السرد والبوكر وشهرزاد

25 مايو 2025
25 مايو 2025

لا يمكن التعجب من تكرار فوز وتكريم المرأة ساردة في جائزة أو مجموعة جوائز عالمية وإقليمية ومحلية خصصت للسرد، بل العجب كل العجب أن تنأى المرأة عن هذه الحرفة إلى الصمت أو أن تلهى عنها انشغالا بالحياة والتزاماتها، أو بمجرد الاكتفاء بتلقي سرد الآخرين، لا نقول منذ شهرزاد وحسب، بل قبلها بكثير كانت المرأة وما زالت هي الراوي في قصص الجدة وصوت الأمهات وحكايات النساء مع جلسات الضحى وأسمار المساء، وما رمزية السرد التي هي الحياة في«ألف ليلة وليلة» إلا استمرار وتأكيد لارتباط السرد بالمرأة، ممثلة في شهرزاد التي أنقذت حياتها وحياة الأخريات بنسج خيوط القصص وحكايات الليل معالجة النزعة الانتقامية لدى شهريار الغارق في انشغاله بعدائيته وخصومته للمرأة بألفة السرد وانجذاب المتلقي لعصب الحكاية المعلق في حبكتها المسلمة إياه للتشويق منتظرا نهايتها حتى لو كلفه الانتظار تأجيل قرار الموت مقابل الحياة، صنعت منه خلقا جديدا يأنس بالسرد وسيلة للحياة عبر المرأة ممثلة في الراوي السارد «شهرزاد».

فازت الكاتبة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق، مساء الثلاثاء الماضي، بجائزة بوكر الأدبية الدولية عن مجموعتها القصصية «مصباح القلب» التي تتناول الحياة اليومية لنساء مسلمات في جنوب الهند، تروي بانو في المجموعة القصصية التي كُتبت بالكانادية، اللغة المحلية في جنوب الهند، جوانب من حياة العديد من نساء الهند اللواتي يعانين من التوترات الأسرية والمجتمعية، المجموعة هي أول كتاب باللغة الكانادية يحصل على هذه الجائزة الدولية المرموقة التي تم تقديمها في حفل أقيم في لندن.

ومع الاحتفاء بفوز الكاتبة الهندية لا ينبغي إغفال استعادة النساء مجدهن السردي في هذه المسابقة وغيرها من المحافل الدولية، مع تكرار أسماء لكاتبات ساردات من مختلف أرجاء العالم، فما الذي حال دون ذلك من قبل؟ أ كانت النساء تعيش السرد أكثر مما تكتبه؟ أم كُنَّ يتقصدن تخزين أكبر معدل ممكن من السرد قبل توثيقة على شكل قصة أو رواية؟ هل عظم المخزون - خصوصا مع ما يعيشه العالم اليوم من أزمات وتحديات وكوارث، تتحمل النساء آلامها وتعاني مشقتها مضاعفة - حتى قررت أخيرا كتابتها ونشرها لتتشاركها والآخرين كعادتها لكن توثيقا؟ يعزز ذلك معرفة المدة التي نشرت خلالها الفائزة بجائزة البوكر قصصها بين عامي 1990 و2023، إذ احتاجت مجموعتها الفائزة إلى ثلاثة عقود من الصبر والمثابرة من الكاتبة في التأليف والنشر، ثم من المترجمة في اختيارها من المنشور اثنتي عشرة قصة، بعيدا عن بريق الجوائز وصخب المنصات، كما أنها تطلبت تمازجا مع المجتمع عبر تلبس شخوصه المقهورين والمهمشين من المسكوت عنهم في الكتابات الاستهلاكية العابرة، الكاتبة التي تعمل كمحامية وناشطة نسوية، ألفت ست مجموعات قصصية، ورواية واحدة، ومجموعة مقالات، وديوان شعر، جميعها بلغة الكانادا، قالت عند حصولها على الجائزة «أقبل هذا الشرف العظيم ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين» واصفة فوزها بأنه «لحظة لا تصدّق» وبحسب منظمي الجائزة، فقد تعرّض الكتاب للرقابة من جانب الدوائر المحافظة في الهند، وتم تجنّبه من قبل الجوائز الأدبية الكبرى في البلاد، وقد استبق رئيس لجنة التحكيم ماكس بورتر الإعلان عن فوز مشتاق بالإشادة «بالكتب التي تتحدّى السلطات من السودان إلى أوكرانيا والصين وإريتريا وإيران وتركيا، في كل مكان»، ولا ننسى الاحتفاء بالترجمة كذلك إذ وصف بعض النقاد الترجمة قائلين: «إن القصص الفائزة تمثل انتصارًا ليس فقط للأدب المكتوب بالكانادا، بل أيضًا للترجمة بوصفها مقاومة ثقافية، فمن خلال شراكتها مع المترجمة ديبا بهاستي، فتحت بانو مشتاق نافذة جديدة لحكايات النساء المسلمات في جنوب الهند، وجعلت منها أدبًا عالميًا ذا صوت واضح وقوي»

جائزة بوكر الدولية هي جائزة أدبية كانت تُمنح كل عامين لكنّها منذ 2016 تُمنح سنويا للروايات المترجمة إلى الإنجليزية، وقد فازت بها الروائية العمانية جوخة الحارثي عام 2019 عن روايتها «سيدات القمر» كأول رواية مترجمة عن العربية.

ختاما: فوز بانو مشتاق بالبوكر أعاد للمجاميع القصصية ألقها، ولكتاب القصة طمأنينتهم بعد عقود من تكريس فكرة تفوق الرواية على باقي فنون النثر والشعر معا، كما أنه أعاد شغف الالتفات للمجتمع في يومياته المشحونة بالتوتر، المسكونة بالسرد والدراما، المغذية كل الفنون بكافة أشكالها بطاقات من التعبير والإبداع، وفي شخوصه البسطاء حاملي عبء الحياة بكل ما فيها من ثوابت ومتغيرات، وأحلام ورؤى، وفي وظيفة الكاتب والمثقف لنقل رسالة المستضعفين للعالم دون التسليم باليأس عند عتبات إغلاق الأبواب، وإقصاء الأصوات.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية