السلفية التجديدية في المغرب العربي

27 أبريل 2022
27 أبريل 2022

تعتبر السلفية الوطنية التجديدية في المغرب، من السلفية الإصلاحية وما قبلها، خاصة التوجهات مع إصلاحية جمال الدين الأفغاني والإمام محمد في القرن التاسع عشر وما استلهمته من سلفية الأوائل، من حيث الرؤى والمنطلقات، في الأخذ مما تم إرساؤه من اتّباع الكتاب والسنة من الصحابة والتابعين، لكنها جددت في الأفكار من حيث إضافة أهمية الاستقلال الوطني، ومقاصد الشريعة الإسلامية وتربية الفرد، فالشرق العربي لا شك تنبث منه الأفكار -كما يقول محمد عابد الجابري- ويتم التلقي منه لكون المنابع واحدة، فالسلفية في المغرب أخذت مما طرح في هذا الأمر، لكن التمايز تم بما يتوافق تلك الظروف، لكن الأسس الكبيرة تبقى لا خلاف عليها بين السلفيات الإصلاحية والتجديدية، فأخذ الجانب الوطني الأولوية في النهضة والتقدم والإصلاح والتحرر، بما يتناسب والقيم التي ارتضاها الإسلام منذ العصر الأول.

وفي هذا الصدد يقول العلامة المجدد علال الفاسي في كتابه (الحركات الاستقلالية في الغرب العربي)، عند انطلاقة السلفية الوطنية الجديدة، لم تكن قاصرة على بعض القضايا المحدودة تجاه محاربة البدع والخرافات، لكن السلفية المغربية تلاقت مع المطالب الوطنية التي أصبحت حاجة ماسّة بين أبناء الوطن في المغرب، وأهمها قضية الاستقلال وتنمية الشخصية وتربيتها فـ«لم تكن هذه الحركة قاصرة على الدعوة ضدًا على الخرافات، بل تجاوزتهما لحثّ الشعب على العلم والدعوة إلى إصلاح شامل ومقاومة الجمود في فروع الحياة. والذي ينظر في تاريخ الحركات العامة في الدنيا كلها يجد أنه لم تقم ثورة مفيدة في بلد ما إلا سبقتها دعوة للرجوع للماضي البعيد. ذلك أن الرجوع الذي يظهر في شكل تقهقر إلى الوراء هو نفسه تحرر كبير من أشياء كثيرة وضعتها الأجيال العديدة والعصور المختلفة. والتحرر منها هو تخفيف يسهل السير إلى الأمام بخطى واسعة. وإزالتها من الطريق تفتح أفقًا عاليًا يهدي السائرين إلى الغاية الصحيحة التي يجب أن يوجهوا أنفسهم إليها». ولذلك هذه السلفية اهتمت بقضايا أخرى يحتاجها المغرب في تلك الظروف التي سبقت الاستقلال الوطني، وكان لا بد من النظر إليها بجدية واهتمام، وفق منطلقات السلفية الصحيحة ورؤيتها الإسلامية النقية الصافية من العقيدة الإسلامية وتنقيتها مما أتى عليها من الإضافات التي هي ليس منها، ويضيف العلامة علال الفاسي إن النظرة لدينا قد تختلف وفق ما نراه أولى بالاهتمام في تلك الظروف: «فلئن كانت السلفية في باعثها الحنبلي ترمي لتطهير الدين من الخرافات التي ألصِقت به والعودة إلى روح السنة المطهرة، فإنها لا تقصد من وراء ذلك إلا تربية الشخصية الإسلامية على المبادئ التي جاء بها الإسلام بصفته المتكفل بصلاح الأمة في دينها ودنياها... وبذلك فهي حركة تتناول نواحي المجهود الفردي لصلاح المجتمع، وتتطلب فتح الذهن البشري لقبول ما يلقى إليه من جديد، وقياسه بمقياس المصلحة العامة».

ولذلك فإن السلفية الوطنية المغربية، أضافت إلى اهتماماتها قضايا الوطن وما يحتاجه أيضا من متطلبات في راهنه آنذاك، وهذا ما أعطى للسلفية في المغرب العربي تقديرا واحتراما لهذه المواقف المبدئية، لكن القضايا الثابتة لرؤية السلفية ومهمتها لا بد من الحفاظ عليها بقت كما كانت ثابتة، ألا وهي الحفاظ على العقيدة ورفض من يدخلها من أفكار مغايرة لا تتفق ومنهجها، لكنها لم تركن إليها بل أخذت بما تراه الأمة المغربية من مطالب ذات أولوية، ويرى الدكتور محمد عابد الجابري، في كتابه (وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر)، أننا: «عندما كنا أطفالًا وشبانًا، في الأربعينيات وبداية الخمسينيات من هذا القرن، كانت الملامح الرئيسية المكونة لصورة «السلفي» في أذهاننا هي: معاداة المستعمر، ومحاربة الشعوذة، واستنكار زيارة الأضرحة، وشجب الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية «الشعبية» التي تدخل في ما يطلق عليه اليوم اسم «الفولكلور»، هذا فضلًا عن الورع والمواظبة على القيام بالشعائر الدينية...الخ، وبصورة مختصرة كان «السلفي» في الوسط الثقافي والاجتماعي الذي كنا نعيش فيه، حين بدأنا نفتح أعيننا على الحياة في الأربعينيات وإلى بداية الخمسينيات، رجلًا مجددًا، مناهضًا للوضع القائم: سواء الجانب الذي يمثله الحكم الأجنبي (الاستعمار) أو الجانب الذي يمثله الواقع الوطني المتخلف الموروث من فترة ما قبل الاستعمار».

