّ من شيوعها وانتشارها؛ حيث يمكِّن الصحفيين والأفراد من سهولة الوصول إلى المعلومات والبيانات، بما لا يتعارض مع الحقوق الأخرى التي تكفلها الدولة، ولا يتعارض أيضا مع معايير سرية تلك البيانات وأنظمتها وحق تداولها، ذلك لأن الحصول عليها من الجهات الموثوقة في الدولة يحمي الأفراد ويحمي الصُحفيين من المساءلة، كما يحمي المجتمع من انتشار المعلومات التي قد تُسيء لمنظومة المجتمع وقيمه.

لهذا فإن النظر في إمكانية إيجاد قانون يضمن حق الحصول على المعلومات وتداولها، سيُسهم في حماية الصُحفي من الوقوع في العديد من المحاذير، وسيضمن وصوله إلى المعلومات والبيانات اللازمة التي تُؤسس لمبدأ الشفافية، والتقصي والتحليل، بما يعزِّز قدرة الصحافة والإعلام على التفاعل الإيجابي مع القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ويدعم دوره التشاركي في البناء التنموي، إضافة إلى ما يقوم به القانون من دور في دفع المؤسسات للمشاركة الإعلامية الفاعلة ضمن مبدأ الشفافية والإفصاح والحصول على المعلومات، بما يسهم في التصدي لكل الشائعات والمعلومات المظللة قبل حدوثها، وبما يضمن المناقشة الشفافة لتلك البيانات والتقييم الصادق.

فعلى الرغم من تعاون العديد من المؤسسات والأفراد وما تشهده الدولة من إفصاح عن المعلومات وما تتحراه من شفافية في الكشف عن البيانات، إلاَّ أن التحفظ الذي يمكن أن نجده من بعض المؤسسات أو الأفراد في التحقيقات الصُحفية أو اللقاءات الإعلامية المختلفة، أو التكتم على البيانات أو المعلومات، مرَّده إلى الرقابة الذاتية التي تكمن في الخوف من الوقوع في إشكالات الكشف عن المعلومات غير المصرَّح بها، أو تلك التي لا تندرج ضمن نطاق مجالات الإفصاح وغير ذلك، وهي رقابة تظل محمودة حتى تتسَّبب في غياب الكثير من تلك المعلومات والبيانات، وقصور المواد التي يمكن للصحافة المهنية عرضها ومناقشتها وتحليلها بشفافية، الأمر الذي يدفع بالكثير من غير المهنيين أو مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى سدِّ فراغاتها بالأكاذيب أو الشائعات أو غير ذلك.

ولهذا فإن إيجاد تشريع يوضح للمؤسسات والأفراد النطاقات التي يمكن من خلالها مشاركة المعلومات ومناقشتها، سيضمن حصول الصحافة على تلك المعلومات بما يُعزِّز دورها ومجالات حريتها في العمل من ناحية، وسيُسهم في منظومة إعلامية أكثر قدرة على المشاركة الإيجابية والسريعة مع الأحداث والمتغيرات من ناحية ثانية، كما يسهم في التقليل من المعلومات المضلِّلة من ناحية ثالثة.

إن ضمان حق الوصول إلى المعلومات والحصول عليها، ركيزة أساسية لممارسة حُرية الصحافة المهنية، إذ يُعزِّز دورها الإيجابي في المجتمع، ولذلك فإن الكثير من الدول لجأت إلى إصدار قانون حق الوصول إلى المعلومات ونظَّمت تداولها بما يُحقق الشفافية والإفصاح، ويضمن حقوق الإنسان، وحق حرية الصحافة، لتستطيع ممارسة عملها وفق رؤية واضحة وإيجابية.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة