الشائعات والتنمية الاقتصادية

22 أغسطس 2022
22 أغسطس 2022

تعرّف الشائعات بأنها تلك المعلومات التي تتناقل دون الاستناد على مصدر موثوق أو الترويج لخبر غير صحيح أو غير دقيق أو ربما يمثل جزءًا ضئيلا من الحقيقة، فهي رسالة اتصالية غير مؤكدة المصدر تتداول بين المتفاعلين في وسائل التواصل الاجتماعي ويجري مناقشتها وتناقلها بين أفراد المجتمع أكثر من كونها فكرة أو نظرية مبنية على أسس التحقق من صحة الخبر، وتؤدي إلى إحداث ربكة في فهم المتلقي للمعلومة الصحيحة في الوقت المناسب.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة فائقة خلال السنوات الماضية ودورها في التأثير على متابعي تلك الوسائل، أصبحت هناك سهولة في تداول الشائعات وانتشارها على نطاق واسع خاصة إذا كانت الشائعة متداولة من قبل أحد الفاعلين والمؤثرين أو يحظى بقبول واسع ومتابعة مستمرة في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تعد الشائعة أزمة تحتاج إلى تدخل حازم وصارم لمنع انتشارها والتقليل من مخاطرها كونها تؤثر على قيم وسلوكيات المجتمع وتسهم في زعزعة أمنه لاسيما المرتبط بالتنمية الاقتصادية وهي العملية التي تتكون من سلسلة تغيرات هيكلية ووظيفية في المجتمع نتيجة توجيه الموارد المتاحة في المجتمع لرفع مستوى رفاهية غالبية أفراده.

إن عقلية القطيع -تبنّي الأفراد لسلوك مشابه للناس من حولهم وتجاهل مشاعرهم تجاه الموضوع- التي تسود بعض المجتمعات وإشراك المتلقي في التفكير بنتائج بعض الموضوعات التي تكثر بها التأويلات بالإضافة إلى ضعف الحس الإدراكي بسبب محدودية المعارف الناتجة عن عدم توفّر المعلومات الكافية بشأن بعض القضايا والموضوعات لدى أفراد المجتمع تعد من العوامل الرئيسة لانتشار الشائعات وصعوبة محاصرتها كونها تسهم في رفع مستوى الخيال والتأويلات والتحليلات غير المنطقية، إلا أن مع تصدي المؤسسات الحكومية للشائعات عبر نفيها عن طريق مصادرها الرسمية أسهم في محدودية تداول الشائعات خاصة في ظل تضافر الجهود باستمرار من قبل وزارة الإعلام للتعامل مع انتشار الشائعات وتجفيف مصادرها والتصدي لتداولها عبر القيام بأنشطة إعلامية سريعة عند ظهور الشائعة، إذ لوحظ خلال السنوات الماضية تصاعد الاهتمام عالميا بمواجهة انتشار ظاهرة الشائعات عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة كونها تسهم في انعدام الثقة بين المجتمع والحكومة بالإضافة إلى إثارة الأزمات بين الدول والأفراد.

وتؤثر الشائعات على التنمية الاقتصادية خصوصا من خلال آثارها السلبية على الاقتصاد، إذ تساعد على إحداث ربكة لدى الرأي العام عندما تستهدف القطاعات الاقتصادية الواعدة مثل قطاعات السياحة واللوجستيات والصناعات التحويلية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة مثل تداول أرقام أو معلومات غير صحيحة بشأن تفاصيل المشروعات مما يسبب ضررا حول مستقبل القطاعات ويساعد على عزوف المستثمرين عن الاستثمار وخروج الأموال من الدول وارتفاع الأسعار، ولكن عموما فإن الشائعات أصبحت خطرا كبيرا على حياة الأفراد عبر تعرضهم لاضطرابات نفسية ومعنوية عند تداول الشائعات التي تستهدف حياتهم الاجتماعية اليومية مثل ما يتداول في وسائل التواصل الاجتماعي من شائعات وأخبار مضللة أو غير دقيقة بشأن بعض القضايا والموضوعات المرتبط بالأسرة والمجتمع مما يساعد على ظهور قضايا اجتماعية مثل قضايا الطلاق وتفكك الأسر، أيضا للشائعات دور في تفكك الأسرة وتدهور المجتمع أو تماسكهما وفقا لدور تلك الشائعات في رفع أو خفض الروح المعنوية للمجتمع، إذ إن الشائعات تسهم في تغيير مواقف الأفراد وتفاعلهم مع بعضهم البعض عندما تتداول بشأن شراء منتج أو زيارة معلم معين أو اتخاذ قرار يستهدف الأسرة والمجتمع، فليس كل الشائعات لها تأثيرات سلبية ربما تؤثر على الجوانب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وتنميتها إيجابا وتساعد المؤسسات بكافة أنواعها على فهم سلوك الجمهور وتوجهاته.

إن استمرار التنمية الاقتصادية تتطلب حذرا كبيرا عند التعامل مع الشائعات المرتبطة بالاقتصاد، إذ إن الرد على بعضها خاصة المرتبطة بالجانب الاقتصادي ربما يسهم في انتشار الشائعات على نطاق واسع في وسائل الإعلام عبر قيام الأشخاص بالبحث عن الشائعة وتداولها والتعمق في أسباب الرد أو التعامل معها مما يفتح مجالا للتأويلات الصحيحة وغير الصحيحة بشأن التعامل حولها، ولكن في حال استشعار المؤسسة لخطورة الشائعة وتأثيراتها السلبية على المجتمع وتنميته الاقتصادية، فإنه يتطلب تعاملا سريعا لتوضيح ما يتداول في وسائل التواصل الاجتماعي للرأي العام وعدم الإدلاء لأي وسيلة إعلامية بنشاط إعلامي بشأن الشائعة إلا بعد التأكد من حيثياتها ودراسة الرد عليها، بالإضافة إلى ذلك ينبغي الإسراع في تفعيل منظومة الرصد والتحليل في مختلف الجهات الحكومية المرتبطة بالتنمية الاقتصادية لرصد وتحليل الشائعات المتداولة بشأنها والتواصل سريعا عبر دوائر الإعلام والتواصل في تلك المؤسسات لتزويدها بالمعلومات المتداولة لتوضيح حقيقة ما يتداول للرأي العام.

خلاصة ما ذكر أعلاه، أرى من المهم والضروري دراسة الشائعة وخطورة انتشارها وكيفية مواجهتها عبر استحداث منهج تربوي في مختلف المراحل الدراسية خصوصا المرحلة الجامعية كونها تمثل مرحلة نضج الطالب وإدراكه بخطورة الشائعة، بالإضافة إلى دراسة الشائعات ومدى تأثيراتها على المجتمع نفسيا واجتماعيا واقتصاديا عبر إسناد هذه المهمة للأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وتكثيف الأنشطة الإعلامية المتنوعة خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي وتوضيح العقوبات المترتبة على ناشري الشائعات ومروجيها.