ولا شك أن طبيعة الظروف والمطالب الوطنية جعلت السلفية المغربية تقدم ما هو أكثر أثرا في راهنها من حيث إيقاظ الوعي لما يحيط المغرب من مخاطر استعمارية، أو مطالب متجددة لا بد من أخذها في الحسبان، ولذلك كما يشير الدكتور محمد عابد الجابري، أن هذا ما جرى في المغرب مما جعل هناك اختلافا في الأولويات بين سلفية المشرق وسلفية المغرب: «ومن دون شك، فإن السلفية في المشرق قد سارت خلال تطورها في اتجاه يختلف بعض الشيء، بسبب ظروف وأوضاع كان المغرب، ولا يزال، متحررًا منها. وليس ها هنا مجال الخوض فيها. ومع ذلك فلقد كانت السلفية في تقدير السلفيين واعتقادهم وأيضًا في تقدير فريق واسع من الجماهير العربية المسلمة تعني: استقامة السلوك، والتجديد في الدين، والعمل من أجل المستقبل من خلال الدعوة إلى الرجوع إلى «سيرة السلف الصالح». وهذه بلا شك نظرة تجديدية للواقع الذي تتفق فيه الرؤية العامة تجاه قضايا واحدة الواحدة، وتختلف في المستجدات التي يتطلبها الواقع وتحولاته السياسية والفكرية والعلمية، ولذلك حصلت تغيرات في الواقع الجديد في المغرب العربي في مرحلة تالية، كما يقول الدكتور عبدالحكيم أبو اللوز فـ«بعد نيل الاستقلال، كان للدعوة السلفية أن تعيد النظر في أساليب عملها وتنظيمها، تبعا للتغيرات الكبيرة التي عرفها المجتمع المغربي على جميع المستويات، ذلك أن أنماط الفعل السابقة لم تكن لتنسجم مع ما بدأ يشهده المغرب من أوراش لبناء والمجتمع على ضوء أساليب التنظيم المؤسسي الحديث، مما كان يوجب على الدعوة الانتقال من مرحلة الارتباط بالأشخاص إلى العمل داخل المؤسسات، بما يعنيه ذلك من ضرورة تحقيق قفزة على المستوى الدعوي بتوحيد العاملين في حقل الدعوة، والقطع مع أسلوب الدعوة المبعثرة التي يعمل فيها كل فريق على حدة، واكتساب مهارات جديدة لتقديم الإسلام في حلل جديدة، تناسب التصورات والذهنيات المعاصرة». وهذا طبيعي أن تتعدد الأفكار مع التحولات التي أصبح العالم كله قرية صغيرة في معرفة ما يدور في كل بقعة من هذا الكون، ولا شك أن الدعوة الوهابية، انتشرت بشكل لافت في دول المغرب العربي، لكنها كانت دعوة بعيدة من السياسة في مراحلها الأولى، مع تعدد اختلاف التصورات بين بعض جماعاتها، والدولة في المغرب في مرحلة من المراحل، استفادت من اختلاف توجهاتها، ورؤيتها تجاه الإسلام السياسي الإصلاحي الذي دخل في الانتخابات والمشاركة السياسية، ولذلك كما يرى الباحث بلال التليدي: «أن الدولة في المغرب، لن تبقى على الموقف نفسه -من الحركة السلفية- فعلى مدى أكثر من ثلاثين سنة، وبالتحديد ما بين تاريخ نشأة التيار السلفي في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، لم تكن الدولة تتأذى من المواقف المتشددة للتيار السلفي، بل على العكس من ذلك، كانت تستفيد من الزخم الذي يشكله موقفها المعادي للديمقراطية والمشاركة السياسية والانتماء للأحزاب والتنظيمات لتحجيم وإضعاف الحركات الإسلامية، واستنزاف طاقتها وجهودها في معارك هامشية مع التيار السلفي، ولذلك كانت الدولة تغض الطرف عن أنشطة السلفيين، وتقدم الدعم اللوجستي لهم، وترخص لهم بإقامة الأنشطة، وتغض الطرف عن علاقاتهم». لكن الحركات السلفية في المغرب العربي، كما في المشرق، حتى في الغرب، حصل لها توجهات بما يُعرف بالرؤية الانشطارية في توجهاتها الفكرية والسياسية، ولم تعد بعض هذه الحركات تهتم بمحاربة بعض البدع والخرافات، بل أصبحت لها توجهات سياسية عنيفة، وهو ما سُمي بـ«الحركات السياسية الجهادية»، وللحديث بقية.